جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٤ / أكتوبر / ٢٠١٦م
المشكلة برئاسة فضيلة السيد / خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي / نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان
(٣)
الطعن رقم ٣٨٧ / ٢٠١٦ م
متهم « إنكاره لما أسند إليه». قانون « تطبيق المادتين ١٩٣ و ٢١٥ من قانون الإجراءات الجزائية».
– محكمة الموضوع ملزمة في حالة إنكار المتهم أن تشرع بنفسها في إجراءات التحقيق في الأدلة التي بنى عليها الادعاء العام اتهامه واستجواب المتهم في شأنها عملا بالمادة (١٩٣) من قانون الإجراءات الجزائية، حيث لا يصح لها أن تعتمد دليلا في إدانة المتهم لم تبسطه على بساط البحث والنقاش في جلسات المرافعة عملا بالمادة (٢١٥) من ذات القانون. علة ذلك هي الوصول إلى الحقيقة مع الحفاظ على التوازن بين حماية حقوق الدفاع، وصيانة قرينة البراءة، وضمان حق المجتمع في اقتصاص الحق العام من الجاني.
الوقائع
تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهمَينْ (الطاعنين) إلى المحكمة الابتدائية بصلالة (الدائرة الجزائية)؛ لأنهما بتاريخ (٥ / ٨ / ٢٠١٥م) بدائرة اختصاص الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بمحافظة ظفار:
أولاً: بالنسبة للمتهمين معاً:
١. حال كون المتهم الأول مكرراً تكراراً مماثلاً حازا بقصد التعاطي في غير الأحوال المرخص بها قانوناً نباتاً مخُدراً من نوع القات المدرج في الجدول رقم (٥) من المجموعة الأولى من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وفق الثابت بمحضر الضبط. ٢ . ٢ حال كون المتهم الأول مكرراً تكراراً غير مماثل قاوما رجال الضبطية القضائية سلباً بأن امتنعا عن أداء أمر مشروع تمثل في عدم إعطائهما عينة من بولهما كما قاوم المتهم الأول سلباً أيضاً بأن رفض التوقف لرجال الشرطة عند طلبهم منه ذلك وذلك حال قيادته المركبة رقم (…… / .. خاص)، وفق الثابت بالتحقيقات تفصيلاً.
ثانياً: بالنسبة للمتهم الأول منفرداً:
قاد المركبة رقم (…… / .. خاص) على الطريق دون أن يحمل رخصة قيادة، وفق الثابت باعترافه.
وطالب الادعاء العام بمعاقبتهما معاً بجُنحة حيازة نباتات مخُدرة بقصد التعاطي المؤثمة بنص المادة (٤٧) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية مع مراعاة التشديد على المتهم الأول وفقاً لنص المادة (١١٦ / ٤) من قانون الجزاء وجُنحة المقاومة السلبية المؤثمة بنص المادة (١٧١) من قانون الجزاء مع مراعاة التشديد على المتهم الأول وفقاً لنص المادة (١١٦ / ٥) من ذات القانون ومعاقبة المتهم الأول منفرداً بجُنحة قيادة مركبة على الطريق دون أن يحمل رخصة قيادة المؤثمة بنص المادة (٤٩ / ١) بدلالة المادة (٢١) من قانون المرور مع مصادرة النباتات المخدرة المضبوطة تمهيداً لإتلافها طبقاً لنص المادة (٥٩) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتطبيق نص المادة (٦٦) من ذات القانون على المتهم الأول.
وبتاريخ (٧ / ١ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة حضورياً بالآتي: (١) بإدانة المتهمَينْ (الطاعنين) بجُنحة حيازة المواد المخدرة بقصد التعاطي وقضت بسجنهما لمدة سنة وغرامة قدرها (٦٠٠ ر.ع) ستمائة ريال (٢) بإدانة المتهمَينْ بجُنحة المقاومة السلبية وقضت بسجنهما لمدة شهر وغرامة قدرها (٢٠ ر.ع) عشرون ريالاً (٣) بإدانة المتهم الأول (الطاعن الأول) بجُنحة قيادة مركبة دون الحصول على رخصة قيادة وقضت بسجنه لمدة ستة أشهر وغرامة قدرها (١٠٠ ر.ع) مائة ريال (٤) بإدغام العقوبات في حق المتهمَينْ (٥) بسحب رخصة تسيير المركبة المضبوطة لمدة سنة اعتباراً من تاريخ النطق بالحكم (٦) بمصادرة المضبوطات.
