جلسة يوم الأحد الموافق ١١ / ١٢ / ٢٠١٦م
برئاسة فضيلة القاضي / سليمان بن عبدالله اللويهي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: زهران بن ناصر البراشدي، ومحمد بن حمد النبهاني، وعبد الله شيخ الجزولي، ويحيى محمد عبد القادر.
(٨٩)
الطعن رقم ١١٦٥ / ٢٠١٦
تعويض (تحديد – ضرر – ارتجاج – آمة – دامغة)
– جرى قضاء المحكمة بالتعويض عن الارتجاج قياسا على الآمة أو الدامغة، لما يسببه من اختلال في وظائف الدماغ مثل الرؤية، التيقظ، والتوازن.
الوقائع
تتلخص الوقائع كما أوردها الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن المطعون ضده بصفته وليا عن ابنه القاصر (…….) أقام الدعوى رقم (١٥٠ / ٢٠١٥م) بتأريخ: ٥ / ٣ / ٢٠١٥م ضد الطاعنة (المدعى عليها) أمام المحكمة الابتدائية بصلالة بوساطة محاميه بموجب صحيفة طلب في ختامها الحكم بإلزامها بأن تؤدي له مبلغا قدره مائتا ألف ريال عماني (٢٠٠,٠٠٠ ر.ع) مع المصاريف وأتعاب المحاماة، وذلك على سند من القول: إن ابنه تعرض بتأريخ: ٣٠ / ٤ / ٢٠١٤م لحادث سير تسبب فيه قائد المركبة رقم (………) المؤمنة لدى الطاعنة (المدعى عليها)، وقد نتج عن الحادث إصابته بالإصابات الآتية:
ارتجاج دماغي شديد وخضع لجهاز التنفس الصناعي مدة يومين.
يعاني من قلة التركيز، وتغير السلوك.
جرح قطعي فوق الرأس تاركا ندبة تشوهية واضحة، مع فقدان الشعر.
كسر عظم العضد الأيمن وعولج تحفظيا
عجز (٨٠٪).
وفي الجلسة المحددة لنظر الدعوى حضر ممثل الطاعنة (المدعى عليها) وفي رده على الدعوى طلب رفضها فيما زاد على أحد عشر ألفا وخمسمائة ريال عماني (١١,٥٠٠ ر.ع).
وبتأريخ: ١ / رجب / ١٤٣٦هـ الموافق ٢٠ / ٤ / ٢٠١٥م حكمت المحكمة الابتدائية
بإلزام الطاعنة (المدعى عليها) بأن تؤدي للمدعي (المطعون ضده) تعويضا قدره أربعة وثلاثون ألفا وخمسمائة ريال عماني (٣٤,٥٠٠ ر.ع) والأتعاب والمصاريف.
لم يلق هذا الحكم قبولا لدى كلا الطرفين فاستأنفاه بالاستئنافين رقمي (٢٨٣ / ٢٠١٥م و٣١٤ / ٢٠١٥م) أمام محكمة الاستئناف بصلالة، الأول من المطعون ضده بموجب صحيفة أودعها أمانة سر محكمة الاستئناف بتأريخ: ٢٣ / ٤ / ٢٠١٥م بوساطة وكيله القانوني طلب في ختامها تعديل الحكم برفع مبلغ التعويض إلى مائتي ألف ريال عماني (٢٠٠,٠٠٠ ر.ع) وساق أسبابا حاصلها مخالفة الحكم المستأنف للقانون والواقع؛ لأن ما قضى به من تعويض أقل من حجم الضرر الموصوف بالتقارير الطبية، ولالتفاته عن قيمة العلاج. والثاني من الطاعنة بموجب صحيفة أودعتها أمانة سر محكمة الاستئناف بتأريخ ٦ / ٥ / ٢٠١٥ بوساطة وكيلها القانوني طلب في ختامها تعديل الحكم المستأنف بتخفيض التعويض المقضي به إلى أحد عشر ألفا وخمسمائة ريال عماني (١١,٥٠٠ ر.ع)، وساق أسبابا حاصلها مخالفة الحكم المستأنف للقانون عندما قضى بتعويض أكثر مما هو مناسب وحجم الضرر.
