التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – هيئة تنازع الاختصاص: طلب التنازع رقم ٨ / ٠٧م

0007/8 8/0007 07/8 8/07 ٠٠٠٧/٨ ٨/٠٠٠٧ ٠٧/٨ ٨/٠٧

تحميل

جلسة يوم الاثنين الموافق٢٧  / ٥  /  ٢٠١٥ م

المشكلة برئاسة فضيلة الشيخ د / إسحاق بن أحمد البوسعيدي، رئيس المحكمة العليا، رئيس الهيئة، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:

الشيخ د. عبد الله بن راشد بن عزيز السيابي نائب رئيس المحكمة العليا

د. صالح بن حمد بن سالم الراشدي نائب رئيس المحكمة العليا

الشيخ. خالد بن راشد بن سعيد المنوري نائب رئيس المحكمة العليا

علي بن سالم بن علي النعماني نائب رئيس المحكمة العليا

مسعود بن محمد بن علي الراشدي قاضي المحكمة العليا

سعيد بن خلف بن سالم التوبي نائب رئيس محكمة القضاء الإداري

ناصر بن محمد بن ناصر الرواحي مستشار بمحكمة القضاء الإداري

أحمد بن محمد بن سالم الوهيبي مستشار بمحكمة القضاء الإداري

جابر بن خلفان بن سالم الهطالي مستشار بمحكمة القضاء الإداري

زاهر بن عبد الله بن ثابت العبري مستشار بمحكمة القضاء الإداري

(٦)
طلب التنازع رقم (٨) السنة القضائية السابعة

إدارة (موظف – انهاء خدمة – منازعة) – مخاصمة (قضاة – محكمة قضاء إداري- عدم قبول)

– إذا لم تسلك الإدارة إجراء المساءلة الإدارية عن واقعة الغياب وتمسكت بالقرينة المقرّرة لصالحها، وهي اعتبار هذا الموظّف مستقيلا حكماً، وعليه يغدو القرار المطعون فيه الصادر بإنهاء خدمته قائماً على سببه متّفقا وصحيح حكم القانون، الأمر الّذي تضحي معه دعواه غير قائمة على ما يبرّرها خليقة بالرفض.

– الاختصاص بنظر دعوى مخاصمة القضاة (دعوى مسؤوليّة) ترقى إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز قبول المخاصمة، وبذلك لا يكون معقوداً لجهة القضاء العادي متى كان المخاصم فيها أحد قضاة محكمة القضاء الإداري أو دائرة من دوائرها.

– استبعد القانون بصفة ضمنيّة جواز إقامة دعوى المخاصمة ضدّ رئيس وقضاة المحكمة العليا لعدم وجود محكمة أعلى، ويستنتج من ذلك بمفهوم المخالفة أنّه متى كانت إحدى الدّوائر الاستئنافيّة بمحكمة القضاء الإداري هي المخاصمة في الدّعوى فلا يجوز لدائرة استئنافيّة أخرى مساوية لها أن تتعهّد بنظر تلك الدّعوى حتّى ولو في حال غياب دائرة عليا في جهة القضاء الإداري تكون بمنزلة المحكمة العليا في جهة القضاء العادي.

– الثّابت أنّ الحكم المخاصم فيه قد صدر عن رئيس وأعضاء الدّائرة الاستئنافيّة الأولى بمحكمة القضاء الإداري وهي هيئة قضائيّة لا وجود لرقابة أعلى عليها، فلا يجوز لدائرة استئنافيّة مساوية لها أن تتعهّد بنظر دعوى المخاصمة ضد رئيسها وأعضائها، ذلك أنّ البناء الهرمي لدوائر محكمة القضاء الإداري وفقا مّ ا جاء خالياً من وجود دائرة عليا بها، ومن ثمّ فإنّ الدّائرة لقانون إنشائها إن الاستئنافية الثانية، وهي من ذات مستوى الدّائرة المخاصمة، لا يجوز أن يمتدّ نظرها لمثل هذه الدعوى، الأمر الّذي يتعين معه القضاء بعدم اختصاصها.

– إن دعوى المخاصمة هي دعوى ذات طبيعة خاصة لا يمكن تصنيفها تحت ولاية مّا تتحدّد الجهة القضائيّة المختصّة بنظرها جهة قضائيّة معينة دون غيرها، وإن بحسب انتماء القاضي المخاصم إلى إحدى الجهات القضائية، فإذا كان هذا القاضي يتبع جهة القضاء العادي كانت هذه الجهة هي المختصة بنظر دعوى مخاصمته، أما إذا كان يتبع لجهة القضاء الإداري كان الاختصاص بنظر تلك الدعوى معقودا لمحكمة القضاء الإداري.

– الحكم المخاصم فيه لم يصدر عن أعضاء دائرة ابتدائية بالمحكمة حتى تكون مختصة بنظرها، وإنما صدر عن رئيس وأعضاء الدّائرة الاستئنافيّة الأولى، وهي هيئة قضائيّة لا وجود لرقابة أعلى عليها، نظرا إلى أنّ البناء الهرمي لدوائر محكمة القضاء الإداري جاء خالياً من وجود دائرة عليا بها، مما لا يجوز معه لدائرة استئنافيّة أن يمتدّ نظرها لدعوى مخاصمة تستهدف رئيس وأعضاء دائرة استئنافيّة أخرى باعتبارهما من نفس المستوى.

