التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ٧٦٧ / ٢٠١٦م

2016/767 767/2016 ٢٠١٦/٧٦٧ ٧٦٧/٢٠١٦

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٦ / مايو / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان

(٤٦)
الطعن رقم ٧٦٧ / ٢٠١٦م

– قانون « تطبيق المادتين (٢٠ و٢٨ من قانون مساءلة الأحداث». تدبير « الحكم به دون العقوبة».

– المادة (٢٠) من قانون مساءلة الأحداث تسوغ التدابير التي من شأنها أن تساعد قاضي الأحداث على تفريد التدبير وأعطت له كامل السلطات لاختيار أي منها تبعاً لفهمه الخاص لخطورة الجريمة ولشخصية الحدث الجانح ولطبيعة التدبير، والمادة (٢٨) من ذات القانون لا تحول دون جواز تطبيق تلك التدابير حتى بالنسبة للحدث الذي تجاوز السَّادسة عشرة من عمره.

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن

الادعاء العام أحال المتهم (المطعون ضده) إلى محكمة الاستئناف بصور (محكمة الجنايات)؛ لأنه بتاريخ (٢٧ / ١١ / ٢٠١٥م) بدائرة اختصاص مركز شرطة الكامل والوافي:

أولاً: هتك عرض الطفل المجني عليه…………….البالغ من العمر (٧) سنوات وذلك بأن عمد إلى استدراجه بالحيلة بواسطة مركبة والده إلى مكان متوار عن الأنظار وقام بخلع ملابسه والتحرُّش به جنسياً وممارسة فعل الفجور به فعلاً تاماً داخل المركبة، وفق الثابت بالتحقيقات والمعزز بالتقرير الطبي الصَّادر من الطبيب الشرعي.

ثانياً: عرَّض الطفل المجني عليه الحدث للجنوح وذلك بأن أوجده في بيئة تعرِّض سلامته الأخلاقية والنفسية والجسدية والتربوية للخطر حال اقترافه الجُرم موضوع التهمة الأولى.

ثالثاً: ارتكب فعلاً مخالفاً للآداب داخل المركبة رقم (……… / …..  خاص) حال ارتكابه الجُرم موضوع التهمة الأولى.

رابعاً: قاد المركبة دون أن يكون حاصلاً على رخصة قيادة تخوِّله قيادة مثل ذلك النوع من المركبات.

وطالب الادعاء العام بمعاقبته بالجناية المؤثمة بالمادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل والجُنحة المؤثمة بالمادة (٣١) بدلالة المادة (٣ / و) من قانون مساءلة الأحداث والجُنحة المؤثمة بالمادة (٥ / ٢) من قانون المرور والجُنحة المؤثمة بالمادة (٤٩ / ١) بدلالة المادة (٢١) من ذات القانون مع تطبيق المادة (٢٨) من قانون مساءلة الأحداث.

وبجلسة (٦ / ٦ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة حضورياً بإدانة المتهم (الطاعن) بالمادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل وبالمادة (٥ / ٢) من قانون المرور وبالمادة (٤٩ / ١) بدلالة المادة (٢١) من ذات القانون على أن تطبق عليه التدابير المنصوص عليها في قانون مساءلة الأحداث وأن يُودع في دار الإصلاح لمدة ستة أشهر.

لم يرتض الطاعن (الادعاء العام) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (١٢ / ٧ / ٢٠١٦م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من رئيس ادعاء عام وقد تم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد.

وقدَّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون في الشق المتعلق بعقوبة الجناية المسندة إلى المتهم (المطعون ضده) المؤثمة بالمادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل وذلك عندما عاقبه بأن يُودع في دار الإصلاح لمدة ستة أشهر في حين أن العقوبة المنصوص عليها في تلك المادة هي السجن بما لا يقل   عن خمس سنوات ولا يزيد على خمس عشرة سنة والغرامة بما لا يقل عن (٠٠٠.٥ ر.ع) خمسة آلاف ريال ولا يزيد على (٠٠٠.١٠ ر.ع) عشرة آلاف ريال وأن المحكمة خالفت المادة (٢٨) من قانون مساءلة الأحداث عندما قضت بأن يُودع المتهم (المطعون ضده) في دار الإصلاح لمدة ستة أشهر في حين أن المادة (٢٨) المشار إليها بيَّنت أن العقوبة الواجب تطبيقها على الحدث الجانح البالغ من العمر ست عشرة سنة في حال ارتكاب جريمة عقوبتها السجن المؤقت هي مدة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقرَّرة قانوناً للجريمة المرتكبة وبما لا يقل عن ثلاث سنوات في الجنايات كما هو الحال في الجريمة موضوع الاتهام وتأسيساً على ذلك كان على المحكمة الحكم بالسجن بما لا يقل عن ثلاث سنوات وأن التدابير المنصوص عليها في المادة (٢٠) من ذات القانون هي عقوبات مكملة للعقوبات الأصلية وأن المحكمة أغفلت القضاء في التهمة الثانية المسندة للمتهم (المطعون ضده) في قرار الإحالة وهي تهمة تعريض حدث للجنوح المؤثمة بالمادة (٣١) بدلالة المادة (٣ / و) من قانون مساءلة الأحداث ولم تناقش تلك التهمة في مواجهة المتهم ولم تصدر حكماً في شأنها، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.

وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه غير سديد لما هو مقرَّر في قضاء المحكمة العليا من أن إجرام الأحداث يرجع في الغالب إلى بيئة منحرفة وُجدوا فيها أو ظروف عارضة صادفتهم ولا يرجع إلى نزعات إجرامية متأصِّلة في نفوسهم لذلك كانت من أهم مرتكزات السياسة الجنائية الحديثة إصلاح وإعادة إدماج الأحداث بالنأي بهم ما أمكن عن العقوبة بمفهومها التقليدي وعدم مؤاخذتهم بالعقوبات الزجرية والرَّادعة والأخذ بما يؤدي إلى تهذيبهم وإصلاحهم ذلك أن العقوبة بالمفهوم التقليدي تهدف إلى إنزال الألم بالفرد من قبل السلطات المختصَّة جزاءً لما ارتكبه من جرائم ولذلك فهي وفق هذا المفهوم رد فعل اجتماعي عن عمل مخالف للقانون أما الحدث بمفهومه القانوني فقد عرَّفته المواثيق الدولية والتشريعات المحلية بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وحرصت على إيجاد السبل الكفيلة بتعزيز دور القضاء في اختيار العقوبة المناسبة له بما يضمن إصلاحه وإعادة إدماجه في المجتمع من جهة والحد من جنوح الأحداث من جهة أخرى وفي هذا الإطار يتنزل توجُّه المشرِّع عند سنه قانون مساءلة الأحداث حيث حاول إرساء مبدأ أولوية التدابير لمساعدة الحدث وإعادة تربيته فأوجب في المادة (٢٧) من القانون أن يُحكم على الحدث الجانح الذي لم يبلغ السَّادسة عشرة من عمره بالتدابير المنصوص عليها في هذا القانون دون الحكم عليه بأية عقوبة   سجنية أي أن التدابير هي الأصل في معاملة الأحداث الجانحين لكن قد تعجز هذه التدابير بمفردها عن تحقيق الأغراض التي تهدف إليها إذا كان سلوك الحدث على درجة كبيرة من الخطورة وكان قد تجاوز السَّادسة عشرة من عمره لهذا كان لا بد من إقرار إمكانية العقوبة مع جعل اللجوء إليها استثناءً وبشرط أن تسمح شخصية الحدث بذلك وهو ما أجازته المادة (٢٨) من ذات القانون والتي لم يستبعد فيها المشرِّع خيار العقوبة السَّالبة للحرية إذا ما اتضح للقاضي أنه لا يمكن اتخاذ أي تدبير في مواجهته وتشكَّلت لديه قناعة بأنه لا يمكن إصلاح الحدث إلا بهذه الطريقة لانتشاله من عالم الإجرام أي أن السلوك المنحرف قد ترسَّخ في الحدث وأن التدابير لم تعد كافية.

لما كان ذلك وكان البينِّ من الحكم المطعون فيه أن المحكمة التي أصدرته انتهت فيه إلى إدانة الحدث (المطعون ضده) الذي تجاوز السَّادسة عشرة من عمره في تاريخ الواقعة بجناية هتك عرض المجني عليه الطفل على معنى المادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل وبجُنحتي ارتكاب فعل مخالف للآداب داخل المركبة وقيادة مركبة دون أن يكون حاصلاً على رخصة قيادة تخوِّله ذلك حسب المادة (٥ / ٢) من قانون المرور والمادة (٤٩ / ١) بدلالة المادة (٢١) من ذات القانون وأوقعت عليه تدبيراً من التدابير المنصوص عليها في المادة (٢٠) من قانون مساءلة الأحداث وهو إيداعه في دار الإصلاح لمدة ستة أشهر وذلك لأنه حدث وأخذاً بما أورده تقرير الباحث الاجتماعي من أنه أبدى أسفه على ما بدر منه من انتهاك لكرامة المجني عليه ومن تصرُّف مخالف للقوانين وللعادات والتقاليد وأكَّد بأنه لن يقوم بتكرار هذا الفعل مرة أخرى وأنه نادم على ما قام به من فعل وأفاد والده بأنه سيوجهه إلى السلوك القويم وأنه على استعداد تام لمراقبة تصرُّفاته في المستقبل وكان ذلك وفق سلطتها التقديرية فلذلك لا تثريب عليها فيما قضت به طالما أنه لا يوجد مانع قانوني يحول بينها وبين ما قضت به ولو كان ذلك في أشد الجرائم بغض النظر عن خطورتها أو طبيعتها ذلك أن المهم في قضاء الأحداث هو سلامة التدبير التربوي لشخصية الحدث والذي يستوجب من القاضي أن يغلب المعيار الموضوعي عن طريق فحص شخصية الحدث أي أن البت في الشخصية لا يعني الإحاطة بالظروف الخارجية للجريمة وبالسَّوابق التي ارتكبها الحدث وإنما يعني أعمق من ذلك وهو الإحاطة بتكوينه البيولوجي وحالته النفسية وتاريخه الشخصي ووضعه الاجتماعي ومدى قابليته للإصلاح وإعادة الاندماج إذ هناك من الأحداث من يمكن إصلاحهم بتطبيق التدابير وفق المادة (٢٧) من ذات القانون وهناك أحداث خطيرون قد يحتاجون إلى تدابير   سالبة للحرية وفق المادة (٢٨) من ذات القانون ذلك أن ملاءمة توقيع العقوبة على الحدث دون التدبير يجب ألا يقتصر على العناصر المكوِّنة للجريمة وإنما على المتهم نفسه ولا يلجأ القاضي إلى العقوبة إلا بعد التحقق من قدرة الحدث على الاستفادة من العقاب مراعاة للوضعية الاستثنائية للحدث كثروة بشرية ثمينة قابلة مبدئياً لإعادة التكييف والتقويم والإصلاح والاندماج.

