التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ٤١ / ٢٠١٧م

2017/41 41/2017 ٢٠١٧/٤١ ٤١/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٧ / أكتوبر / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان

(٥١)
الطعن رقم ٤١ / ٢٠١٧م

– خبرة « التزام المحكمة بها». قاعدة « المحكمة الخبير الأعلى في الدعوى. مفهومها».

– الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل السُّلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدَّعوى المعروضة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها. مؤدى ذلك أنه متى تعرَّضت المحكمة لرأي الخبير الفني في مسألة فنية بحتة فإنه يتعينَّ ُ عليها أن تستند في تفنيده إلى أسباب فنية تحمله لا أن تحلَّ محل الخبير فيها. تفصيل ذلك.

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن

الادعاء العام أحال المتهم (المطعون ضده) إلى محكمة الاستئناف بصور (محكمة الجنايات)؛ لأنه بتاريخ (٢٨ / ١١ / ٢٠١٥م) بدائرة اختصاص مركز شرطة جعلان بني بو علي:

سرق ليلاً بواسطة الكسر والخلع المنقولات المبيَّنة وصفاً وقيمة في الأوراق من محل المجني عليها شركة….وذلك بأن دخل المحلَّ بطريقة غير مألوفة بواسطة خلع الباب الخارجي باستخدام أداة حادة (قضيب حديدي) وتمكَّن من الاستيلاء على المسروقات، وفق الثابت بالأوراق.

وطالب الادعاء العام بمعاقبته بجناية السرقة الموصوفة غير المستجمعة الأحوال المؤثمة بالمادة (٢٨٣) من قانون الجزاء مع مصادرة الأدوات المستخدمة في الجريمة تمهيداً لإتلافها إعمالاً للمادة (٥٢) من ذات القانون.  وبتاريخ (٧ / ١١ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة بوقف إجراءات المحاكمة وأن يُسلَّم المتهم (المطعون ضده) لوالده للمحافظة عليه والعناية به.

لم يرتض الطاعن (الادعاء العام) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٧ / ١٢ / ٢٠١٦م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من رئيس ادعاء عام وتم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن فردَّ عليها بواسطة وكيله القانوني بمذكرة التمس فيها رفض الطعن.

وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدَّعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن (الادعاء العام) على الحكم المطعون فيه مخُالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله إذ قضى بوقف إجراءات المحاكمة في حق المتهم (المطعون ضده) استناداً للمادة (١٣) من قانون الإجراءات الجزائية رغم أن وقف إجراءات المحاكمة حسب هذه المادة يكون بناءً على تقرير طبي يُثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله حتى يعود إلى رشده بينما التقرير الطبي جاء فيه بأن المتهم وإن كان يُعاني من تخلف عقلي بسيط إلا أنه قادر على التمييز بين الصواب والخطأ وهو يعدُّ مسؤولاً عن أفعاله فيما يتعلق بهذه القضية وأن هناك احتمالاً لتكرار هذه السلوكيات كما أن المتهم ارتكب عدة جنايات مماثلة في الوقت والتاريخ ذاته وأن أسلوبه الجُرمي في ارتكاب تلك القضايا يدلل على وعيه وإدراكه بالأفعال التي يرتكبها وقد جاءت اعترافاته تفصيلية وأرشد رجال الشرطة إلى أماكن السرقات وكيفيات ارتكابها والأدوات التي استخدمها كما أنه تصرَّف في جزء من المسروقات بالبيع وصرف المبالغ النقدية كما أن الحكم المطعون فيه جاء مبهماً دون أن يُحدِّد الفترة الزمنية التي توقف فيها إجراءات المحاكمة وهو ما يُخالف المادة (١٣) المشار إليها، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.  وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه سديد لما هو مقرَّر في قضاء المحكمة العليا من أن الخبرة هي وسيلة عملية وفنية لتوضيح الأدلة وتمكين القاضي من تقديرها يقوم بها أهل الفن والصَّنعة والاختصاص ممن يختارهم القضاء لذلك وأن الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل السُّلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدَّعوى المعروضة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها إلا أنه من المقرَّر كذلك أنه متى تعرَّضت المحكمة لرأي الخبير الفني في مسألة فنية بحتة فإنه يتعينَّ ُ عليها أن تستند في تفنيده إلى أسباب فنية تحمله وهي لا تستطيع في ذلك أن تحلَّ محل الخبير فيها.

لما كان ذلك وكان البينِّ ُ من الحكم المطعون فيه أنه سبَّب اطِّراحه التقرير الطبي بقوله: «… وحيث إن التقرير الطبي المرفق عن حالة المتهم جاء فيه بأنه يُعاني من تخلف عقلي بسيط إلا أنه قادر على التمييز بين الصواب والخطأ وهو يعدُّ مسؤولاً عن أفعاله فيما يتعلق بهذه القضية وأن هناك احتمالاً لتكرار هذه السلوكيات…» وتضيف المحكمة: «… وحيث إنه ومن خلال مثول المتهم أمام المحكمة ومن خلال ردوده وتفاعله مع الإجراءات يبدو جلياً بأنه ليس له الإدراك المطلوب للمساءلة الجزائية وأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه وحيث إن المسؤولية الجزائية تتطلَّب أن يكون المتهم في حالة إدراك كاملة وحيث إن التقرير الطبي جاء فيه بأن المتهم يُعاني من تخلف عقلي بسيط فإن مثوله أمام المحكمة ومن خلال نظرتها له ترى أنه ليس له الإدراك الذي بناءً عليه تقوم المسؤولية القانونية…».

لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم تبريراً لاطِّراحه تقرير الخبير الطبي لا يكفي بذاته لإهدار ذلك التقرير وما حواه من أسانيد فنية ذلك أنه لا يسوغ للمحكمة أن تستند في دحض ما قاله الخبير الفني إلى معلومات شخصية بل يتعينَّ ُ عليها إذا ما ساورها الشك فيما قرَّره الخبير في هذا الشأن أن تستجلي الأمر سواءً عن طريق المختص فنياً أو الاستعانة بغيره من أهل الخبرة لكونه من المسائل الفنية البحتة التي لا يصح للمحكمة أن تحلَّ محل الخبير فيها.

لما كان ذلك وكان الثابت أن ما استندت إليه محكمة الحكم المطعون فيه لاطِّراح تقرير الخبير الطبي لا يعدو كونه مجرَّد استنتاجات كوَّنتها هيئتها تبعاً لما تراءى لها من ردود المتهم في جلسة المحاكمة فلذلك كان حكمها مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يعيبه ويستوجب نقضه مع الإعادة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدَّعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.