جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٣ / مارس / ٢٠١٨م
المشكلة برئاسة فضيلة السيد / خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي / نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، عثمان متولي حسن
(٦٥)
الطعن رقم ٨٢١ / ٢٠١٧م
– جريمة «إطلاق الأعيرة النارية. مراعاة الأعراف والتقاليد». قصد جنائي.
– المشرِّع مايز بين الأعراف الحميدة التي أولتها الجهات المختصة كل الاهتمام وبين الأعراف السلبية التي سادت في الماضي ورأى المشرِّع أنها تهدد أمن وسلامة المجتمع فجرَّم ممارستها دون ترخيص ومن هذه الأعراف إطلاق الأعيرة النارية في الاحتفالات، وبناء عليه لا يصح نفي محكمة الموضوع في حكمها توافر القصد الجنائي لدى المتهم بعلة مراعاة العادات والتقاليد.
الوقائع
تتحصَّلُ الوقائع حسبما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهم (المطعون ضده) إلى المحكمة الابتدائية ببدبد (الدائرة الجزائية)؛ لأنه بتاريخ (١٦ / ٩ / ٢٠١٦م) بدائرة اختصاص مركز شرطة بدبد:
أطلق أعيرة نارية في حفل (الرزفة) دون أن يكون لديه تصريح بذلك من قبل شرطة عُمان السلطانية، وفق الثابت بالأوراق والمعزز باعترافه.
وطالب الادعاء العام بمعاقبته بجُنحة إطلاق أعيرة نارية دون تصريح المؤثمة بالمادة (٢٥) من قانون الأسلحة والذخائر ومصادرة السلاح استناداً للمادة (٢٦) من ذات القانون.
وبجلسة (١٦ / ١١ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة حضورياً بإدانة المتهم (المطعون ضده) بجُنحة إطلاق أعيرة نارية في حفل وقضت بمعاقبته بالسجن شهراً موقوفة النفاذ ومصادرة المضبوطات.
لم يحُز هذا الحكم قبولاً لدى المحكوم عليه (المطعون ضده) فاستأنفه أمام محكمة الاستئناف بالسيب (دائرة الجُنح المستأنفة) التي قضت بتاريخ (١٥ / ٣ / ٢٠١٧م) حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجدداً ببراءة المستأنف من التهمة المسندة إليه.
لم يرتض الطاعن (الادعاء العام) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٢٠ / ٤ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أُودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من مساعد المدعي العام وأُعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن فردَّ عليها بمذكرة تلتفت عنها المحكمة لعدم توقيعها من محام مقبول أمام المحكمة العليا.
وقدَّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعن (الادعاء العام) على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال حينما قضى ببراءة المتهم (المطعون ضده) من الجُرم المنسوب إليه تأسيساً على عدم توافر الركن المعنوي للجريمة (القصد الجنائي) لديه حال إطلاقه للأعيرة النارية وأن ما قام به من فعل ما هو إلا احتفال بالعيد ومشاركة الأهالي في حفل العزوة إلا أن ما ذهب إليه الحكم على هذا النحو في غير محله حيث إن أركان الجريمة متوفرة في الدعوى وذلك من اعتراف المطعون ضده في محضر الاستدلال ومرحلة التحقيق الابتدائي وأمام المحكمة بإطلاق أربع طلقات نارية من سلاح تقليدي في مكان مأهول بالسكان ولغير طلب الاستغاثة ودون ترخيص وأن الركن المعنوي المتمثل في القصد العام (النية الجُرمية) بعنصريه العلم والإرادة متوفر حيث إنه كان يعلم علم اليقين وهو يقوم بإطلاق الأعيرة النارية أنه يفعل ذلك دون ترخيص من الجهة المعنية واتجهت إرادته إلى تحقيق النتيجة ومن ثم فإن الجريمة ثابتة في حقه استناداً للمادة (٢٥) من قانون الأسلحة والذخائر وأن الحكم المطعون