وبتأريخ: ٢٨ / ٨ / ١٤٣٦هـ الموافق ١٦ / ٦ / ٢٠١٥م أصدرت محكمة الاستئناف حكمها في الاستئنافين بالنزول بمبلغ التعويض إلى اثنين وثلاثين ألفا وخمسمائة ريال عماني (٣٢,٥٠٠ ر.ع)، وجاء سندا لهذا القضاء أن دفع المستأنف (المطعون ضده) غير سديد بما في ذلك فواتير العلاج التي لم يتم اعتمادها من جهة رسمية مما يقتضي رفض استئنافه. وأما ما دفعت به المستأنفة (الطاعنة) فهو سديد وتستجيب المحكمة لطلبها للتخفيض.
ولم يلق هذا الحكم قبولا من المطعون ضده فطعن فيه بالنقض بالطعن رقم ١١١١ / ٢٠١٥م الذي حكمت فيه المحكمة العليا بتأريخ: ٢٤ / صفر ١٤٣٧هـ الموافق ٦ / ١٢ / ٢٠١٥م بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة، وذلك لأن التعويض الذي حكمت به المحكمة لا يتفق مع حجم الضرر حيث أجمل بعض الإصابات التي حاقت بالطاعن (المطعون ضده) وقدر لها تعويضا غير مناسب ولم يفصل لكل إصابة ما تستحقه، كما أنه أتى بتقديرات غير مناسبة مع بقية الإصابات التي عوض عنها الطاعن (المطعون ضده) وكان الواجب عليه تتبع عناصر الضرر جميعها مع تفصيل ما تستحقه كل إصابة من تعويض.
وبتأريخ: ٩ / ٨ / ١٤٣٧هـ الموافق ١٧ / ٥ / ٢٠١٦م أصدرت محكمة الاستئناف بهيئتها المغايرة حكمها في الاستئناف رقم (٢٨٣ / ٢٠١٥) (المرفوع من المطعون ضده) برفع مبلغ التعويض المحكوم به إلى اثنين وستين ألف ريال عماني (٦٢,٠٠٠ ر.ع)، وذلك عن الإصابات الآتية:
ارتجاج دماغي شديد (٥,٠٠٠ ر.ع).
خضع لجهاز التنفس الصناعي مدة يومين (١٠,٠٠٠ ر.ع).
يعاني من قلة التركيز، وتغير السلوك (٧,٥٠٠ ر.ع).
جرح قطعي فوق الرأس (٧٥٠ ر.ع).
تاركا ندبة تشوهية واضحة (١,٠٠٠ ر.ع).
فقدان الشعر، دية كاملة (١٥,٠٠٠ ر.ع).
جروح متعددة في الوجه (٢,٢٥٠ ر.ع).
رفع جسم غريب ويستحق (١,٠٠٠ ر.ع).
تمت خياطة الجروح (١,٥٠٠ ر.ع).
ندب تشوهية واضحة (٣,٠٠٠ ر.ع).
يحتاج إلى عملية تجميلية مستقبلا (١,٥٠٠ ر.ع).
كسر عظم العضد الأيمن وعولج تحفظيا (١,٥٠٠ ر.ع).
عجز ٨٠٪ (١٢,٠٠٠ ر.ع).
ولم يلق هذا الحكم قبولا من الطاعنة فطعنت فيه بالطعن الماثل بموجب صحيفة موقعة من محاميها المقبول للترافع أمام المحكمة العليا الذي أودعها أمانة سر هذه المحكمة بتأريخ: ٢٣ / ٦ / ٢٠١٦م مشفوعة بصورة من سند وكالته عن الطاعنة وما يفيد سداد الرسوم المقررة وإيداع مبلغ الكفالة طبقا لمقتضيات المادتين (٢٤٦ / ١ و٢٤٧ / ١) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
وقد أقيم الطعن على سببين ينعى وكيل الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسبب الأول مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وقال في بيانه: إن الحكم الطعين خالف المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) حين حكم للمطعون ضده بأكثر من ثلاثة أضعاف ما يستحقه من دية وأروش، فقد اعتمد على تقرير نسبة العجز دون إلزام المطعون ضده بتقديم تقرير مفصل حتى يتسنى معرفة الإصابة ومقدار التعويض، كما سمى بعض الإصابات بمسميات لا تتناسب مع ملحق الديات والأروش، وجعل بعضها حكومة بالرغم من أن لها مسميات حسب الملحق، وقد خالف عندما عوض المطعون ضده عن الارتجاج وخضوعه لجهاز التنفس الصناعي ليومين وقلة التركيز في حين أنها تستحق جميعها ثلث الدية، وقد عوضه الحكم عن الارتجاج
