جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٧ / أكتوبر / ٢٠١٧م
المشكلة برئاسة فضيلة السيد / خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي / نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان
(٥٢)
الطعن رقم ١٤٣ / ٢٠١٧م
– قاضي الأحداث « غاية أحكامه».
– غاية الحكم الذي يصدره قاضي الأحداث إنما هو إعادة تأهيل الحدث الجانح عن طريق اختيار التدبير المناسب له ذلك أن إجرام الأحداث يرجع في الغالب إلى بيئة منحرفة وظروف عارضة ولا يرجع إلى نزعات إجرامية متأصلة في نفوسهم وتأسيساً على ذلك كان من أهم مرتكزات السياسة الجنائية الحديثة إصلاح وإعادة إدماج الأحداث بإبعادهم ما أمكن عن العقوبة بمفهومها التقليدي وعدم مؤاخذتهم بالعقوبات الزجرية الرادعة والأخذ بما يؤدي إلى تهذيبهم وإصلاحهم وهو التوجه الذي ارتآه المشرع العُماني لما قام بتنويع تدابير الحماية والتهذيب التي من شأنها أن تساعد قاضي الأحداث في تفريد التدبير واختيار الأنسب منها تبعاً لفهمه الخاص لخطورة الجريمة ولشخصية الحدث الجانح ولطبيعة التدبير.
– مراقب اجتماعي» تقريره».
– التقارير التي يعدها الباحث الاجتماعي عن الأحداث ولئن كانت تشكل ضمانة قوية لمصلحة الحدث خلال المحاكمة باعتبارها تنير الطريق لقضاء الأحداث للتعرف على الحالة الاجتماعية والمادية والصحية والنفسية للحدث إلا أنها تبقى تقارير استشارية بالنسبة للقاضي يستأنس بها فقط وغير ملزمة له أي يبقى هو صاحب الحق المطلق في اختيار التدبير الملائم لشخصية الحدث الجانح الذي يراه أصلح له في تأهيله وتقويمه.
الوقائع
تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهم (المطعون ضده) إلى محكمة الاستئناف بصور (محكمة الجنايات)؛ لأنه بتاريخ (٢٥ / ٤ / ٢٠١٦م) بدائرة اختصاص مركز شرطة جعلان بني بو علي:
أقدم على سرقة المبالغ المبينة وصفاً وقيمةً بالأوراق من منزل المجني عليه….وذلك بأن عمد إلى الدخول بطريقة غير مألوفة عبر تسلق السور الخارجي ثم الدخول عبر الباب الداخلي والتمكن من الاستيلاء على المسروقات، الأمر الذي كشفت عنه التحقيقات.
وطالب الادعاء العام بمعاقبة المتهم بجناية السرقة الموصوفة غير المستجمعة الأحوال المؤثمة بالمادة (٢٨٣) من قانون الجزاء مع مراعاة تطبيق المادة (٢٧) من قانون مساءلة الأحداث حال كونه حدثاً.
وبجلسة (١٩ / ١٢ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة حضورياً بإدانة المتهم /…. بالمادة (٢٨٣) من قانون الجزاء ولكونه حدثاً ينطبق عليه قانون مساءلة الأحداث يُسلَّم لوالده مع التعهد بحسن رعايته.
لم يرتض الطاعن (الادعاء العام) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٩ / ١ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من رئيس ادعاء عام وتم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد عليها.
وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله لما أدان المطعون ضده بالجناية المنسوبة إليه طبق المادة (٢٨٣) من قانون الجزاء والتي تصل عقوبتها عشر سنوات سجن على الأقل إلا أن محكمة الحكم المطعون فيه قضت بتسليم المتهم (المطعون ضده) لوالده لرعايته أي أنها طبقت أحد التدابير المنصوص عليها بالمادة (١٥ / أ) من قانون مساءلة الأحداث وهو ما لا يتناسب مع جسامة الجريمة وخطورتها على المجتمع إضافة إلى حجم وقيمة المسروقات هذا فضلاً عن أن المتهم تعلقت به ثلاث قضايا سرقة نظرتها نفس المحكمة وتأسيساً على ذلك كان بإمكان هذه الأخيرة تطبيق أحد التدابير المنصوص عليها في المادة (٢٠) من القانون المشار إليه بناءً على نص المادة (٢٧) من ذات القانون التي فوضت للمحكمة الحكم على الحدث الذي لم يبلغ سن السادسة عشرة التدابير المنصوص عليها في المادتين (١٥، ٢٠) من القانون نفسه كما لم تأخذ المحكمة برأي وتقرير المراقب الاجتماعي وتوصياته التي أوردها في تقريره وهي إيداع الحدث دار ملاحظة الأحداث، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه غير سديد لما هو مقرر في قضاء المحكمة العليا من أن غاية الحكم الذي يصدره قاضي الأحداث إنما هو إعادة تأهيل الحدث الجانح عن طريق اختيار التدبير المناسب له ذلك أن إجرام الأحداث يرجع في الغالب إلى بيئة منحرفة وظروف عارضة ولا يرجع إلى نزعات إجرامية متأصلة في نفوسهم وتأسيساً على ذلك كان من أهم مرتكزات السياسة الجنائية الحديثة إصلاح وإعادة إدماج الأحداث بإبعادهم ما أمكن عن العقوبة بمفهومها التقليدي وعدم مؤاخذتهم بالعقوبات الزجرية الرادعة والأخذ بما يؤدي إلى تهذيبهم وإصلاحهم وهو التوجه الذي ارتآه المشرع العُماني لما قام بتنويع تدابير الحماية والتهذيب التي من شأنها أن تساعد قاضي الأحداث في تفريد التدبير واختيار الأنسب منها تبعاً لفهمه الخاص لخطورة الجريمة ولشخصية الحدث الجانح ولطبيعة التدبير.
