(١٠)
٥ / ٤ / ٢٠٢٢م
١ – تفسير – ضوابط تفسير النصوص القانونية.
إن المستقر عليه أنه إذا كانت إرادة المشرع واضحة جلية في عباراتها، قاطعة صريحة في دلالتها على حكم معين، تعين الالتزام بما هو مستفاد منها من دون أن يملك من يفسر النص التشريعي – أو يطبقه – لذلك دفعا أو تعطيلا، وأن من واجب المفسر أن يسعى إلى التوفيق بين الأحكام القانونية المعمول بها حتى يتسنى الجمع بينها في الإعمال، ومن دون تعطيل لأحدها، ما لم يتعذر التوفيق بينها في الإعمال – تطبيق.
٢ – موظف – ضم مدة خدمة – التزام صندوق تقاعد موظفي الديوان بتحويل حصيلة الاشتراكات المسددة إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية.
قرر المشرع بموجب قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين وجوب ضم مدة خدمة صاحب المعاش السابقة التي قضاها في إحدى وحدات الجهاز الإداري للدولة الخاضعة لأحكام قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة أو لأي نظم معاشات أخرى إلى مدة خدمته الجديدة إذا أعيد إلى الخدمة ولم يكن قد بلغ سن التقاعد، وبحيث يعامل عند انتهاء خدمته على أساس المدتين معا – مؤدى ذلك – تحويل حصيلة اشتراكات الموظف من صندوق تقاعد موظفي الديوان إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية ويعد من مقتضيات الضم الوجوبي لمدة خدمته، دون إلزام الموظف برد منحة التقاعد التي صرفت له – أساس ذلك – لم يشترط المشرع رد المنحة، ولو أراد ذلك لما أعوزه النص صراحة على ذلك – الغاية من ذلك – حتى لا يترتب عليه حرمان الموظف من الاستفادة من المنحة المستحقة له بموجب نظام التقاعد الذي كان خاضعا له – تطبيق.
فبالإشارة إلى الكتاب رقم:…………. المؤرخ في…………..ه، الموافق………………….م، بشأن طلب الإفادة بالرأي القانوني حول مدى التزام صندوق تقاعد موظفي الديوان بتحويل حصيلة الاشتراكات المسددة عن مدة الخدمة التي قضاها الفاضل / ……………………… لدى شؤون البلاط السلطاني إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية، وآلية تقدير المعاش المستحق للمعروضة حالته عند انتهاء خدمته.
وتتلخص وقائع الموضوع – حسبما يبين من كتاب طلب الرأي ومرفقاته – في أن المعروضة حالته كان يعمل لدى شؤون البلاط السلطاني من ١٨ / ٩ / ١٩٨٩م حتى ٢٤ / ٤ / ٢٠٠٩م، وخضع خلال هذه الفترة لأحكام قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي ديوان البلاط السلطاني، وأنه عند انتهاء خدمته بالاستقالة من شؤون البلاط السلطاني، صرف له صندوق تقاعد موظفي الديوان معاشا تقاعديا ومنحة تقاعد.
وتذكرون أنه بتاريخ ١٨ / ١٠ / ٢٠٠٩م التحق المعروضة حالته بالعمل لدى جامعة السلطان قابوس، وقد تم ضم مدة الخدمة السابقة التي قضاها لدى شؤون البلاط السلطاني تطبيقا لحكم المادة (١٧) من قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين، كما تم إيقاف صرف معاشه التقاعدي من صندوق تقاعد موظفي الديوان – منذ التحاقه بالعمل لدى جامعة السلطان قابوس – تنفيذا لما قضت به المادة (٤) من القانون المشار إليه والتي حظرت الجمع بين الراتب والمعاش.
