التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (ب): الطعن رقم ٩٤٨ / ٢٠١٦م

2016/948 948/2016 ٢٠١٦/٩٤٨ ٩٤٨/٢٠١٦

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٣ / يونيو / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة  /  محمد بن عبدالله الحجري وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: د.سلطان بن حمد السيابي، سيد ساتي زيادة، الحسين غرار، عابدين صلاح حسن

(٧٤)
الطعن رقم ٩٤٨ / ٢٠١٦م

– دعوى مدنية « مرتبطة بالدعوى الجزائية». حكم البراءة « عدم الاختصاص بالدعوى المدنية».

– إذا قضت المحكمة الجزائية بالبراءة في التهمة المنسوبة للمتهم تكون غير مختصة بالفصل في الدعوى المدنية المرتبطة بها. علة ذلك. تفصيل ذلك.

الوقائع

تتحصل وقائع الطعن على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن أن الادعاء العام أحال الطاعن الثاني إلى المحكمة الابتدائية بالسويق، لأنه بتاريخ ٢٧ / ٩ / ٢٠١٤م بدائرة اختصاص إدارة حماية المستهلك……..:

حال كونه مدير………….. (الطاعنة الأولى)، لم يلتزم بمقتضيات واجب الضمان خلال عشرة الأيام الأولى لمركبة المستهلك /……….. (المطعون ضده الثاني)، إذ بالرغم من شكوى المذكور من خلل في المركبة للطاعن الثاني إلا أنه لم يستبدلها له أو يرجع قيمتها إليه.

وبجلسة ٣٠ / ١١ / ٢٠١٥م حكمت المحكمة حضوريًّا: بإدانة الطاعن الثاني مما أسند إليه، وقضت بمعاقبته بالغرامة (٥٠٠ ر.ع) خمسمائة ريال عماني، ومدنيًّا: بإلزام الطاعنة الأولى بإرجاع مبلغ المقدم (٧٠٠ ر.ع) سبعمائة ريال عماني بالإضافة إلى مبلغ (٣٥ ر.ع) خمسة وثلاثين ريالاً عمانيًّا عن قيمة التأمين، ومائة وخمسين ريالاً عمانيًّا عن قيمة أتعاب الخبير ومبلغ (١٠٠٠ ر.ع) ألف ريال عماني كتعويض معنوي للمجنى عليه، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.

ولم يرتضِ(الطاعنان) هذا القضاء فطعنا فيه بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف بصحار، وبجلسة ٢٧ / ٣ / ٢٠١٦م حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً، ومن   الموضوع بإلغاء الحكم فيما قضى به من إدانة المتهم، والقضاء مجددًا بإعلان براءته مما أسند إليه وتؤيد الحكم فيما عدا ذلك.

ولم يلق القضاء سالف البيان قبولاً لدى (الطاعنين) فطعنا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ: ٢ / ٥ / ٢٠١٦م بأمانة سر المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وبذات التاريخ أودعت صحيفة الطعن موقعة من محام مقبول لدى المحكمة العليا:………………، من مكتب:………….. للمحاماة والاستشارات القانونية بصفته وكيلاً عن الطاعنين، وقدم ما يفيد وكالته، وأودع مبلغ الكفالة المالية، وقد تم إعلان المطعون ضدهما بصحيفة الطعن ولم يعقبا عليها.

وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة لإبداء الرأي خلص فيها إلى قَبول الطعن المقدم من الطاعنة الأولى شكلاً في مواجهة المطعون ضده الثاني وعدم قَبوله شكلاً في مواجهة المطعون ضده الأول لرفعه على غير ذي صفة، ورفضه موضوعًا مع إلزام الطاعنة بالمصاريف ومصادرة مبلغ الكفالة، وبعدم قَبول الطعن المقدم من الطاعن الثاني شكلاً وذلك لعدم توافر المصلحة فيه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر الأوراق، وبعد سماع التقرير الذي أعده وتلاه القاضي المقرر، وبعد المداولة طبقًا للقانون.

