التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ١٤٥ / ٢٠١٧م

2017/145 145/2017 ٢٠١٧/١٤٥ ١٤٥/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٤ / أبريل / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان

(٤٠)
الطعن رقم ١٤٥ / ٢٠١٧م

– جريمة «مخالفات البلدية. دعوى عمومية «.

– دعاوى مخالفات البلدية لا يتطلَّب المشرِّع لتحريكها إذناً أو طلباً من المجني عليه أو من المتضرِّر أو من البلدية وإنما هي من الدَّعاوى العمومية التي يجوز للادعاء العام تحريكها بدون قيد أو شرط لعدم خضوعها للمادة (٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهم (الطاعن) إلى المحكمة الابتدائية بجعلان بني بو علي (الدائرة الجزائية)؛ لأنه بتاريخ سابق على (١٨ / ٤ / ٢٠١٦م) بدائرة اختصاص بلدية جعلان بني بو علي:

أقدم على البناء بدون سند ملكية وإباحة في أرض المجني عليه………………….وذلك بإقامته بناءً من إسمنت خارج حدود ملكه بدون تصريح من الجهة المختصَّة، وفق الثابت بالأوراق.

وطالب الادعاء العام بمعاقبته بالمادة (١٠٨ / ١٨) بدلالة المادة (٢) من لائحة تنظيم المباني.

وبتاريخ (١١ / ١٠ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة حضورياً بإدانة المتهم (الطاعن) بالتهمة المنسوبة إليه وقضت بمعاقبته بغرامة قدرها (٢٠٠ ر.ع) مائتا ريال وإزالة أسباب المخالفة على نفقته الخاصَّة. لم يحُز هذا الحكم قبولاً لدى المحكوم عليه (الطاعن) فاستأنفه أمام محكمة   الاستئناف بصور (دائرة الجُنح المستأنفة) التي قضت بتاريخ (٢٨ / ١١ / ٢٠١٦م) بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف المصاريف.

لم يرتض الطاعن (المحكوم عليه) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٤ / ١ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول أمام المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن وقدم سند وكالته عنه التي تتيح له ذلك وما يفيد سداد مبلغ الكفالة المقرَّرة قانوناً وتم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد.

وقدَّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والبطلان في الإجراءات ذلك أن الحكم أدانه بالتهمة المنسوبة إليه رغم دفعه أمام المحكمة بعدم جواز تحريك الدَّعوى لتقديمها من غير ذي صفة إذ إن مخالفات البلدية لا يجوز تحريكها إلا من قبل البلدية والثابت من أوراق الدَّعوى أنها حُرِّكت من قبل الادعاء العام بموجب شكوى المتضرر………………….وهو ما يخالف المادة (٥) من قانون الإجرءات الجزائية وأن الحكم قد عوَّل على محاضر التحقيق السَّابقة على المحاكمة كدليل إثبات ضده مع أنه لم يعترف بالتهمة مؤكداً في كل مراحل التحقيق والمحاكمة بأنه هو مالك الأرض محل المخالفة وقد ورثها من أبيه وأن لديه موافقة بالتملُّك من وزارة الإسكان وبذلك يكون الحكم قد عوَّل على دليل مخالف للثابت بالأوراق وأن المحكمة قد شاب حكمها فساد واضح إذ لم تبحث بشكل واقعي ودقيق في المخالفة المنسوبة إليه وقضت بمعاقبته عن مخالفة غير تلك المحرَّرة في محاضر البلدية فسلطة الاتهام أحالته إلى المحكمة بتهمة البناء بالمواد الثابتة في أرض   الغير مع أن هذه المخالفة ليست هي موضوع الاتهام فالتهمة المنسوبة إليه من قبل البلدية هي بناء سياج بدون تصريح والمحكمة أصدرت قرارها بإدانته دون تمحيص في موضوع المخالفة وهو ما يُستشف منه عدم إلمامها وإحاطتها بتفاصيل المخالفة موضوع الاتهام بشكل يؤهلها لفهم الواقعة على صورتها الحقيقية وأن المحكمة لم تستجب لطلبه الاستماع إلى شهادة موظفي البلدية وتمكينه من إحضار مستندات من البلدية لنفي التهمة عنه وأن الحكم شابه البطلان لاستناده إلى محاضر البلدية غير الموقعة من الموظف المختص، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.

وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه غير سديد ذلك أنه من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن استخلاص الواقع في الدَّعوى والصورة الصَّحيحة لها وتقدير الدليل فيها ووزن البينات هو من المسائل التي تستقلُّ بها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وقادرة على حمله وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع المحكمة من جميع عناصر الدعوى المطروحة عليها ولها كامل الحرية في أن تستمدَّ اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ومن أية بيِّنة أو قرينة ترتاح إليها طالما أن لكل ذلك مأخذه الصحيح من الأوراق ولا يصحُّ مطالبتها بالأخذ بدليل دون الآخر ولا يلزم في الأدلة التي يُعوِّل عليها الحكم أن تكون مفصَّلة بحيث يُنبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ إن الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكوَّن عقيدة المحكمة فلا يُنظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها وحدة واحدة تؤدي إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولو عن طريق الاستنتاج وأن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع وكان مطروحاً على بساط البحث وأن المحكمة الاستئنافية إذا رأت تأييد الحكم الابتدائي للأسباب التي بُني عليها فليس في القانون ما يُلزمها أن تذكر تلك الأسباب في حكمها بل يكفي أن تحيل إليها إذ الإحالة على الأسباب تقوم مقام إيرادها وتدل على أن المحكمة قد اعتبرتها كأنها صادرة منها طالما أن أسباب الحكم المستأنف تكفي بذاتها لحمله ولم يطرأ جديد أمامها يستأهل الرد عليه من قبلها.

لما كان ذلك وكان الثابت من مدوَّنات الحكم الابتدائي المؤيَّد لأسبابه بالحكم المطعون   فيه أنه بينَّ واقعة الدَّعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي أدان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة استمدَّها من اعترافه أمام المحكمة الابتدائية بقيامه بالبناء دون إباحة من البلدية ودون سند ملكية وثبوتها بمحضر المخالفة الفنية الصَّادر من البلدية المختصَّة الذي أثبت وجود حوطة بها غرفة قائمة بالمواد الثابتة وقد جاء تدليل محكمة الموضوع على ما انتهت إليه سائغاً وواضحاً ولا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي ومن ثم يكون الحكم قد حصَّل واقعة الدَّعوى تحصيلاً سليماً وبيَّنها تبياناً تتوافر به كافة العناصر الواقعية والأركان القانونية للتهمة محل الإدانة وأورد على ثبوتها في حق المتهم أدلة قاطعة وأسباباً سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ومن ثم يُضحي النعي عليه بهذا القول مجرَّد جدل موضوعي حول سلطة المحكمة في استخلاص الدَّعوى وتقدير الأدلة فيها وهو ما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا.

أما ما ينعاه الطاعن بأن المحكمة لم تستجب لطلبه الاستماع إلى شهادة موظفي البلدية وتمكينه من إحضار المستندات وبأن الحكم باطل لتعويله على محاضر البلدية غير الموقعة من الموظف المختص فهي دفوع جديدة لم يتم إثارتها أمام محكمة الموضوع وهي دفوع موضوعية يخالطها الواقع فلا يُقبل من الطاعن الدفع بها لأول مرة أمام المحكمة العليا لأنها تحتاج إلى إجراء تحقيق وهذا يخرج عن سلطتها لأنها محكمة قانون وليست محكمة موضوع وأما ما ينعاه الطاعن بشأن عدم جواز تحريك الدَّعوى ضده لتقديمها من غير ذي صفة فهو غير سديد ذلك أنه من المقرَّر أن دعاوى مخالفات البلدية لا يتطلَّب المشرِّع لتحريكها إذناً أو طلباً من المجني عليه أو من المتضرِّر أو من البلدية وإنما هي من الدَّعاوى العمومية التي يجوز للادعاء العام تحريكها بدون قيد أو شرط لعدم خضوعها للمادة (٥) من قانون الإجراءات الجزائية كما أن قرار الإحالة الصَّادر من الادعاء العام جاء فيه بأن المتهم أقدم على البناء بدون سند ملكية وإباحة في أرض الغير خارج حدود أرضه ومن ثم فإن محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصوم إلى طلباتهم متى وجدت في أوراق الدَّعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها وإنه ليس عليها تتبع المتهم في شتى مناحي دفاعه الموضوعي الرامية إلى نفي التهمة عنه والرد على كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاتها عنها أنها اطَّ رحتها إذ هي من الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً كما أن عدم الرد على أي طلب غير جوهري من طرف محكمة الموضوع لا يعيب الحكم لأن ذلك الأمر متروك للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي لا معقب عليها في ذلك ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة مقبولة عقلاً ومنطقاً بما يكون معه نعي   الطاعن في هذا الصدد غير مقبول.

لما كان ذلك وكان ما تقدَّم فإن النعي برمته يكون على غير أساس بما يتعينَّ معه القضاء برفض الطعن موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات ومصادرة مبلغ الكفالة عملاً بالمادتين (٢٥٥،٢٢٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعن المصروفات ومصادرة مبلغ الكفالة.