جلسة يوم الأحد الموافق ١٢ / ١١ / ٢٠١٧م
برئاسة فضيلة القاضي / سليمان بن عبد الله اللويهي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: زهران بن ناصر البراشدي، ومحمد بن حمد النبهاني، ويحيى محمد عبد القادر، والشيخ ولين الشيخ ماء العينين.
(٩٨)
الطعن رقم ٤٢٢ / ٢٠١٧م
تعويض (تنازل – صلح – جهالة فاحشة – شروط)
– تنازل المضرور من حادث السير عن التعويضات التي يستحقها بسبب الفعل الضار أمام الشرطة وقبل اكتمال التقارير الطبية عن إصاباته تنازل غير معتبر ولا يمنعه لاحقا من المطالبة بالتعويضات أمام المحكمة. علة ذلك أن التنازل صلح، والصلح في المعاوضات لا يصح إن كان العوض مجهول القيمة جهالة فاحشة، وعدم صدور التقارير النهائية بالإصابات يجعل مقدار التعويض عنها مجهولا جهالة فاحشة.
الوقائع
تتحصل الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن الطاعن تعرض لحادث سير مروري (دهس) بتاريخ ٣ / ١٢ / ٢٠١٥م وسجل البلاغ تحت رقم ٥١٢ / ٢٠١٥م بسيارة مؤمنة لدى المطعون ضدها وقد أصيب بعدة إصابات ذكرت في التقارير التفصيلية. وهي كسر مغلق في عظم الكعب الجانبي بالقدم الأيمن مع عملية جراحية لتثبيت الكسر.
ولما كانت السيارة أداة الحادث مؤمنة لدى الشركة المطعون ضدها وكانت بمحض إرادتها قائمة مقام المتسبب وحالة محله في تحمل أعباء الأضرار الواقعة على المضرور الناتجة بسبب الفعل الضار وهو حادث السير فقد أقام الطاعن بتاريخ ٤ / ٧ / ٢٠١٦م دعوى مباشرة ضد الشركة المؤمنة المطعون ضدها بصحيفة أودعها محاميه أمانة سر المحكمة الابتدائية بمسقط طالب من خلالها القضاء له على المدعى عليها بتعويض قدره ثلاثون ألف ريال عماني عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية، ومبلغ قدره ألف ريال عماني أتعاب محاماة، وإلزامها المصاريف.
وبحضور الطرفين ردت الشركة المدعى عليها بدفعها الذي تقدمت به معترفة بالمسؤولية إلا أنها دفعت بدفعين أحدهما عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ردت عليه المحكمة والثاني كون المدعي تنازل عن حقه في المطالبة بمحض إرادته بشرطة عمان السلطانية وطالبت برفض الدعوى. فطلب الحاضر عن المدعي أجلا للرد فقررت المحكمة تأجيل الجلسة إلى ٦ / ١١ / ٢٠١٦م من أجل مخاطبة الشرطة لإرفاق محضر التنازل وفيها حضر وكيل المدعي وتخلف وكيل المدعى عليها وفيها حضر…… من شرطة عمان السلطانية بصفته محرر المحضر وتبين للمحكمة -حسب قولها- أن المدعي الطاعن تنازل عن جميع مطالباته بما فيها مطالبة المدعى عليها، وبسؤال محرر المحضر أفاد أن المدعي كان يجيد اللغة العربية بشكل يمكنه من فهم الكلام ووقع على التنازل بعد إفهامه وتنازل بمحض إرادته الحرة وعقب الحاضر عن المدعي أن موكله تنازل عن الشق الجزائي ولم يتنازل عن التعويض عن الإصابات وانتهى إلى التصميم على الطلبات الواردة في صحيفة الدعوى فقررت المحكمة حجز الدعوى لجلسة ٢٠ / ١١ / ٢٠١٦م للنطق بالحكم، وفيها أصدرت حكما قضى برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصاريف على سند من قولها بأن المدعي تنازل عن حقه بمحض إرادته وحرر فيه محضرا رسميا لا يمكن الطعن فيه إلا بالتزوير بما يعني أنه لم يعد له مطالبة قائمة في مواجهة الشركة المدعى عليها…، فلم يرض الطاعن بالحكم واستأنفه لدى محكمة الاستئناف بمسقط الدائرة المدنية حيث قيد تحت رقم ٩٤٣ / ٢٠١٦م بصحيفة طالب من خلالها القضاء له بطلباته، معللا ذلك بأن تنازله عن الدعوى الجزائية الخاصة بالدعوى العمومية لا يمنع المستأنف من المطالبة بحقه في التعويض عن الضرر الذي أصابه وأن الطاعن لا يفهم اللغة العربية ولا يقرؤها.