وتشيرون بأنه في ضوء فتوى وزارة العدل والشؤون القانونية رقم: (و ش ق / م و / ٢١ / ١ / ١٥٩١ / ٩٩م) المؤرخة في ٢٥ / ١٢ / ١٩٩٩م، والفتوى رقم: (و ش ق / م و / ٢١ / ١ / ١٢٨٦ / ٢٠٠٦م) المؤرخة في ٣٠ / ١٠ / ٢٠٠٦م، فإن أحكام الضم الواردة في قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين قائمة على ضم مدة الخدمة السابقة للموظف؛ لتكون في الاعتبار عند تقدير المعاش الذي يتولى صرفه صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية، شريطة أن يستأدي الصندوق جميع المبالغ المتعلقة بمستحقات الموظف التقاعدية، والتي تتمثل في الاشتراكات التي ساهم بها في نظام المعاشات الذي كان خاضعا له مع أي مبالغ أخرى تتعلق بتلك المستحقات، فقد قام الصندوق بمخاطبة صندوق تقاعد موظفي الديوان لتحويل حصيلة اشتراكات المعروضة حالته عن مدة خدمته السابقة لدى شؤون البلاط السلطاني، وقد أفاد بتعذر ذلك على سند من القول بأن المعروضة حالته صرفت له منحة تقاعد كما أنه استحق معاشا تقاعديا عن تلك المدة.
وإزاء ما تقدم، تطلبون الإفادة بالرأي القانوني حول الآتي:
أولا: مدى التزام صندوق تقاعد موظفي الديوان بتحويل حصيلة الاشتراكات المسددة عن مدة خدمة المعروضة حالته لدى شؤون البلاط السلطاني إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية.
ثانيا: آلية تقدير المعاش المستحق للمعروضة حالته عند انتهاء خدمته، وما إذا كان يتطلب المقارنة ما بين قيمة المعاش المستحق من صندوق تقاعد الديوان الموقوف صرفه حاليا، وبين المعاش الذي يستحقه من صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية عن المدتين معا، ومن ثم صرف المعاش الأكبر.
وردا على ذلك، يسرني أن أفيد معاليكم بأن المادة (٤) من قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٢٦ / ٨٦ تنص على أنه:” لا يجوز الجمع بين الراتب والمعاش، كما لا يجوز صرف أكثر من معاش واحد من الخزانة العامة، سواء كان المعاش مستحقا طبقا لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر، وإذا استحق أكثر من معاش صرف الأكبر”.
وتنص المادة (١٧) من القانون ذاته على أنه:” إذا أعيد صاحب المعاش – الذي كان يعمل بإحدى وحدات الجهاز الإداري للدولة سواء تلك التي تطبق أحكام هذا القانون أو أي نظم معاشات أخرى – إلى الخدمة ولم يكن قد بلغ سن التقاعد تضم مدة خدمته السابقة إلى مدة خدمته الجديدة ويعامل عند انتهائها على أساس المدتين معا”.
ومفاد ما تقدم، أن المشرع حظر الجمع بين الراتب والمعاش التقاعدي أو صرف أكثر من معاش من الخزانة العامة، وإذا استحق أكثر من معاش طبقا لأحكام قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين أو أي قانون آخر صرف الأكبر، كما قرر المشرع بصريح النص وجوب ضم مدة خدمة صاحب المعاش السابقة التي قضاها في إحدى وحدات الجهاز الإداري للدولة الخاضعة لأحكام قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة أو لأي نظم معاشات أخرى إلى مدة خدمته الجديدة إذا أعيد إلى الخدمة ولم يكن قد بلغ سن التقاعد، وبحيث يعامل عند انتهاء خدمته على أساس المدتين معا.