فيه خالف المادة (٢٦) من قانون الأسلحة والذخائر عندما لم يقض بمصادرة السلاح المستخدم في الجريمة حيث أوجبت هذه المادة مصادرة الأسلحة موضوع الجريمة في جميع الأحوال، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن سديد إذ من المقرَّر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضي بالبراءة متى تشككت في إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية الدليل غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل الحكم على ما يفيد أن المحكمة محَّصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجَّ حت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، ومن المقرَّر أن جريمة إطلاق عيارات نارية لغير طلب الاستغاثة لا تتطلب سوى القصد الجنائي العام الذي يتحقق بمجرد الإطلاق عن علم وإرادة فقانون الأسلحة والذخائر لم يتطلب قصداً خاصاً فيها سواءً أكان نتيجة محددة يريد الجاني تحقيقها أم باعثاً معيناً يدفعه إلى ذلك فهو معاقب بالمادة (٢٥) من قانون الأسلحة والذخائر ولو كان باعثه مشروعاً.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد برَّر قضاءه بالبراءة بقوله: «… ولما كان من المقرَّر فقهاً وقضاءً وقانوناً أنه يشترط لقيام أية جريمة توافر الركن المعنوي إذ لا بد أن يكون الفاعل عالماً ومريداً لارتكاب الجُرم وهذا ما خلت الأوراق من توافره ذلك أن حيازة المستأنف للسلاح الناري التقليدي وإطلاق الأعيرة النارية بواسطته إنما كان احتفالاً بالعيد ومشاركة لأهالي المنطقة في حفل العزوة والمحكمة تستلهم في ذلك بالنطق السامي لصاحب الجلالة فيما يخص الاهتمام بالتراث المعنوي وما يصاحب فن العزوة من إطلاق أعيرة نارية…» فهذا الذي ذكرته المحكمة غير سائغ فبعد أن أثبتت إطلاق المطعون ضده للأعيرة النارية انتقلت للحديث عن نية المتهم التي قصدها من إطلاق تلك الأعيرة رغم أن المشرِّع صرَّح في عجز المادة (٢٥) من قانون الأسلحة والذخائر بقوله: «… وإذا ارتكب الفعل في مجتمع أو حفل كانت العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على ثلاثة أشهر أو الغرامة التي لا تزيد على ثلاثمائة ريال…» ولما كان ذلك وكان المجتمع العُماني هو بلد التقاليد والأصالة في المحافظة على الأعراف العُمانية إلا أن المشرِّع مايز بين الأعراف الحميدة التي أولتها الجهات المختصة كل الاهتمام وبين الأعراف السلبية التي سادت في الماضي ورأى المشرِّع أنها تهدد أمن وسلامة المجتمع فجرَّم ممارستها دون ترخيص ومن هذه الأعراف إطلاق الأعيرة النارية في الاحتفالات ومن ثم فإن نفي المحكمة المطعون في حكمها توافر القصد الجنائي لدى المتهم جاء بأسباب غير سائغة كما أن نعي الطاعن بشأن سكوت المحكمة عن مصادرة السلاح رغم أنه طلب ذلك في قرار الإحالة سديد
كذلك إذ إن المادة (٢١٩) من قانون الإجراءات الجزائية تنصُّ على أنه: «… على المحكمة أن تفصل في الطلبات التي تقدم لها من الخصوم وتبينِّ الأسباب التي تستند إليها…» كما تنصُّ المادة (١٥) من ذات القانون على أنه: «… ولا يمنع ذلك منُّ عليها القانون…» كما تنصُّ المادة (٢٦) من الحكم بالمصادرة في الحالات التي ينص قانون الأسلحة والذخائر على أنه: «… يُحكم بمصادرة الأسلحة والذخائر موضوع الجريمة في جمع الأحوال وذلك علاوة على العقوبات المنصوص عليها…» ولما كان ما ذكر فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور المبطل في التسبيب بما يوجب نقضه مع الإعادة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.