جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٦ / مايو / ٢٠١٧م
المشكلة برئاسة فضيلة / محمد بن عبدالله الحجري وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: د.سلطان بن حمد السيابي، سيد ساتي، زيادة الحسين، غرار، عابدين صلاح حسن
(٧٣)
الطعن رقم ٢١٠ / ٢٠١٧م
– ترجمة « سلطة المحكمة في تقدير صحتها».
– تمتلك محكمة الموضوع السلطة التقديرية في صحة الترجمة من عدمها. لا يصح النعي عليها بهذا الشأن أمام المحكمة العليا.
الوقائع
تتحصل الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهمين إلى محكمة الاستئناف بمسقط (دائرة الجنايات)، لأنهم بتاريخ ١٧ / ١ / ٢٠١٥م بدائرة اختصاص إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية:
تدخلوا في وظائف نظام معلوماتي إلكتروني وأنظمة تشغيله عمدا ودون وجه حق بقصد التحايل والتسبب في إلحاق الضرر بالمستفيدين والمستخدمين لتحقيق مصلحة ومنفعة لنفسهم ولغيرهم بطريقة غير مشروعة، وذلك بأن قاموا بالتحايل بتركيب أجهزة نسخ بيانات على أجهزة الصرف الآلي التابعة للبنوك المجني عليها / بنك…، بنك….، بنك……، بنك…….، بنك…….، ومن ثم وبعد عدة ساعات يقومون بنزع تلك الأجهزة، وتفريغ البيانات عبر القارئات واستعمال بطاقات ائتمانية قاموا بإحضارها من جمهورية………. في سحب مبالغ مالية من حسابات العملاء بعد أن يحصلوا على الأرقام السرية من قراءة تلك البيانات المستخرجة من أجهزة الصرف الآلي، الأمر الثابت من التحقيقات تفصيلا.
حال ارتكابهم الجرم موضوع التهمة الأولى استولوا على بيانات بطاقات مالية تابعة لعملاء البنوك المجني عليهم، وكذلك استخدموا الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في الوصول دون وجه حق إلى أرقام وبيانات البطاقات المالية التابعة لعملاء البنوك المجني عليها بقصد الاستيلاء على أموالهم وتحقق لهم ذلك، الأمر الثابت بالأوراق. وطالب الادعاء العام بمعاقبة المتهمين بالجناية المؤثمة بنص المادة (١٣) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وبالجنحة المؤثمة بنص المادة (٢٨) من القانون ذاته.
وبجلسة ٢ / ٦ / ٢٠١٥م حكمت محكمة الاستئناف بمسقط (دائرة الجنايات):
بإدانة المتهمين جميعا بما أسند إليهم، ومعاقبتهم عن الأولى: بالسجن لمدة عشر سنوات، وعن الثانية: بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع إدغام العقوبتين بحقهم وينفذ الأشد مع مصادرة الأجهزة والبطاقات المضبوطة وطردهم مؤبدا من البلاد بعد انتهاء فترة العقوبة وألزمتهم بالمصاريف.
لم يرتضِ الطاعنون هذا القضاء، فطعنوا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن رقم (٦٧٧ / ٢٠١٥م)، وبجلسة ١ / ١٢ / ٢٠١٥م حكمت المحكمة العليا (الدائرة الجزائية) بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوع الطعن بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.
وبجلسة ٢٨ / ١١ / ٢٠١٦م وبهيئة مغايرة حكمت محكمة الاستئناف بمسقط (محكمة الجنايات) حضوريًّا: بإدانة المتهمين جميعًا بالجناية المؤثمة بنص المادة (١٣) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وبجنحة التعدي على البطاقات المالية المؤثمة بنص المادة (٢٨) من ذات القانون، ومعاقبتهم عن الأولى بالسجن لمدة عشر سنوات، وعن الثانية: بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع إدغام العقوبة الأخف في الأشد، وتنفذ الأشد، ومصادرة المضبوطات، وطردهم جميعًا من البلاد مؤبدا بعد انتهاء فترة العقوبة وإلزامهم بالمصاريف، وإحالة المطالبات المدنية للمحكمة المختصة.
لم يرتض الطاعنون بهذا القضاء فطعنوا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل للمرة الثانية بتاريخ ٢٥ / ١٢ / ٢٠١٦م تم التقرير بالطعن بالنقض على هذا الحكم بأمانة سر المحكمة التي أصدرته بصحيفة موقعة من المحامي /…………….