لما كان ذلك وكان من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أنه وإن كانت العقوبة تتفق في بعض خصائصها مع التدبير الذي توقعه السلطة المختصَّة على المتهم من حيث الخضوع لمبدأ الشرعية أي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص قانوني وكان القاضي وفق هذا المبدأ مقيَّد بنصوص القانون ولا يملك الحكم بتدبير على أحد الأفراد إلا إذا كان ذلك التدبير منصوصاً عليه وفي حدود القانون وكذلك من حيث الخضوع لمبدأ شخصية العقوبة وهو ما يعني أن الشخص الذي حُكم عليه بعقوبة جنائية أو تدبير يجب أن يتحمَّل بمفرده هذه العقوبة كأثر لجريمته وكذلك من حيث الخضوع لمبدأ عدم رجعية النصوص الجنائية إلا أنهما يختلفان من حيث الأساس القانوني ذلك أن الخطأ الذي ارتكبه الجاني بإرادته الحُرَّة هو أساس تطبيق العقوبة أما الأساس في التدابير فهو وجود حالة خطورة إجرامية داخل الجاني وكذلك من حيث المضمون ذلك أن التدابير تتميَّز بأنها أقل جسامة من العقوبة وتهدف إلى استئصال الخطورة الإجرامية الكامنة في شخصية المجرم على عكس العقوبة التي يكون المقصود منها هو إيلام الجاني للخطأ الذي اقترفه.

لما كان ذلك وكان البينِّ من الحكم المطعون فيه أن ما قضى به لم يكن عقوبة في حق الحدث (المطعون ضده) وإنما كان تدبيراً انتهت إليه المحكمة في نطاق سلطتها التقديرية وبما يتلاءم مع شخصية الحدث ومبدأ تفريد العقوبة وأوردت في ذلك تسبيباً سائغاً مقبولاً في العقل والمنطق ومؤسَّساً على ما هو ثابت في أوراق الدَّعوى وتأسيساً على ذلك يكون منعى الطاعن في هذا الخصوص غير وجيه ويتعينَّ رده.

وحيث إنه وإن ثبت من أوراق الدَّعوى أن الحكم الصَّادر فيها أغفل النظر والفصل في جُنحة تعريض حدث للجنوح المؤثمة بالمادة (٣١) بدلالة المادة (٣ / و) من قانون مساءلة الأحداث المسندة إلى المتهم (المطعون ضده) حسبما هو ثابت من قرار الإحالة إلا أنه من المقرَّر في قضاء هذه المحكمة العليا أن الطلب الذي تغفله المحكمة يظلُّ باقياً على حاله معلقاً أمامها وأن علاج ذلك الإغفال هو الرجوع إلى المحكمة ذاتها لتستدرك ما فاتها الفصل فيه سهواً ولا يجوز الطعن فيه بطريق النقض إذ   الطعن بطريق النقض لا يُقبل إلا في الطلبات التي فصل فيها الحكم المطعون فيه صراحة أو ضمناً ومن ثم يكون نعي الطاعن بهذا السبب غير مقبول هو الآخر ويتعينَّ رده.

لما كان ذلك وكان التفريد القضائي للعقوبة يقوم على اختيار العقوبة المناسبة لحال الجاني وتطبيقها عليه في حدود السلطات والصلاحيات التي يعترف بها المشرِّع للقاضي في هذا المجال وكانت المادة (٢٠) من قانون مساءلة الأحداث قد قامت بتسويغ التدابير التي من شأنها أن تساعد قاضي الأحداث على تفريد التدبير وأعطت له كامل السلطات لاختيار أي منها تبعاً لفهمه الخاص لخطورة الجريمة ولشخصية الحدث الجانح ولطبيعة التدبير وكانت المادة (٢٨) من ذات القانون لا تحول دون جواز تطبيق تلك التدابير حتى بالنسبة للحدث الذي تجاوز السَّادسة عشرة من عمره حسبما سلف بيانه فلذلك كان ما قضى به الحكم المطعون فيه قد وافق هذا النظر وأعمل صحيح القانون وتأسيساً على ذلك يُضحي نعي الطاعن بشأن مخالفة القانون في هذا الشأن غير وجيه ويتعينَّ رده.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.