– نظرا لطبيعة دعوى المخاصمة والمخاصمين فيها فقد أدى الفصل فيها إلى الحكم   بعدم الاختصاص نوعيّا بنظرها من قبل الدائرة الاستئنافية الثانية بمحكمة القضاء الإداري المحالة إليها وذلك للأسباب السالفة الذكر، وعليه فإنه لا مناص لهذه الهيئة من القضاء بعدم قبول الطلب الماثل، لعدم استيفائه شروط التّنازع السّلبي بين جهتي القضاء العادي والإداري.

أولاً- في الإجراءات

بتاريخ ٢٣ / ١٠ / ٢٠١٤م أودع المحامي / ……  من مكتب…. للمحأماة والاستشارات القانونيّة، المقيّد لدى المحكمة العليا  أمانة سرّ الهيئة عريضة الطّلب الماثل بصفته وكيلا عن مقدّم الطّلب بموجب وكالة مصدّق عليها من كاتب العدل بمسقط بتاريخ ١١ / ٣ / ٢٠١٤م، طالبا في ختامها الحكم بتعيين المحكمة المختصة ولائيًا بنظر الدّعوى موضوع الطّلب الماثل، وأرفق بها صورا ضوئيّة من سند الوكالة ومن الحكمين اللذين وقع بشأنهما التّنازع.

وبتاريخ ٢٨ / ١٠ / ٢٠١٤م قام محضر الهيئة بإعلان المقدّم ضدّهم الطّلب بصورة منه ومرفقاته، إلا أنهم لم يقدموا أي ردّ عليه خلال الأجل المحدّد قانونا، وعليه قرّر فضيلة الشيخ الدكتور رئيس الهيئة بتاريخ ١٨ / ١١ / ٢٠١٤م إحالة ملف هذا الطلب إلى الأمانة الفنية للهيئة لتحضيره، وإعداد تقرير برأيها القانوني بشأنه، حيث تبينّللأمانة الفنيّة أنّ الطّلب مستوف لكافّة الأوراق والمستندات اللازمة للفصل في موضوعه، وأنّ الهيئة قد كفلت الردّ والتّعقيب لكافة الأطراف، ومن ثمّ قامت بتحضير الطّلب الماثل وأعدّت تقريرا تضمن رأيها بشأنه قدّمته إلى رئيس الهيئة، بعد ذلك نظرت الهيئة هذا الطّلب على النحو المبينّ بمحضر الجلسة، وقرّرت إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم ٢٧ / ٥ / ٢٠١٥م، وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه ومنطوقه عند النطق به.

ثانياً- الهيئة

بعد الاطلاع على الأوراق، وإتمام المداولة قانوناً.

وحيث إن الطلب الماثل قد استوفى جميع أوضاعه الشكلية المقررة قانونا فيكون مقبولا شكلا.

وحيث إنّه عن وقائع الطّلب الماثل فتتحصل في أنّ مقدم الطلب سبق أن أقام الدّعوى رقم (١٨ / ١٣ ق) بعريضة أودعت أمانة سرّ الدّائرة الابتدائيّة بمحكمة القضاء الإداري بصلالة طعنا بعدم الصحّة في قرار إنهاء خدمته من وزارة التنمية الاجتماعية، مع ما يترتّب على ذلك من آثار، وبتاريخ ٧ / ١ / ٢٠١٣م حكمت الدائرة المذكورة: « بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بعدم صحّة قرار الجهة الإدارية  المدّعى عليها الصّادر بتاريخ ١٥ / ١٠ / ٢٠١٢م بإنهاء خدمة المدّعي، مع ما يترتّب على ذلك من آثار، وذلك على النّحو المبينّ بالأسباب، وألزمت تلك الجهة مصاريف الدّعوى، ومبلغ (٢٠٠) مائتي ريال عماني مقابل أتعاب المحاماة».