لما كان ذلك وكان الحدث (المطعون ضده) من مواليد (١٤ / ٥ / ٢٠٠٢م) أي أنه لم يبلغ السادسة عشرة من عمره عند ارتكاب الجريمة وبالتالي فإن مسؤوليته الجزائية التي ثبتت للمحكمة وحسب المادة (٢٧) من قانون مساءلة الأحداث تقتضي اتخاذ إجراءات قانونية محددة لا تبلغ مرحلة إنزال عقوبات وإنما تقتصر على فرض تدبير أو أكثر من تدابير الرعاية المنصوص عليها في المادة (١٥) أو تدابير الإصلاح المنصوص عليها في المادة (٢٠) من ذات القانون وبالتالي فقد أطلق المشرع الحرية للقاضي في اختيار التدبير الملائم لشخصية الحدث وقد اختارت المحكمة المطعون في حكمها أن تطبق على الحدث (المطعون ضده) تدبيراً من تدابير الرعاية المنصوص عليها في المادة (١٥) من قانون مساءلة الأحداث وهو تسليمه إلى والده مع التعهد بحسن رعايته. لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء المحكمة العليا أنه لا يوجد من الناحية القانونية ما يمكن أن يعيب حكم المحكمة إذا قضت بتطبيق أحد التدابير حتى في أشد الجرائم بغض النظر عن خطورتها أو طبيعتها سواء كانت مخالفة أو جنحة أو جناية ذلك أن المهم هو ملاءمة التدبير التربوي لشخصية الحدث الجانح وكان البينّ من الحكم المطعون فيه أن المحكمة وبعد أن ثبتت إدانة الحدث وتعبيره عن ندمه عما اقترفه وتنازل المجني عليه قررت تسليمه لوالده الذي تعهد بحسن تربيته وهو التدبير الذي ارتأى المشرع العُماني وضعه على قائمة التدابير التي أوردها صلب المادة (١٥) من قانون مساءلة الأحداث باعتباره أفضل الوسائل نفعاً في إصلاح الحدث وتهذيبه لأن عائلته هي وسطه الطبيعي ولأن أبويه هما أكثر الناس شفقة عليه وأكثرهم رغبة في تقويمه وهما المطالبان شرعاً بالعناية به وتربيته وبالتالي فهما أقدر من غيرهما على مهمة إصلاح الحدث وتأسيساً على ذلك يكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير وجيه ويتعينّ رفضه.
وكذلك الشأن بالنسبة لنعيه على الحكم المطعون فيه عدم الأخذ برأي وتقرير المراقب الاجتماعي الذي أوصى بإيداع الحدث دار ملاحظة الأحداث وذلك لما هو مقرر في قضاء المحكمة العليا من أن التقارير التي يعدها الباحث الاجتماعي عن الأحداث ولئن كانت تشكل ضمانة قوية لمصلحة الحدث خلال المحاكمة باعتبارها تنير الطريق لقضاء الأحداث للتعرف على الحالة الاجتماعية والمادية والصحية والنفسية للحدث إلا أنها تبقى تقارير استشارية بالنسبة للقاضي يستأنس بها فقط وغير ملزمة له أي يبقى هو صاحب الحق المطلق في اختيار التدبير الملائم لشخصية الحدث الجانح الذي يراه أصلح له في تأهيله وتقويمه فاتجه القضاء تبعاً لذلك إلى رفض هذا المنعى أيضاً.
لما كان ذلك وكان ما تقدَّم فإن النعي برمته لا يعدو أن يكون مجرَّد جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير التدبير الذي ارتأته في حق المطعون ضده والذي هو من إطلاقات سلطتها التقديرية وهو ما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا بما يتعينَّ معه القضاء برفض الطعن موضوعاً.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.