وإذ استبان ذلك، وكان الثابت أن المعروضة حالته انتهت خدمته من شؤون البلاط السلطاني واستحق عنها معاشا تقاعديا ومنحة تقاعد، والتحق بعدها بالعمل لدى جامعة السلطان قابوس، وتم إيقاف صرف معاشه التقاعدي من صندوق تقاعد موظفي الديوان لحظر الجمع بين الراتب والمعاش؛ وأنه إعمالا لمقتضى حكم المادة (١٧) من قانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العمانيين، فقد تم ضم مدة خدمة المعروضة حالته السابقة لدى شؤون البلاط السلطاني إلى مدة خدمته الحالية في جامعة السلطان قابوس؛ ومن ثم فإن تحويل حصيلة اشتراكات المعروضة حالته من صندوق تقاعد موظفي الديوان إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية يعد من مقتضيات الضم الوجوبي لمدة خدمة المعروضة حالته تطبيقا لحكم المادة (١٧) سالفة البيان، ولما تقضي به القاعدة الأصولية “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، ويغدو لزاما على صندوق تقاعد موظفي الديوان الاستجابة لطلب صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية وتحويل حصيلة الاشتراكات عن مدة خدمة المعروضة حالته، ولا يقدح في ذلك سبق قيام صندوق تقاعد موظفي الديوان بصرف معاش تقاعدي ومنحة تقاعد للمعروضة حالته، باعتبار أن مناط استحقاق كليهما قد توفر في شأنه عندئذ؛ أما وقد التحق بعدها بالعمل في جامعة السلطان قابوس وتم وقف صرف معاشه التقاعدي، فإن التطبيق القانوني السليم لحكم المادة (١٧) المشار إليها – والتي وردت عامة بصيغة مطلقة دون تقييدها بشرط – يوجب ضم مدة خدمة المعروضة حالته وتحويل حصيلة اشتراكاته إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية دون إلزامه برد منحة التقاعد التي صرفت له؛ إذ إن المادة المذكورة لم تشترط الرد، ولو أراد المشرع ذلك لما أعوزه النص صراحة على ذلك كما أن مسلك المشرع بعدم إلزام الموظف برد منحة التقاعد هو الأكثر عدالة حتى لا يترتب عليه حرمان الموظف من الاستفادة من المنحة المستحقة له بموجب نظام التقاعد الذي كان خاضعا له، أما فيما يتعلق بالمعاش التقاعدي الذي صرف للمعروضة حالته خلال الفترة من تاريخ انتهاء خدماته وإلى حين تعيينه في جامعة السلطان قابوس، فإنه ولما كانت الأوراق قد أبانت بأن المعروضة حالته قد أبدى استعداده بدفع ما صرف له، فيكون عندئذ لصندوق تقاعد موظفي الديوان استيفاء تلك المستحقات من المعروضة حالته، ولا يجوز له خصم ذلك من اشتراكات المعروضة حالته في صندوق تقاعد موظفي الديوان؛ إذ إن هذا الأخير ملزم بتحويل قيمة تلك الاشتراكات إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية باعتبارها دينا عليه مستحق الأداء للصندوق الأخير. (فتوى وزارة العدل والشؤون القانونية رقم: (وش ق / م و / ٢١ / ١ / ٧١٩ / ٢٠٠٩) بتاريخ ٥ / ٥ / ٢٠٠٩م).
أما فيما يتعلق بآلية تقدير المعاش المستحق للمعروضة حالته عند انتهاء خدمته، فإنه ولما كان المستقر عليه إفتاء وقضاء أنه إذا كانت إرادة المشرع واضحة جلية في عباراتها، قاطعة صريحة في دلالتها على حكم معين، تعين الالتزام بما هو مستفاد منها على هذا النحو من دون أن يملك من يفسر النص التشريعي – أو يطبقه – لذلك دفعا أو تعطيلا، كما أن من واجب المفسر أن يسعى – دائما – إلى التوفيق بين الأحكام القانونية المعمول بها حتى يتسنى الجمع بينها في الإعمال، ومن دون تعطيل لأحدها، ما لم يتعذر التوفيق بينها في الإعمال؛ ولما كانت المادة (١٧) المشار إليها قد أبانت على نحو واضح وصريح بأنه عند ضم مدة الخدمة السابقة للموظف إلى مدة خدمته الجديدة، فإن المعاش المستحق له من صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية – بعد انتهاء خدمته – سيكون على أساس المدتين معا (السابقة والجديدة)، ما مؤداه عدم الحاجة إلى إجراء مقارنة ما بين قيمة المعاش الذي كان يستحقه المعروضة حالته من صندوق تقاعد الديوان والموقوف صرفه حاليا، وبين المعاش الذي سيستحقه من صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية عند انتهاء خدمته.
لذلك؛ انتهى الرأي إلى التزام صندوق تقاعد موظفي الديوان بتحويل حصيلة الاشتراكات المسددة عن مدة خدمة المعروضة حالته لدى شؤون البلاط السلطاني إلى صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية، وتقدير معاشه عند انتهاء خدمته على أساس مدة خدمته السابقة والجديدة دون إجراء مقارنة ما بين معاشه السابق الموقوف صرفه والمعاش الذي سيستحقه من صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية عند انتهاء خدمته، وذلك على النحو المبين في الأسباب.