وبتاريخ ٥ / ٢ / ٢٠١٣م استأنفت وزارة التنمية الاجتماعية الحكم الابتدائي بالاستئناف رقم (٢٠٤ /  ١٣ق س)، وبجلسة ١٨ / ٢ / ٢٠١٣م حكمت الدّائرة الاستئنافيّة الأولى فيه: «بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجدّدا بقبول الدّعوى شكلا، ورفضها موضوعا، وألزمت المستأنف ضدّه المصاريف عن درجتي التّقاضي»، وقد شيّدت المحكمة قضاءها على أنّ المستأنف ضدّه، والّذي كان يشغل وظيفة باحث قانوني على الدرجة المالية الأولى بالمديريّة العامّة للتنمية الاجتماعيّة بمحافظة ظفار، قد انقطع عن عمله دون إذن خلال الفترة من ١ / ١ / ٢٠١٢م وحتى ١١ / ٦ / ٢٠١٢م، وعليه قام المدير العام بتاريخ ٢٥ / ٦ / ٢٠١٢م بعرض الأمر على وكيل الوزارة مؤكّدا في خطابه بأنّ المذكور ممتنع منذ فترة طويلة عن توقيع الحضور والانصراف بنظام البصمة، وأنّه لم يباشر عمله خلال هذه الفترة، وبناء على ذلك تمّت مخاطبة وزارة الخدمة المدنيّة بتاريخ ١٤ / ٨ / ٢٠١٢م لإبداء الرّأي القانوني في مدى جواز إنهاء خدمة المذكور للاستقالة الضمنيّة؛ استنادا لحكم المادّة (١٤٥) من قانون الخدمة المدنيّة؛ والّتي ردّت بتاريخ ٢٣ / ٩ / ٢٠١٢م بجواز ذلك، وبتاريخ ١٥ / ١٠ / ٢٠١٢م أصدر وزير التنمية الاجتماعية القرار المطعون فيه رقم (ش م / ١٠٨٨٩) لسنة ٢٠١٢م، بإنهاء خدمة المستأنف ضدّه من ١ / ١ / ٢٠١٢م بداية تغيّبه عن العمل، ومن ثمّ وإذ ثبت للمحكمة انقطاع المستأنف ضدّه عن عمله دون إذن خلال تلك الفترة، والّتي ربت على ستّة أشهر كاملة، وأنّه لم يقدّم لجهة الإدارة بعد عودته لمباشرة عمله أي عذر قهري يبرّر به سبب انقطاعه عن العمل طيلة الفترة الماضية، فإنّه باكتمال مدّة غياب المذكور ثلاثين يوماً دون أن يعاود العمل خلال أسبوع من اكتمال هذه المدّة مبدئياً الأعذار الّتي تبرر انقطاعه عن العمل فقد تحقّق بشأنه مناط إعمال قرينة الاستقالة الضمنيّة، وتعتبر خدمته منتهية بحكم القانون بداية من تاريخ تغيبّه، لا سيّما وأنّ جهة الإدارة لم تشأ أن تسلك معه إجراء المساءلة الإدارية عن واقعة الغياب متمسّكة بالقرينة المقرّرة لصالحها، وهي اعتبار هذا الموظّف مستقيلا حكماً، وعليه يغدو القرار المطعون فيه الصّادر بإنهاء خدمته قائماً على سببه متّفقا وصحيح حكم القانون، الأمر الّذي تضحى معه دعواه غير قائمة على ما يبرّرها خليقة بالرفض، وإذ؛ لم يرتض المستأنف ضدّه (مقدم   طلب التنازع) هذا الحكم فقد طعن عليه بالالتماس رقم (٢٣ / ١٣ ق.س) طالباً الحكم: بقبوله شكلا، وفي الموضوع: بإلغاء الحكم الملتمس فيه، والقضاء مجدّداً برفض الاستئناف، وتأييد الحكم المستأنف، وإلزام الملتمس ضدّها المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة؛ لأسباب حاصلها: أوّلاً: أنّ الوزارة الملتمس ضدّها قدّمت أثناء نظر الاستئناف صورة من كشف الحضور والانصراف الخاصّ بالملتمس عن الفترة من ١ / ١ / ٢٠١٢ وحتى ١١ / ٦ / ٢٠١٢م يفيد عدم توقيعه بنظام البصمة حضوراً وانصرافاً، وانقطاعه عن العمل دون عذر خلال تلك الفترة، ثمّ عاودت وأقرّت على نفسها بمذكّرتها المودعة بعد قفل باب المرافعة والمودعة أمانة السرّ بتاريخ ١٦ / ٢ / ٢٠١٣م بأنّ الملتمس كان حضوره شكليّا، وهو ما يعدّ غشّاً من جانبها أثّر على الحكم الملتمس فيه، ثانياً: حصول الملتمس بعد صدور الحكم الملتمس فيه على أوراق قاطعة في الدّعوى كانت الوزارة الملتمس ضدّها قد حالت دون تقديمه لها، حيث إنّها تقرّ صلب المذكّرة المودعة منها بعد قفل باب المرافعة في الاستئناف المشار إليه بحضور الملتمس خلال فترة الانقطاع محلّ قرار إنهاء الخدمة المطعون فيه حضورا

شكليّا، وبما أنّه لم يطّلع على هذه المذكّرة إلا مؤخّراً كونها لم تودع إلا بعد قفل باب المرافعة، فإنّه تتوفّر بذلك حالة من حالات الالتماس المنصوص عليها قانونا، ثالثاً:

إخفاء الوزارة الملتمس ضدّها لمستند أثّر في الحكم الملتمس فيه، حيث إنّ الحكم استند في قضائه على رأي المدير العام بعد استطلاعه من قبل الوزارة والّذي أكّد على انقطاع الملتمس عن العمل خلال الفترة المشار إليها، وأغفل ذكر وجود خصومات سابقة بينه وبين المدير العام كان نتيجتها أن قام هذا الأخير بوضع تقرير تقويم أداء وظيفي له عن عام ٢٠١٠م بتقدير ضعيف لم يتمّ اعتماده من قبل الرئيس الأعلى، وتمّ تعديله والاعتداد بتقدير رئيسه المباشر الّذي كان قد وضع له تقدير ممتاز عن أدائه الوظيفي في العام المشار إليه، وبالتّالي ما كان على الحكم أن يرتكن إلى رأي المدير العام بخصوص موضوع الدّعوى.

وبتاريخ ١٥ / ٤ / ٢٠١٣م حكمت الدّائرة الاستئنافيّة الأولى بعدم قبول الالتماس، وألزمت الملتمس المصاريف؛ تأسيساً على أنّه مجرّد مجادلة في الحكم الملتمس فيه، وما هو في حقيقته إلا طعن بالطّريق العادي في حكم نهائي حائز لحجيّة الأمر المقضي به، وهو ما لا يجوز قانونا.