حيث إن الطعن المقدم من الطاعنة الأولى في مواجهة المطعون ضده الثاني استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلاً، وذلك بخلاف الأمر بالنسبة للطعن المقدم منها في مواجهة المطعون ضده الأول الذي تعين عدم قَبوله لرفعه على غير ذي صفة وتعين الحكم بعدم جواز الطعن المقدم من الطاعن الثاني (المتهم) لعدم توافر المصلحة في تقديمه.

وحيث تنعى الطاعنة على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وتأويله وتفسيره، وفي بيان ذلك تقول: إن الحكم قضى بتأييد الحكم الابتدائي في شقه المدني بالرغم من صدور حكم البراءة في الشق الجزائي، بينما كان يجب إلغاؤه لأنه يدور وجودًا وعدمًا مع قيام الدعوى الجزائية، مخالفًا بذلك نص المادة (٢٠) من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على أن: (لكل من أصابه ضرر شخصي مباشر بسبب الجريمة أن يرفع دعوى بحقه المدني أمام المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية في أية حالة كانت عليها إلى أن يقفل باب المرافعة بوصفه مدعيًا منضمًا في الدعوى العمومية…)، ومخالفًا أيضًا لنص المادة (٢١) من القانون ذاته والذي جاء   نصها: (… ويعتبر المسؤول عن الحق المدني في الحالتين منضمًا للمتهم في الدعوى العمومية)، وأشارت الطاعنة إلى أن التعويض المقرر في الحكم الابتدائي ارتبط بإدانة المتهم تطبيقًا لنص المادة (٥٨) من قانون الجزاء العماني: (كل جريمة تلحق بالغير ضررًا ماديًّا كان أم معنويًّا يُحكم على فاعلها بالتعويض عند طلب المتضرر) ولما قضى الحكم المطعون فيه ببراءة المتهم من الجرم المنسوب إليه فإنه لا مجال للحكم بالتعويض المدني ومن ثم فإن المحكمة الجزائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية، بما يكون معه الحكم معيبًا يستوجب نقضه.

لا جدال في أن كل جريمة يترتب عنها ضرران، الضرر أول يعيب المجتمع ويمثل سببًا لإقامة الدعوى العمومية من قبل الادعاء العام بصفته ممثلاً لذلك المجتمع بهدف إنزال العقاب بكل من يخالف القواعد القانونية الآمرة التي تنظمه، والضرر الثاني هو الضرر الذي ينال من الشخص المضرور من الجريمة وهو موجب إقامة الدعوى المدنية الرامية إلى مطالبة المتسبب في ذلك الضرر بالتعويض عنه لفائدة المدعي بالحق المدني، فالدعوى المدنية إذا هي من توكل من لحقه ضرر نشأ مباشرة عن الجريمة.