لم يحُز هذا الحكم قبولاً لدى المحكوم عليهما (الطاعنين) فاستأنفاه أمام محكمة الاستئناف بصلالة (دائرة الجُنح المستأنفة) التي قضت بتاريخ (٢٩ / ٢ / ٢٠١٦م) بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف مع الأمر بإنفاذ ثلاثة أشهر من العقوبة الحبسية بالنسبة للمستأنف الأول وشهر واحد بالنسبة للمستأنف الثاني ووقف الباقي منها في شأنهما وإلزامهما المصاريف.
لم يرتض الطاعنان بهذا القضاء فطعنا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٢٢ / ٣ / ٢٠١٦م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محامٍ مقبول أمام المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعنين وقدم سند وكالته عنهما التي تتيح له ذلك وتم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد عليها.
وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.
حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ أدانهما بما هو منسوب إليهما من جرائم فقد خالف القانون وشابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ذلك أن الحكم لم يمُحِّص الواقعة تمحيصاً كافياً مما قاده إلى فهم غير صحيح لها والقضاء بإدانتهما دون دليل وأنه تم تفتيش المركبة بدون إذن وأن إذن التفتيش صدر لاحقاً على واقعة ضبطهما ولم يتم عرضه عليهما وقد خلا من بيان ساعة صدوره كما أنه لم يتم تفتيش المركبة مباشرة عند وصولهما لنقطة التفتيش الإداري وأنهما ظلا ينتظران لفترة طويلة ثم غادرا المكان نظراً لعدم حضور الشرطة فتمت متابعتهما من قبل دورية الشرطة واستوقفتهما ثم قام رجال الشرطة بتفتيش المركبة بحضورهما فلم يتم العثور على شيء ثم حضر رجال مكافحة المخدرات وقاموا بتفتيش المركبة مرة أخرى بدون حضورهما وتم ضبط أوراق وأغصان من مخُدر القات بداخل المركبة وأنكرا معرفتهما بها كما أن الحكم أسند إلى الطاعن الأول واقعة جلب مخُدر القات من……. دون دليل كما خلت الأوراق من إسناد ذلك الاتهام إليه كما أن الحكم عوَّل في إدانتهما على ضبط أوراق وأغصان من مخُدر القات في مكان القبض عليهما بالرغم من أنه لم يتم تحريزها وتحرير محضر ضبط بذلك كما أنه لم يتم تصويرها وتقديمها للمحكمة كما لم يُبينِّ الحكم ما إذا كانت تلك الأوراق شبيهة بما تم ضبطه بداخل المركبة من عدمه وكم عددها كما أن الحكم أدانهما بجُنحة المقاومة السلبية بالرغم من أنهما لم يرفضا إعطاء عينة من بولهما للفحص الفني وأن الطاعن الأول وقع على مستند رسمي بالموافقة إلا أنهما طلبا من رجال الشرطة مراعاة وضعهما الاجتماعي بعدم الذهاب إلى مستشفى السُّلطان قابوس بعوقد كونه يقع بالقرب من مقر سكناهما ولديهما أقارب يترددون على المستشفى بصفة دائمة لذا طلبا من رجال الشرطة أخذهما إلى المركز الصحي بالسعادة وفعلا ذهبا إلى هناك بصُحبة رجال الشرطة إلا أنه ونظراً لتأخر الطبيب أصر رجال الشرطة على نقلهما إلى مستشفى السُّلطان قابوس بعوقد إلا أنهما رفضا النزول من مركبة الشرطة والدخول إلى المستشفى بعد أن تم تخييرهما من رجال الشرطة بين النزول أو عدمه كونهما شعرا بالحرج من الدخول إلى المستشفى والقيود موضوعة في أيديهما ناهيك عن أنه تم منع الطاعن الأول من لبس الكُمَّة في رأسه كما أخطأ الحكم حين أدان الطاعن الأول بجُنحة قيادة مركبة دون الحصول على رخصة قيادة رغم أنها مجرد مخُالفة مرورية ورغم أن ضبط تلك المخالفة ليس من اختصاص إدارة مكافحة المخدرات بل هو من اختصاص إدارة المرور كما أن الحكم عاقبه عن تلك الجُنحة بالسجن لمدة ستة أشهر وغرامة قدرها (١٠٠ ر.ع) مائة ريال وسحب رخصة تسيير المركبة لمدة سنة وهي عقوبة شديدة لا تتناسب مع العقوبات الأخرى المقضي بها كما أن الطاعن الثاني هو مجرد مرافق بالمركبة، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه بأسباب نعيهما سديد في مجمله لما هو مقرَّر في قضاء المحكمة العليا من أن طور المحاكمة هو المرحلة الأهم في مسار الدعوى الجزائية لأن فيها يتمُّ تقرير إسناد التهمة للمتهم أو يتقرَّر عدم إسنادها إليه لذلك فقد أولى المشرِّع لهذه المرحلة أهمية خاصة وأحاطها بقواعد وشكليات معينة يجب مراعاتها واحترامها وجعل مخُالفتها تحت طائلة البطلان وأن الهدف من تشديد المشرِّع على هذه القواعد الإجرائية هو الوصول إلى الحقيقة مع الحفاظ على التوازن بين حماية حقوق الدفاع من جهة وصيانة قرينة البراءة من جهة ثانية وضمان حق المجتمع في اقتصاص الحق العام من الجاني من جهة ثالثة.