ولم يلق هذا الحكم الاستئنافي قبولا لدى المستأنف ضدّه (مقدم طلب التنازع) فطعن عليه بدعوى البطلان الأصليّة رقم (٢٧٤ / ١٣ ق.س) طالباً: «الحكم بقبول الدّعوى

شكلا، وفي الموضوع: أصليّا: بإلغاء الحكم الصّادر في الاستئناف رقم (٢٠٤ / ١٣ق.س)؛   لعدم توفّر شروط الاستعجال، ولإخلاله بحقّ الدفاع، واحتياطيّا: بتطبيق مواعيد الاستئناف المنصوص عليها في المادّة (١١) من قانون المحكمة على الاستئناف رقم (٢٠٤ / ١٣ق.س) حتى يتسنّى لأطراف الخصومة تبادل الرّدود وتمكينهم من حقّ الدّفاع»، وذلك لأسباب حاصلها الإخلال بحقّ الدّفاع على أساس أنّ الاستئناف المقام من الوزارة قد تضمّن شقّا مستعجلاً بطلب الحكم: بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأنّ رئيس الدّائرة الاستئنافيّة الأولى بما له من سلطة بموجب القانون، واستجابة منه لحاجة الاستعجال في الطّلب قد أمر بتقصير مواعيد الإعلان الواردة بالمادّة (١١) من قانون محكمة القضاء الإداري، وقد تمّ تحديد جلسة ١١ / ٢ / ٢٠١٣م لنظر الشقّ المستعجل، وتمّ إخطاره بميعاد الجلسة قبل يوم واحد فقط بتاريخ ١٠ / ٢ / ٢٠١٣م، ورغم ذلك فقد تمكّن من الحضور إلا أنّه فوجئ بقيام المحكمة بإصدار حكم في موضوع الاستئناف دون أن يتمكّن من الردّ على موضوع الدّعوى؛ كونه لم يكن مستعدّاً بعد للردّلا سيّما وأنّ إعلانه بالحضور للجلسة كان لنظر الشقّ المستعجل من استئناف الوزارة دون الموضوع.

وبتاريخ ٨ / ٤ / ٢٠١٣م حكمت المحكمة: «بقبول دعوى البطلان الأصليّة شكلاً، وبرفضها موضوعاً، وألزمت الطّاعن المصاريف»، وقد أقامت حكمها على أنّ دعوى البطلان الأصليّة يجب أن تقف عند الحالات الّتي تنطوي على عيب جسيم يمثّل إهدارا للعدالة على نحو يفقد معها الحكم صفته كحكم، وبه تختلّقرينة الصحّ ة الّتي تلحق به قانوناً، فلا يصبح عنوانا للحقيقة ولا يتحقّق به أن يكون هو عين الحقيقة وحقّ اليقين، أما إذا قام الطّعن على أسباب موضوعيّة تندرج كلّها تحت

احتمالات الخطأ والصّواب في تفسير القانون وتأويله فإنّ هذه الأسباب لا تمثّل إهدارا للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، وبالتّالي لا تصمه بأيّ عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام الّتي هي مناط قبول دعوى البطلان الأصليّة، ولذلك فلا

يجب أن تكون مجالاً أو مناسبةً لمعاودة المجادلة فيما قضى به الحكم الصّادر عن الدّائرة الاستئنافيّة، ولمّا كان الثّابت من الأوراق، ومن مطالعة الحكم المطعون فيه وملفّ الاستئناف رقم (٢٠٤ / ١٣ق.س)، أنّه ولئن تمّ بالفعل تقصير مواعيد الإعلان بصحيفة الاستئناف ومرفقاته المنصوص عليها بالمادّتين (١١و١٢) من قانون المحكمة، وحدّد جلسة ١١ / ٢ / ٢٠١٣؛ لنظر الاستئناف وإعلان المستأنف ضدّه قبل ميعاد الجلسة المحدد بيوم واحد فقط، إلا أنّ الثّابت من مطالعة محضر جلسة المرافعة حضور المستأنف ضدّه بشخصه الجلسة، وإبداء دفاعه شفاهة وتقديم مذكّرة بالردّ والتّعقيب على موضوع الاستئناف، طلب في ختامها الحكم:  برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وأرفق بها صوراً ضوئيّة لعدد من الأوراق والمستندات الّتي تؤيّد دعواه، كما أنّ الحاضر عن الوزارة المستأنفة لم يقدّم أيّ مذكّرة أو مستندات خلال الجلسة، واكتفى بما قُدّم أمام محكمة أوّل درجة؛ لذلك ارتأت المحكمة أنّ موضوع الاستئناف جاهز للفصل فيه، وأنّ الفصل في الموضوع يغني عن الفصل في الشقّ العاجل من طلبات الجهة الإدارية المستأنفة، وعليه قرّرت ضمّ الشقّ المستعجل للشقّ الموضوعي من الاستئناف، وأصدرت فيهما الحكم المطعون فيه بعد أن كفلت لجميع الأطراف حقّ الدّفاع، ومن ثمّ يضحي السّبب الّذي قامت عليه دعوى البطلان الأصليّة غير قائم على ما يبرّره، الأمر الّذي لا يسوغ معه للطّاعن أن يتّخذ من هذه الدّعوى سبيلاً للالتفاف على حجيّة الحكم المطعون فيه، وما يمثّله من عنوان للحقيقة.