وبعد استكمال جميع الإجراءات أصدرت محكمة الاستئناف حكمها الطعين القاضي بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وإلزام رافعه بالمصاريف. فلم يلق حكمها من الطاعن قبولا مرة أخرى وطعن عليه بالنقض لدى المحكمة العليا. وفي يوم الأحد ١ / ٥ / ١٤٣٨هـ الموافق ٢٩ / ١ / ٢٠١٧م صدر الحكم المطعون فيه من محكمة الاستئناف بمسقط الدائرة المدنية بينما في يوم الخميس ٩ / ٣ / ٢٠١٧م تم الطعن عليه بالنقض لدى أمانة سر المحكمة العليا بصحيفة موقعة من محام مقبول للترافع مستوفية لأوضاعها الشكلية وتم إعلان المطعون ضدها. فردت بمذكرة طالبت من خلالها القضاء برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه وإلزام الطاعن بالمصاريف وأتعاب المحاماة. وقد أقيم طعن الطاعن على أسباب حاصلها مخالفة الحكم لصحيح القانون بالخطأ في التطبيق والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق على سند من القول إن الحكم الطعين خالف القانون إذ إنه اعتمد على دعوى المدعى عليها التنازل من المدعي عن الحق المدني تجاه المدعى عليها وأن الطاعن أنكر تنازله جملة وتفصيلا عن حقه في التعويض ذلك أنه لا يجيد اللغة العربية ووقع على التنازل حسب فهمه وأن الحكم الطعين لم يناقش دفاعه ولم يمحصه بالإضافة إلى أن المحكمة لم تورد دفاعه بالشكل الصحيح ولم ترد عليه الرد الكافي مما لو التفت إليه وناقشته لتغير معها وجه الرأي في الموضوع، وانتهى بالمطالبة بنقض الحكم والتصدي للموضوع والقضاء له بطلباته واحتياطيا بنقض الحكم وإعادة الأوراق الى المحكمة التي أصدرته لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة والزام المطعون ضدها المصاريف ومبلغ ألف ريال أتعاب المحاماة.
المحكمة
بعد الاطلاع على سائر الأوراق وبعد استماع التقرير المعد من القاضي المقرر وبعد المداولة ولكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا.