لما كان ذلك وكانت المادة (١٩٣) من قانون الإجراءات الجزائية تنصُّ على أنه: «… إذا أنكر المتهم أنه مذنب أو رفض الإجابة فعلى المحكمة أن تشرع في التحقيق ويكون ذلك بسماع الشهود والخبراء وإجراء ما يلزم لفحص الأدلة ومناقشتها على الترتيب الذي تراه ويجوز للمحكمة أن تستجوب المتهم تفصيلياً بعد الانتهاء من سماع الشهود والخبراء ولها أن توجه إليه في أي وقت ما تراه لازماً من أسئلة واستيضاحات لتمكينه من تقديم دفاعه…» ومؤدَّى ذلك أن المحكمة ملزمة في حالة إنكار المتهم أن تشرع بنفسها في إجراءات التحقيق في الأدلة التي بنى عليها الادعاء العام اتهامه واستجواب المتهم في شأنها وهو ما يعني مناقشته بصورة تفصيلية عن التهمة الموجهة إليه ومحاصرته بالأسئلة الدقيقة والعديدة بغرض الوقوف على حقيقة التهمة من نفس المتهم والوصول إما إلى اعتراف منه يؤيدها أو إلى دفاع ينفيها.
لما كان ذلك وكان البينِّ ُ من محضر جلسة المحاكمة الابتدائية المؤرَّخ في (١٧ / ١٢ / ٢٠١٥م) أن المتهمَينْ حضرا وأنكرا تهمة حيازة مخُدر القات المنسوبة إليهما وأن المحكمة حجزت الدعوى لجلسة (٧ / ١ / ٢٠١٦م) للحكم والحال أنه كان عليها مباشرة التحقيق بنفسها طبقاً للمادة (١٩٣) السَّالفة البيان طالما أن المتهمَينْ أنكرا ذلك الاتهام وإذ هي لم تفعل ذلك فإنها تكون قد ارتكبت مخُالفة صريحة لإجراء وجوبي واجب التطبيق فضلاً عن أن المحكمة عوَّلت في قضائها بإدانة المتهمَينْ على واقعة الضبط وما أسفر عنه تفتيش المركبة وتقرير المختبر الجنائي دون طرح تلك الأدلة على بساط البحث والنقاش وهو ما يعد مخُالفة لنص المادة (٢١٥) من قانون الإجراءات الجزائية التي تنصُّ على أنه: «… يحكم القاضي في الدعوى حسب القناعة التي تكوَّنت لديه بكامل حريته ومع ذلك لا يجوز له أن يبني حكمه على دليل لم يُطرح على الخصوم أمامه في الجلسة…» ذلك أن مبدأ الشفاهية هو الذي يمُكِّن قاضي الحكم من تكوين قناعته بناءً على ما تمَّت مناقشته من أدلة في معرض الجلسة واستيفاء الدليل من تصريحات الأطراف أمامه وهو ما يوجب عرض تلك الأدلة على بساط البحث تحت نظر الخصوم.
لما كان ذلك وكان البينِّ ُ من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه وعلى النحو السَّالف بسطه أنه جاء مخُالفاً لقواعد إجرائية تهم النظام العام وبالتالي واجبة التطبيق ولم تتدارك ذلك محكمة الحكم المطعون فيه بوصفها محكمة موضوع فإن الحكم جاء معيباً بالقصور المبطل بما يتعينَّ نقضه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.