لدى المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعنين، وقدم ما يفيد وكالته عنهم، وقد تم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن، ولم يرد عليها بمذكرة.
وحيث قدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا بمذكرة بالرأي انتهى فيها إلى قَبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعن بالمصاريف.
المحكمة
بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر الأوراق وبعد سماع التقرير الذي أعده وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفي الشكل المقرر قانونًا، فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه بمخالفته القانون، والخطأ في تطبيقه، والإخلال بحق الدفاع، إذ إنه تم إدانتهم للمرة الثانية دون أن تستجيب المحكمة بهيئتها المغايرة لما حكمت به المحكمة العليا في نقضها وإعادة المحاكمة، وأن المحكمة التفتت عما دفع به المتهمون بأنهم ليسوا سوى مأمورين على الفعل من قبل الفاعل الأصلي (………) كونه في جمهورية……. (……) ولم يتم مواجهته في الجرم المنسوب إليهم، وإن الفعل الذي أتوه ما هو إلا نتيجة إكراه مادي ومعنوي من قبل الفاعل الأصلي، وأنه لم يتم أخذ أقوالهم كاملة وأن الذي أحضر الترجمة لم يكن بالدقة اللغوية التي تستكمل كافة الجوانب والملابسات الخاصة بالتهمة والدفاع فيها وخلفياتها ومن قام بالتدبير والتحريض لارتكابها، وكان على المحكمة أن تقضي بالحد الأدنى في العقوبة أخذا بالأسباب المخففة بحقهم وفق ما نصت عليه المادة (١١١) من قانون الجزاء، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي على الحكم المطعون فيه بأسباب الطعن غير سديد ومردود عليه، بما هو مقرر أن استخلاص الواقع في الدعوى والصورة الصحيحة لها وتكييفها التكييف القانوني الصحيح وتقدير الدليل فيها ووزن البينات من المسائل التي تستقل بها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وقادرة على حمله، وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع المحكمة من جميع عناصر الدعوى المطروحة عليها ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ولا يصح مطالبتها بالأخذ بدليل دون الآخر، ولا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن تكون مفصلة بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ إن الأدلة في المواد الجزائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها وحدة واحدة تؤدي إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولو عن طريق الاستنتاج طالما أن القانون لم يحدد وسيلة معينة لإثبات الجريمة – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان الجريمة التي أدانه بها ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وخلص إلى التكييف القانوني الصحيح مبينًا عناصرها القانونية وأدلتها وبنى قضاءه على أدلة متساندة تؤدي إلى ما خلص إليه.
كما أن المقرر أن الاعتراف في المسائل الجزائية من عناصر الاستدلال التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير صحته وقيمته في الإثبات ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدور التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيق والواقع وكان مطروحًا على بساط البحث، وإن الفصل فيما إذا كان الاعتراف صدر بإرادة حرة أو بوسائل الإكراه ومدى قوته في الأدلة على ربط المتهم بالجريمة هو من سلطة محكمة الموضوع إذ إنها هي التي تقدر الدليل ومدى صحته وكفايته للإدانة.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بينّ واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر والأركان القانونية للجريمة التي أدان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة لا يشوبها تناقض ومقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
استقتها المحكمة من واقع اطلاعها على سائر أوراق الدعوى ومستنداتها وما جرى فيها من تحقيقات وما دار بجلسات المحاكمة من مرافعات وما أبدي فيها من دفوع وأوجه دفاع ومن ثم قد وقر في يقين المحكمة واستقام عندها اقتراف الطاعنين للجريمة المسندة إليهم حسب القيد والوصف، من خلال اعترافهم جميعا في سائر مراحل الدعوى بأنهم قد تولوا صنع بطاقات مالية وتخزينها بالبيانات والمعلومات المتعلقة بحسابات لعملاء البنوك المجني عليها ومن ثمّ استعمالها في سحب مبالغ مالية من آلات الصرف الآلي وتعزز هذا الاعتراف القضائي بمحضر معاينة آلات الصرف الآلي التي تم من خلالها سحب المبالغ المالية باستعمال بطاقات الائتمان، وكذلك من استخراج صورهم من الدوائر التلفزيونية المثبتة بالآت الصرف الآلي التابعة للبنوك، وبمحاضر الضبط المؤرخة بتاريخ ١٧ / ١ / ٢٠١٥م التي أثبتت حيازة المتهمين جميعا على حقائب احتوت على مبالغ مالية متفاوتة من العملة العمانية والأجنبية، كما تم ضبط بطاقات ائتمان وشريحتين ذاكرة تخزين، كما ثبت من محضر تفتيش الغرفة رقم (……) بفندق……. والمستأجرة من قبل المتهمين الثاني /………
والثالث /………… بين ضبط عدد ثلاث كاميرات صغيرة الحجم وعدد ثلاثة أجهزة قارئ بيانات وعدد خمس شرائح نسخ البيانات التي تم تركيبها على الأجهزة، وجهاز كمبيوتر محمول وهي الأجهزة التي تم استخدامها لارتكاب الجرم محل هذه المحاكمة.