وإذ لم يرض المدعي (مقدم طلب التنازع) بذلك الحكم فقد أقام دعوى مخاصمة ضدّ رئيس وأعضاء الدّائرة الاستئنافيّة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت أمانة سرّ المحكمة العليا بمسقط وقيّدت برقم (١ / ٢٠١٣) لدى الدّائرة المدنيّة (د)، طلب في ختامها الحكم أوّلاً: أصليا: ١- بقبول دعوى المخاصمة شكلا،

٢- بإلغاء الحكم المستأنف رقم (٢٠٤ / ١٣ ق س) الصّادر بجلسة ١٨ / ٢ / ٢٠١٣م، وإعادة القضيّة إلى محكمة القضاء الإداري الدّائرة الاستئنافيّة بهيئة مغايرة، ٣- بتأييد الحكم الابتدائي، ٤- بالتّعويض عن الخسائر الماديّة والمعنويّة من إثر

إنهاء الخدمة والحكم المستأنف، ثانيا: احتياطيًّا: ١- الحكم ببطلان الحكم الصّادر عن محكمة القضاء الإداري – الدّائرة الاستئنافيّة الأولى- رقم (٢٠٤ / ١٣ ق س)

الصّادر بجلسة ١٨ / ٢ / ٢٠١٣ م، ٢- التّعويض عن الخسائر الماديّة والمعنويّة الّتي لحقت به من أثر قرار إنهاء الخدمة والحكم المستأنف.

وبينّ المدّعي شرحاً لدعواه أنّه أقام هذه الدّعوى مستنداً لنصّ المادّة (٥٩) من النظام الأساسي للدّولة، والموادّ من (٣٢٩) وحتى (٣٣٣) من قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة، وأنّ أسباب مخاصمته تخلص في الآتي: أوّلاً: انحياز القضاة ودفاعهم عن الجهة الإدارية على نحو جعلهم خصوما في الدّعوى، ثانياً: الخطأ المهني الجسيم، ثالثاً: تعسّف القضاة في استعمال السّلطة التقديريّة وتجاوز الغاية منها، وعدم الحياد عن قصد، رابعاً: إحداث ربكة للمدّعي عن طريق إعلانه بجلسة لنظر موضوع معينّ، وفي ذات الجلسة يُنظر موضوع آخر، خامساً: حجز الدّعوى للحكم قبل تسلُّم ملفّ الدّعوى الابتدائيّة من الدّائرة الابتدائيّة بصلالة. وبجلسة ٢٦ / ٣ / ٢٠١٤م قضت الدّائرة المدنيّة (د) بالمحكمة العليا بعدم اختصاص   المحكمة ولائيّا بنظر الدعوى، وباختصاص القضاء الإداري بنظرها، ومصادرة الكفالة، وقد شيّدت قضاءها بعدم الاختصاص والإحالة على أنّ المستقرّ عليه قضاءً أنّ الاختصاص بنظر دعوى مخاصمة القضاة هي دعوى مسؤوليّة ترقى إلى تعويض ضرر أصاب المخاصم، وتستند إلى قيام القاضي بعمل أو إصدار حكم مشوب بعيب يجيز قبول المخاصمة، وبذلك لا يكون معقوداً لجهة القضاء العادي متى كان المخاصم فيها أحد قضاة محكمة القضاء الإداري أو دائرة من دوائرها،