ومن حيث الموضوع فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما ذكره وكيل الطاعن سديد في مضمونه ذلك أنه من الواجب على المحكمة مصدرة الحكم تقصي جميع الدفوع المقامة من الخصوم ودفاعهم ومناقشتها مناقشة موضوعية يتضح منها الحق من الباطل والصواب من الخطأ. والبين من الأوراق أن المحكمة تخلت عن هذا الواجب المنوط بها مما لو قامت به قد يتغير وجه الرأي معها في الموضوع لاسيما أن الطاعن أعجمي لا يفهم اللغة العربية ومعانيها ودلالاتها اللغوية؛ ذلك لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره. والحكم في شيء ما دون تصوره بوضوح ينفي عنه الشك والريب والجهالة باطل وجدير بالنقض. ومما يجب التنبه له أن محضر التنازل بالشرطة ليس فيه شهود عدا توقيع المضرور ومحرر المحضر واعتماد رئيس قسم المرور ومكتوب بالطباعة ما عدا الفراغات فهي بخط اليد وخط شخص واحد ورسالة الشرطة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالمصنعة مؤرخة في ٢٦ / ٦ / ٢٠١٦م بإفادة المحكمة أن القضية أغلقت إداريا بعد تنازل المدعي عن المطالبة بالتعويض في يوم ١٩ / ١٢ / ٢٠١٥م، أما مسودة التنازل فالتأريخ الموجود بها هو يوم ٩ / ١٢ / ٢٠١٥م وليس يوم ١٩ / ١٢ / ٢٠١٥م والشرطة نفسها التي كتبت محضر التنازل بالتاريخ أعلاه فيما يظهر من الأوراق لا تعرف عن حالة الضرر بالمصاب إلا بعد يوم ٢٩ / ٥ / ٢٠١٦م؛ إذ في هذا اليوم تمت مخاطبتها لمستشفى خوله بمطالبتها بالتقارير الطبية الكاشفة عن حالة المريض مع بيان تكلفة العلاج لتتمكن من تكملة باقي الإجراءات وهي موقعة من نفس الشخص الذي وقع على التنازل بتاريخ ٩ / ١٢ / ٢٠١٥م مما يدل دلالة واضحة أن الموضوع فيه شيء من اللبس وعدم الوضوح وهذه الأوراق كلها موجودة بملف محكمة أول درجة وتحت سمع المحكمة مصدرة الحكم المؤيد لحكم أول درجة وبصرها لاسيما أن المصاب أعجمي لا يفهم هذه الأمور كما سبق بيانه أعلاه والتنازل أو التسوية أن لو ثبت شيء منها ففيه جهالة فاحشة وغرر بين واضح على المضرور وذلك لأمرين أولهما عدم الفهم الصحيح من المضرور والثاني كون التنازل على جهالة وذلك من أمرين مهمين أيضا أحدهما عدم المعرفة بالحق المطالب به ومقداره الشرعي، والثاني عدم استقرار وضع حالة الإصابة بالمضرور ومما يؤكد ذلك أن التنازل كان في وقت مبكر وقبل ان تنكشف حالة الإصابة انكشافا ينفي الجهالة والريب كونه تم قبل العلاج اللازم وقبل إجراء العملية الجراحية فالعملية الجراحية عملية تثبيت الكسر تمت بعد هذا التاريخ حسب تقرير إفادة مستشفى خولة المؤرخ في٢ / ١ / ٢٠١٦م وهذا يعني قبل استقرار الوضع للإصابة وانكشاف أضرارها مما يزيد الحكم عيبا في عيب وقد نص أكثر الفقهاء على عدم جواز الصلح في المجهول أو التنازل فيه أو عنه قبل وضوحه بالإضافة إلى أن الأصل بقاء الحق وعدم إسقاطه عمن عليه سواء بتنازل كلي أو جزئي أو تسوية أو صلح فيه وأن الأصل في غير العربي عدم فهم العربية ودلالاتها ومن جماع ما تقدم يتضح بجلاء وجوب التحقيق في القضية والتحقق من جميع ملابساتها ودفوعها ودفاعها ومن ثم إيصال كل ذي حق إلى حقه ولما كان ذلك وكان الحكم الطعين المؤيد لحكم أول درجة خالف هذا النظر فقد تعين على هذه المحكمة القضاء بنقض الحكم وإحالة الموضوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة بناء على طلب الخصوم وبدون رسوم جديدة وألزمت المحكمة الشركة المطعون ضدها المصاريف كونها قائمة مقام المتسبب وحالة محله بمحض إرادتها دون جبر أو إكراه وأمرت برد الكفالة للطاعن.
فلهذه الأسباب
«حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة بناء على طلب الخصوم وبدون رسوم جديدة وإلزام المطعون ضدها بالمصاريف ورد الكفالة للطاعن».