(٥,٠٠٠ ر.ع)، وعن الخضوع لجهاز التنفس (١٠,٠٠٠ ر.ع)، ونصف الدية (٧,٥٠٠ ر.ع) عن قلة التركيز، وعوضه الحكم الطعين أيضا عن جرح الرأس والنتيجة وهي ندبة تشوهية وفقدان الشعر بينما التعويض المستحق هو عن الجرح القطعي وهو من قبيل السمحاق وهي التي جاوزت اللحم وأظهرت القشرة ولها (٤٪) أي (٦٠٠ ر.ع)، ولا يستحق المطعون ضده الدية كاملة عن فقدان الشعر لكونه لم يفقده كاملا بل الجزء الذي أصيب، كما عوضه أكثر من مرة عن جروح الوجه مع رفع جسم غريب والخياطة والندبة التشوهية حيث يمكن إدراجها من ضمن الباضعة التي شقت الجلد ووصلت اللحم وأثرت فيه ولها (٤٪) أي (٦٠٠ ر.ع) ويكون جملة ما يستحقه هو (١,٨٠٠ ر.ع). كما لا يستحق تعويضا عن نسبة العجز لكون المطعون ضده قد تم تعويضه عن كل إصابة على حدة ويخالف هذا المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م)؛ لأن التعويض المنصوص عليه قانونا يشمل جميع الأضرار المادية والمعنوية وفق نص المادة الثالثة التي تنص على أن تكون الديات والأروش المشار إليها جابرة لجميع الأضرار المادية والمعنوية، وعليه يكون المبلغ المستحق هو (٨,٩٠٠ ر.ع). وبالسبب الثاني ينعى وكيل الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وقال في بيانه: إن تقدير الحكم الطعين للتعويض كان مغالى فيه وكان يجب على المحكمة أن تبين التقدير تفصيلا والسند الذي استندت عليه من التقارير إذ لا يمكن الاعتماد على تقرير مختصر من لجنة العجز. وطلب وكيل الطاعنة في ختام صحيفة الطعن نقض الحكم المطعون فيه والتصدي للاستئناف والقضاء مجددا بالنزول بمبلغ التعويض إلى ثمانية آلاف وتسعمائة ريال عماني (٨,٩٠٠ ر.ع).
وبتأريخ: ٢٣ / ٨ / ٢٠١٦ أعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن ولم يرد عليها في الميعاد القانوني وحتى عرض الطعن للنظر بجلسة (٢٧ / ١١ / ٢٠١٦م).
المحكمة
بعد الاطلاع على سائر الأوراق، وبعد تلاوة التقرير الذي أعده القاضي المقرر وبعد المداولة. وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فقد قبلته المحكمة في غرفة المداولة.
وحيث إنه عن النعي بالسبب الأول فإنه ليس في محله في شقه المتعلق بالتقرير الطبي، حيث لا يبين أن الطاعنة قد نازعت في صحة محتوياته أو عدم كفايته لبيان عناصر الضرر أمام محكمة أول أو ثاني درجة بما لا يمكن المحكمة من تقدير التعويض، وإذ لم تفعل فلا يجوز لها الطعن أو التشكيك فيه لأول مرة أمام هذه المحكمة، ومن ثم فإن التقرير الطبي الصادر من لجنة العجز يبقى السند الوحيد في تحديد الإصابات كأفضل بينة وتستنتج المحكمة مما اشتمل عليه نوع الإصابات ومن ثم تنزل عليها قواعد الفقه الإسلامي ذات الصلة كما نص عليها المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م)، والقواعد التي أحال إليها في المادة الثانية، التي تنص على أن: تحدد الديات والأروش في الإصابات والجروح على النحو المبين في الملحق المرافق، وذلك دون الإخلال بالحق في الديات والأروش في غير الحالات الواردة في هذا الملحق.
وحيث إن التقرير الطبي الصادر من لجنة العجز عادة ما يتضمن حصرا للإصابات كما جاءت في التقارير التفصيلية، إلا أنه في بعض الأحيان قد يقتصر على بيان الإصابات التي لها أثر مباشر على وظائف الجسم لتقدير نسبة العجز، فإنه لا ضير على محكمة الموضوع إن هي رأت كفاية هذا التقرير والاعتماد عليه في بيان عدد ووصف الإصابات بما يمكنها من تقدير التعويض العادل الجابر للضرر في ضوء ما اشتمل عليه متى ما كان متفقا مع التقارير التفصيلية، أو كان المضرور قد رضي بها كسند لتحديد عناصر الضرر التي لحقت به.