ولا يؤثّر في ذلك ما ورد في المادّة (١٠٥) من قانون محكمة القضاء الإداري الصّادر بالمرسوم السلطاني رقم (٩١ / ٩٩) المعدّلة بالمرسوم السلطاني رقم (٣ / ٢٠٠٩) بشأن محكمة القضاء الإداري من أنّه فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون، تطبّق على الخصومة الإدارية أحكام قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة وذلك فيما لا يتعارض مع طبيعة هذه الخصومة، فإنّ ذلك لا يعني تخويل المحاكم العاديّة ولاية الفصل في دعاوى المخاصمة الّتي تقام ضدّ قضاة محكمة القضاء الإداري، باعتبار أنّ قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة قد نظّم إجراءات هذه الدّعوى وأحكامها بالنّسبة لقضاة القضاء العادي، وإذ خلا قانون محكمة القضاء الإداري من ذلك التّنظيم فإنّه وفقاً لتفسير حكم المادة (١٠٥) من ذلك القانون أنّ الأحكام المنظّمة لحالات وإجراءات دعوى مخاصمة القضاة المنصوص عليها في الموادّ (٣٢٩ و٣٣٠ و٣٣١ و٣٣٢) من قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة تعدو مجرّد تحديد للقواعد الإجرائيّة الّتي تطبّقها محكمة القضاء الإداري وهي بصدد الفصل في الدّعوى المقامة أمامها بمخاصمة أحد قضاتها أو دائرة من دوائرها، وذلك في حدود ما يتّسق وأصول القضاء الإداري وطبيعة الدّعوى أمامه، خاصّة وأنّ توزيع ولاية القضاء بين جهتي القضاء العادي والإداري من المسائل وثيقة الصّلة بأسس النّظام القضائي الّتي لا يجوز مخالفتها وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يثره أحد الخصوم، وممّا يؤكّد عدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدّعوى الماثلة أنّ المادّة (٣٣٢) من قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة أجازت للدّائرة الّتي تنظر دعوى المخاصمة أن تصدر حكماً جديداً في الدّعوى الأصليّة إذا رأت أنّها صالحة للفصل فيها، وذلك إذا قضت بصحّة دعوى المخاصمة، ومن ثمّلا يستقيم اختصاص القضاء العادي بنظر دعوى المخاصمة المقامة ضدّ أحد قضاة محكمة القضاء الإداري أو دائرة من دوائرها، وهو غير مختصّ ولائيّا بنظر الدّعوى الأصلية. وتنفيذا لحكم المحكمة العليا المشار إليه نظرت الدّائرة الاستئنافية الثانية بمحكمة القضاء الإداري دعوى المخاصمة المذكورة، وأصدرت بجلسة ٩ / ٧ / ٢٠١٤م حكمها   فيها قاضياً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدّعوى على النّحو المبينّ بالأسباب، وألزمت المدّعي المصاريف، وقد شيّدت هذه الدائرة قضاءها على أنّ المشرّع – وعلى غرار ما دأبت عليه النظم والتشريعات المقارنة – اقتضى أن يتمّ إقامة دعوى المخاصمة أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة الّتي يتبعها القاضي أو القضاة المدّعى عليهم فيها، فحدّد المحكمة المختصّة بنظر دعوى المخاصمة بأنّها المحكمة الاستئنافيّة الّتي يعمل في دائرتها القاضي الابتدائي المدعى عليه، وبأنّها المحكمة العليا متى كان المخاصم قاضيا بالمحاكم الاستئنافيّة، واستبعد من ثمّ بصفة ضمنيّة جواز إقامة دعوى المخاصمة ضدّ رئيس وقضاة المحكمة العليا لعدم وجود محكمة أعلى، ويستنتج من ذلك بمفهوم المخالفة أنّه متى كانت إحدى الدّوائر الاستئنافيّة بمحكمة القضاء الإداري هي المخاصمة في الدّعوى فلا يجوز لدائرة استئنافيّة أخرى مساوية لها أن تتعهّد بنظر تلك الدّعوى حتّى ولو في حال غياب دائرة عليا في جهة القضاء الإداري تكون بمنزلة المحكمة العليا في جهة القضاء العادي، ولمّا كان المدّعي قد أقام دعواه الماثلة مختصما رئيس وأعضاء الدّائرة الاستئنافيّة الأولى وكان الحكم الصّادر فيها عن المحكمة العليا بتاريخ ٢٦ / ٣ / ٢٠١٤م قد سلّم باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدّعوى، وهو ما يتّفق وصحيح حكم القانون بالنظر لطبيعة المنازعة الصّادر فيها الحكم المخاصم فيه وهي خصومة إداريّة، إلا أنّه وإذ كان الثّابت أنّ الحكم المخاصم فيه قد صدر عن رئيس وأعضاء الدّائرة الاستئنافيّة الأولى بمحكمة القضاء الإداري وهي هيئة قضائيّة لا وجود لرقابة أعلى عليها، فلا يجوز لدائرة استئنافيّة مساوية لها أن تتعهّد بنظر دعوى المخاصمة ضد رئيسها وأعضائها، ذلك أنّ البناء الهرمي لدوائر محكمة القضاء الإداري وفقا لقانون مّا جاء خالياً من وجود دائرة عليا بها، ومن ثمّ فإنّ الدّائرة الاستئنافية إنشائها إن الثانية، وهي من ذات مستوى الدّائرة المخاصمة، لا يجوز أن يمتدّ نظرها لمثل هذه الدعوى، الأمر الّذي يتعين معه القضاء بعدم اختصاصها نوعيّا بنظر الدّعوى الماثلة دون إحالة، ويظاهر ذلك ويؤيّده ما ذهب إليه المدّعي نفسه حينما أكّد في مذكّرة دفاعه المقدّمة بجلسة ٨ / ٧ / ٢٠١٤م على وجود فراغ تشريعي يتمثّل في عدم وجود دائرة أو محكمة عليا بجهة القضاء الإداري، ممّا يقتضي تدخّل المشرّع بعمل تعديل تشريعي لسدّ الفراغ المذكور.

وحيث إن الحكمين المشار إليهما أصبحا نهائيين، ونظرا لتخلي كل من جهتي القضاء العادي والإداري عن نظر دعوى المخاصمة المعروضة عليهما، فقد تقدّم المذكور بتاريخ ٢٣ / ١٠ / ٢٠١٤م بطلب التّنازع الماثل إلى هيئة تنازع الاختصاص والأحكام   للفصل في هذا التنازع، وذلك بتعيين الجهة القضائية المختصة ولائيا بنظر تلك الدعوى.

وحيث إنّ تعيين المحكمة المختصّة بنظر أيّ دعوى إنمّا يتمّ في ضوء الاختصاص الولائي المنوط بها المحدد بالقانون الذي ينظّمها.

فتنص المادة (٨) من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٩٠ / ٩٩ على أنه: « فيما عدا الخصومات الإدارية، تختص المحاكم المنصوص عليها في هذا القانون بالحكم في الدعاوى المدنية والتجارية، وطلبات التحكيم، ودعاوى الأحوال الشخصية، والدعاوى العمومية والعمالية والضريبية والإيجارات، وغيرها، الّتي ترفع إليها طبقا للقانون، إلا ما استثنى بنص خاص….».