وحيث إن اعتراف المتهمين في سائر مراحل الدعوى بالتدخل في وظائف نظام معلوماتي إلكتروني وأنظمة تشغيله عمدا ودون وجه حق بقصد التحايل والتسبب في إلحاق الضرر بالمستفيدين والمستخدمين لتحقيق مصلحة ومنفعة لنفسهم ولغيرهم بطريقة غير مشروعة، وذلك بأن قاموا بالتحايل بتركيب أجهزة نسخ بيانات على أجهزة الصرف الآلي التابعة للبنوك المجني عليها / بنك……..، بنك……..، بنك…….، بنك………، بنك……..، ومن ثم وبعد عدة ساعات يقومون بنزع تلك الأجهزة، وتفريغ البيانات عبر القارئات واستعمال بطاقات ائتمانية قاموا بإحضارها من جمهورية……… في سحب مبالغ مالية من حسابات العملاء بعد أن يحصلوا على الأرقام السرية من قراءة تلك البيانات المستخرجة من أجهزة الصرف الآلي و استيلائهم على بيانات بطاقات مالية تابعة لعملاء البنوك المجني عليهم، وكذلك استخدموا الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في الوصول دون وجه حق إلى أرقام وبيانات البطاقات المالية التابعة لعملاء البنوك المجني عليها بقصد الاستيلاء على أموالهم وتحقق لهم ذلك، كافٍ دون حاجة لبيان كل حساب من حسابات العملاء في كل بنك من البنوك المدعية على حدة وتحديد المبلغ المسحوب من كل حساب فالجريمة تكتمل أركانها بالوصول لأي حساب وسحب أي مبلغ بالطريقة التي أستخدمها الطاعنون.
أما ما ينعاه الطاعنون بإحضار مترجم لا يتقن اللغة الصينية بالشكل الدقيق والسليم بجلسات المحاكمة، فمردود عليه بأن لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية في صحة الترجمة من عدمها، وأن الثابت من محاضر الجلسات بأن المحكمة قد أجلت الدعوى مرتين لعدم توفر مترجم للغة الصينية لدى السفارة الصينية، وأنها لم تتخذ أي إجراء لحين وجود مترجم و بعد أدائه اليمين القانونية بكل صدق وأمانة، حيث أوردت في ذلك قولها: «وحيث أعيد نشر الدعوى من جديد لدى هذه المحكمة بهيئة مغايرة وقد تم تداولها بعدة جلسات اقتضاها سيرها العادي والطبيعي وبإحداها وبحضور مترجم اللغة الصينية وبعد أداء القسم بأن يترجم بكل صدق وأمانة…» كما أن المتهمين ووكيلهم كرروا اعترافهم من خلال مرافعة وكيلهم الختامية وخطابهم المعنون لقاضي محكمة جنايات مسقط ملتمسين الرأفة وتخفيف العقوبة فقط، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الدفع غير سديد. أما بشأن ما أثاره الطاعنون حول تقدير العقوبة وعدم تطبيق نص المادة (١١١) من قانون الجزاء، فذلك مردود عليه، بأن من المقرر في قضاء المحكمة العليا أن تقدير العقوبة في الحدود المقررة قانونًا بالنسبة لكل متهم من سلطة محكمة الموضوع دون معقب عليها، ومن ثم فلا يقبل من الطاعنين أو غيرهم مجادلة المحكمة في تقديرها للعقوبة التي قضت بها ضد الطاعنين ما دامت تلك العقوبة في الإطار المقرر لها قانونا كما عليه الحال في هذه الدعوى.
مما ينحل هذا الطعن إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص فهم وقائع الدعوى والصورة الصحيحة لها ووزن أدلتها وتقديرها، وهو مما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا فضلاً عن ذلك، أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع المتهمين في شتى مناحي دفاعهم الموضوعي والرد على كل جزئية منها ردًّا صريحًا ما دام أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم المطعون فيه، مما يكون طعنهم برمته على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا، وإلزام الطاعنين بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعنين بالمصاريف.