وحيث إنه عن النعي على الحكم المطعون فيه في شقه المتعلق بمخالفة المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م)، من حيث تقديره للتعويض فإنه في محله؛ ذلك أن الذي يبدو من الحكم المطعون فيه أنه قدر التعويض في بعض الحالات تقديرا متسرعا لعدم تمحيص الإصابات والوقوف على آثارها فجاء التقدير مغالى فيه في هذه الإصابات، وعلى سبيل المثال تعويض فقدان (شعر) بدية كاملة، فضلا عن تقديره تعويضا عن نسبة العجز الكلية على الرغم من تعويض المطعون ضده عن كل إصابة على حدة، وكان يتعين أن يبين الحكم سبب هذا التعويض استظهارا لقناعتها وبيانا لسندها.
وحيث إنه عن النعي بالسبب الثاني، فإنه لما كان الرد على السبب الأول بشقيه قد تضمن الرد على هذا السبب، فقد تعين نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إنه لما كانت هذه المحكمة قد قضت في الطعن رقم (١١١١ / ٢٠١٥م) بنقض الحكم الصادر في الاستئنافين رقمي (٢٨٣و ٣١٤ / ٢٠١٥م) وأحالت الدعوى إلى محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة، وكانت محكمة الاستئناف قد ضمت الاستئنافين المشار إليهما وأصدرت فيهما حكما واحدا، ذلك لاتحادهما خصوما وموضوعا إذ انحصرت مطالبة المطعون ضده (المستأنف) في طلب زيادة التعويض، ومطالبة الطاعنة (المستأنفة أيضا) في رفض استئناف المطعون ضده، كما اتحدا سببا، فإن الضم قد أدى إلى إدماجهما، ومن ثم فإن تعجيل أحد الاستئنافين بعد النقض فإنه يكون شاملا للاستئنافين.
وحيث إن الطعن للمرة الثانية فإنه يتحتم على هذه المحكمة إعمالا لحكم المادة (٢٦٠ / ٤) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية أن تحكم في الموضوع وجوبا.
وحيث إنه عن الارتجاج فقد جرى قضاء هذه المحكمة على تعويضه قياسا على الآمة أو الدامغة، لما يسببه من اختلال في وظائف الدماغ مثل الرؤية، والتيقظ، و التوازن، ويشفى الارتجاج في معظم الأحيان دون أي مضاعفات على المدى البعيد، إلا أنه في بعض الأحيان قد تستمر المعاناة من أعراضه على المدى البعيد، وذلك يعتمد على شدة الإصابة ومدى تأثر الدماغ منها. وحيث إن الثابت من التقرير الطبي أن الارتجاج لم يكن شديدا فحسب بل أدى إلى غيبوبة، ونتج عنه قلة في التركيز، وتغير في السلوك، فيأخذ من حيث الأثر حكم الآمة، وله ثلث الدية، وقد صادف حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه صحيح القانون في تقدير التعويض عن هذه الإصابة. كما أصاب في تقدير التعويض عن المدة التي خضع فيها المطعون ضده للتنفس الصناعي إذ الرأي الطبي أنه غيبوبة بالفعل، وكذلك التعويض عن كسر عظم العضد الأيمن. وحيث إنه في قلة التركيز وتغير السلوك ثمانون (٨٠٪) في المائة من الدية، أما جرح الرأس وفقدان شعر، والندبة التشوهية ففيها (٢٠٪) من الدية، وفي باقي الإصابات حكومة عدل تقدرها المحكمة بستين بالمائة (٦٠٪) من الدية، أي بمبلغ قدره تسعة آلاف ريال عماني (٩,٠٠٠ ر.ع)، وترتيبا على هذا تحكم المحكمة في الاستئنافين رقمي ٢٨٣ و٣١٢ / ٢٠١٥بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده مبلغا قدره أربعون ألفا وخمسمائة ريال عماني (٤٠,٥٠٠ ر.ع)، وإلزام المطعون ضده المصاريف ورد الكفالة للطاعنة وذلك تطبيقا لحكم المادتين (٢٤٧ / ١ و٢٥٩) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
«حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم في الاستئنافين رقمي (٢٨٣ و٣١٢ / ٢٠١٥م) بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون ضده مبلغا قدره أربعون ألفا وخمسمائة ريال عماني (٤٠,٥٠٠ ر.ع) وإلزام المطعون ضده المصاريف ورد الكفالة للطاعنة».