وتنص المادة (٦) من قانون محكمة القضاء الإداري الصّادر بالمرسوم السلطاني رقم (٩١ / ٩٩) المعدّل بالمرسوم السلطاني رقم (٣ / ٢٠٠٩) على أنّه: «تختص محكمة القضاء الإداري – دون غيرها – بالفصل في الخصومات الإدارية»

كما تنص المادة (٢) من قانون هيئة تنازع الاختصاص والأحكام الصّادر بالمرسوم السلطاني رقم (٨٨ / ٢٠٠٨) على أنّه: «تختص الهيئة دون غيرها بما يأتي:

أ – الفصل في حالات تنازع الاختصاص الإيجابي والسلبي بين المحاكم المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية ومحكمة القضاء الإداري وأية محكمة أخرى، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام محكمتين من المحاكم المشار إليها ولم تتخل إحداهما عنها أو تخلت كلتاهما عنها.

ب -…».

وحيث إنّه عن موضوع الدعوى المتعلق بالطلب الماثل فتنص المادّة (٣٢٩) من قانون

الإجراءات المدنيّة والتجاريّة الصّادر بالمرسوم السلطاني رقم (٢٩ / ٢٠٠٢) على أنّه: «تجوز مخاصمة القضاة وأعضاء الادعاء العام في الأحوال الآتية:

أ- إذا وقع من القاضي أو عضو الادعاء العام في عملهما غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم.

ب- في الأحوال الأخرى التي يقضي فيها القانون بمسؤولية القاضي والحكم عليه بالتعويض».

وتنصّ المادّة (٣٣٠) من القانون ذاته على أنّه: «ترفع دعوى المخاصمة بتقرير في أمانة سر محكمة الاستئناف التي يعمل القاضي أو عضو الادعاء العام في دائرة اختصاصها إذا كان المخاصم قاضيا بالمحاكم الابتدائية أو ممن يشغلون وظيفة رئيس ادعاء عام فما دونها أو بتقرير في أمانة سر المحكمة العليا، إذا كان المخاصم   قاضيا في محاكم الاستئناف أو مساعدا للمدعي العام.

ويتعين أن يكون التقرير موقعا من الطالب أو ممن يوكله في ذلك توكيلا خاصا وأن يشتمل على بيان أوجه المخاصمة وأدلتها وأن تودع معه الأوراق المؤيدة لها وعلى الطالب عند التقرير أن يودع مبلغ مائة ريال على سبيل الكفالة».

وتنص المادّة (٣٣٢) منه على أنّه: «إذا قُضي بعدم جواز المخاصمة أو برفضها، حُكم على الطالب بمصادرة الكفالة مع التعويضات إن كان لها وجه.

وإذا قُضى بصحة المخاصمة حكم على القاضي أو عضو الادعاء العام بالتعويضات، إن كان لها وجه، والمصروفات وببطلان تصرفه، ومع ذلك لا تحكم المحكمة ببطلان الحكم الصادر لمصلحة خصم آخر غير المدعي في دعوى المخاصمة إلا بعد إعلانه لإبداء أقواله، ويجوز في هذه الحالة أن تصدر المحكمة في الدعوى الأصلية حكما جديدا إذا رأت أنها صالحة للفصل فيها، وذلك بعد سماع أقوال الخصوم».

وحيث إنه يستفاد مما تقدم أن قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة قد نظم دعوى المخاصمة، فأجاز للخصوم مخاصمة القضاة عن أعمالهم القضائية في الأحوال التي يقع منهم غشّ أو تدليس أو خطأ مهني جسيم عند نظرهم في الدعاوى المعروضة عليهم، أو في حال ثبوت مسؤوليتهم الشخصية الموجبة للتعويض على النحو المقرر قانونا، وذلك بأن ترفع دعوى المخاصمة أمام محكمة أعلى درجة من المحكمة الّتي يتبعها القاضي أو القضاة المدّعى عليهم فيها، فحدّد محكمة الاستئناف التي يعمل القاضي في دائرة اختصاصها إذا كان المخاصم قاضيا بالمحاكم الابتدائية، وحدد المحكمة العليا إذا كان المخاصم قاضيا في محاكم الاستئناف، إلا أن هذا القانون لم ينص على مخاصمة قضاة المحكمة العليا، وهو ما يعني أنه استبعد بصفة ضمنيّة إقامة دعوى المخاصمة ضدّهم وذلك لعدم وجود محكمة أعلى يمكن رفع الدعوى أمامها، باعتبارهم يتصدّرون أعلى هرم التّنظيم القضائي العادي، الأمر الذي يستنتج من ذلك – كقاعدة عامة – عدم جواز رفع دعوى مخاصمة القاضي أمام محكمة من نفس مستوى المحكمة التي ينتمي إليها وإنما يجب أن تكون أمام محكمة أعلى.

وهذا التنظيم لدعوى المخاصمة على النحو سالف الذكر ينطبق على أعضاء محكمة القضاء الإداري وذلك إعمالا لحكم المادة (١٠٥) من قانونها التي أحالت إلى تطبيقّ خاص في قانون الإجراءات المدنيّة والتجاريّة المشار إليه فيما لم يرد بشأنه نص قانون المحكمة، وذلك فيما لا يتعارض مع طبيعة الخصومة الإدارية، وعليه تختص إحدى الدوائر الاستئنافية بنظر دعوى المخاصمة إذا كان المخاصم فيها عضوا أو   أعضاء في أي دائرة من الدوائر الابتدائية، أما إذا كان المخاصم عضوا أو أعضاء في دائرة استئنافية فيسري في شأنهم الحكم الضمني المقرر لقضاة المحكمة العليا بعدم جواز رفع دعوى المخاصمة ضدهم، وذلك لعدم وجود دائرة عليا بمحكمة القضاء الإداري، وبالتالي لا يجوز لدائرة استئنافيّة مساوية أن تنظر دعوى مخاصمة ضد أعضاء الدائرة الاستئنافية الأخرى، لعدم اختصاصها نوعيا بذلك.

وحيث إنه يتضح على النحو سالف الذكر أن دعوى المخاصمة هي دعوى ذات طبيعة خاصّة لا يمكن تصنيفها تحت ولاية جهة قضائيّة معينة دون غيرها، وإنمّا تتحدّد الجهة القضائيّة المختصّة بنظرها بحسب انتماء القاضي المخاصم إلى إحدى الجهات القضائية، فإذا كان هذا القاضي يتبع جهة القضاء العادي كانت هذه الجهة هي المختصة بنظر دعوى مخاصمته، أما إذا كان يتبع لجهة القضاء الإداري فيكون الاختصاص بنظر تلك الدعوى معقودا لمحكمة القضاء الإداري.

وحيث إنّ مناط قبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص الإيجابي أو السلبي وفقا للفقرة (أ) من المادّة (٢) من قانون هيئة تنازع الاختصاص والأحكام المشار إليه، هو أن تكون الدعوى قد رفعت عن موضوع واحد أمام محكمتين من المحاكم المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية ومحكمة القضاء الإداري وأية محكمة أخرى ، ولم تتخلّ إحداهما عنها أو تخلّت كلتاهما عنها، ويقصد بتنازع الاختصاص في هذا الشأن هو الاختصاص الولائي الذي يعني تحديد نصيب كلّ جهة قضائيّة من جهات التّقاضي بالدولة من ولاية القضاء عموما، وليس الاختصاص النّوعي الذي يهدف إلى توزيع الاختصاص بين المحاكم المختلفة داخل الجهة القضائيّة الواحدة بحسب نوع المنازعة الّتي تطرحها الدّعوى، الأمر الذي يتعين معه التحقق بداية من مدى توفر حالة تنازع الاختصاص في الطلب الماثل من عدمه.

وحيث إنه بتطبيق ما تقدّم على حالة هذا الطلب يتبين من حيثيات وأسباب الحكمين الصادرين في دعوى المخاصمة المتنازع فيهما سالفي الذكر، أنه ولئن قضت الدّائرة المدنيّة (د) بالمحكمة العليا في حكمها الصادر بجلسة ٢٦ / ٣ / ٢٠١٤م بعدم اختصاص المحكمة ولائيّا بنظر هذه الدعوى، وباختصاص القضاء الإداري بنظرها، إلا أن

الحكم الصّادر عن الدّائرة الاستئنافيّة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بتاريخ ٩ / ٧ / ٢٠١٤م- بعد إحالة الدعوى إليها من المحكمة العليا- أقرّ باختصاص محكمة القضاء الإداري ولائيّا بنظر الدّعوى مؤيدا بذلك ما انتهى إليه حكم المحكمة العليا المشار إليه، وذلك بالنظر إلى الطّ بيعة الإدارية للمنازعة الصّادر فيها الحكم   المخاصم فيه وهي خصومة إدارية، ولكنه انتهى قضاؤه إلى عدم اختصاص الدائرة الاستئنافية الثانية نوعيا بنظر تلك الدعوى، تأسيسا على أن الحكم المخاصم فيه لم يصدر عن أعضاء دائرة ابتدائية بالمحكمة حتى تكون مختصة بنظرها، وإنما صدر عن رئيس وأعضاء الدّائرة الاستئنافيّة الأولى، وهي هيئة قضائيّة لا وجود لرقابة أعلى عليها، نظرا إلى أنّ البناء الهرمي لدوائر محكمة القضاء الإداري جاء خالياً من وجود دائرة عليا بها، مما لا يجوز معه لدائرة استئنافيّة أن يمتدّ نظرها لدعوى مخاصمة تستهدف رئيس وأعضاء دائرة استئنافيّة أخرى باعتبارهما من نفس المستوى.

وعليه فإن طلب التنازع الماثل لا تتوفر فيه حالة تنازع الاختصاص السّلبي المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادّة (٢) من قانون هيئة تنازع الاختصاص والأحكام المشار إليه، وذلك لعدم توفر حالة عدم الاختصاص الولائي لجهتي القضاء العادي والإداري في الحكمين المتنازع فيهما معا، إذ إنه لا خلاف بين هاتين الجهتين على اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائيا بنظر دعوى المخاصمة محل هذا الطلب، إلا أنه نظرا لطبيعة هذه الدعوى والمخاصمين فيها فقد أدى الفصل فيها إلى الحكم بعدم الاختصاص نوعيّا بنظرها من قبل الدائرة الاستئنافية الثانية بمحكمة القضاء الإداري المحالة إليها وذلك للأسباب السالفة الذكر، وعليه فإنه لا مناص لهذه الهيئة من القضاء بعدم قبول الطلب الماثل، لعدم استيفائه شروط التّنازع السّلبي بين جهتي القضاء العادي والإداري.

فلهذه الأسباب

حكمت الهيئة بعدم قبول طلب التنازع الماثل.