وحيث ولما كان الأصل أن ولاية المحكمة الجزائية تقتصر على النظر عما يطرح عليها من جرائم، فإن القانون قد أجاز (للمضرور) استثناءً عن هذا الأصل أن يرفع دعواه بالمطالبة بالتعويض أمام المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية ليمتد بذلك اختصاص المحكمة الجزائية بنظر الدعوى المدنية الناشئة عن تلك الجرائم، وهو ما نصت عليه المادة (٢٠) من قانون الإجراءات الجزائية التي أجازت لكل من أصابه ضرر شخصي مباشر بسبب الجريمة أن يرفع دعوى بحقه المدني أمام المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية في أية حالة كانت عليها إلى أن يقفل باب المرافعة بوصفه مدعيًا منضمًا في الدعوى العمومية، فالدعوى المدنية التي ترفع أمام المحكمة الجزائية هي التي يقيمها كل من لحقه ضرر نشأ مباشرة عن الجريمة المطالبة بالتعويض عن ذلك الضرر سواءً كان ماديًّا أو معنويًّا، فهي تتميز عن دعوى التعويض العادية التي ترفع أمام المحاكم المدنية في أنها ناشئة عن جريمة وأن تكون الجريمة قد تسببت فيها مباشرة، ومن الواضح أن المبررات التي حدت بالمشرع لتمكين المحكمة الجزائية من التعهد بدعوى محورها مصالح مدنية بحته، هو تسهيل عملية الردع الجزائي يجعل المدعي بالحق المدني يشد من أزر الادعاء العام؛ لأن مصلحته واضحة في التعرف بملابسات الفعل الإجرامي الذي استهدف له، وبذلك خول له المشرع في نطاق الدعوى الجزائية من الانتفاع بما توصل له الادعاء العام من أدلة إثبات للفعل الإجرامي المسند لمرتكبه لتمكينه من القيام بطلب التعويض صلب القضية الجزائية استنادا لما نصت عليه المادة (٢٠) من قانون الإجراءات الجزائية سالفة البيان، فاختصاص القضاء الجزائي بالدعوى الجزائية إنما هو مبني على الارتباط بين الدعويين في وحدة السبب الذي تقام عليه كل منهما، إلا أن ذلك الاختصاص الاستثنائي مشروط بألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجزائية، ومؤدى ذلك أن المحاكم الجزائية لا تكون لها ولاية الفصل في الدعوى المدنية متى كان الفعل محل الدعوى العمومية مناط التعويض عن الدعوى المدنية المرفوعة تبعًا لها غير معاقب عليها، أو أنه غير ثابت، فإذا كانت الدعوى المدنية التي يقدمها المدعي بالحق المدني أمام القضاء الجزائي مؤسسة على واقعة لا تعد جريمة ولا تندرج تحت نص تجريمي أو لم تتوافر فيها عناصر الجريمة في جانب المتهم (كما هو الحال في الدعوى الراهنة)، فإن على المحكمة الجزائية في هذه الحالة أن تقضي ببراءة المتهم وبعدم اختصاصها بالفصل في الدعوى المدنية، ذلك أن صدور حكم بالبراءة تنعدم معه مبررات الإباحة للمحكمة الجزائية بنظر الدعوى المدنية ويجعلها معزولة عنها، لأن نظرها فيها هو من قبيل الاختصاص الاستثنائي الذي ينتفي أي مبرر له في صورة الحكم بالبراءة، ولأن الحق المدني هو حق مرتبط وجودًا وعدمًا بقيام الدعوى الجزائية وبثبوت توافر العناصر الواقعية والقانونية للجريمة المسندة للمتهم.

ولما كان ما تقدم وكانت المحكمة المطعون في حكمها قد قضت بإلزام الطاعنة الأولى……………….) لفائدة المدعي بالحق المدني (المطعون ضده الثاني) بالتعويض المدني، في الوقت الذي استقرت به على أن الفعل المنسوب للمتهم منعدم في الأصل وأيدت ما قضى به الحكم الابتدائي في حقه من براءة وهو حكم اتصل به القضاء بالنظر إلى عدم الطعن فيه بالنقض من الادعاء العام، فإن قضاءها بالتعريف المطالب به يكون إذن خارجًا عن اختصاصها بصفتها محكمة جزائية، وأن خالفت هذا المنحى فإن حكمها يكون معيبًا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله بما يوجب تصحيحه استنادا للمادة (٢٦٠) من قانون الإجراءات الجزائية والقضاء تبعًا لذلك بإلغائه في الشق المتعلق بالدعوى المدنية التابعة برمته، ويستتبع ذلك رد مبلغ الكفالة للطاعنة بحكم مفهوم المخالفة للمادة (٢٥٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم جواز طعن /………… وتحميله مصاريف طعنه، وبعدم قَبول طعن «………….» في مواجهة الادعاء العام، وقبوله في مواجهة المطعون ضده الثاني /……….. وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به مدنيًّا وتصحيحه بإلغاء الحكم المستأنف في الدعوى المدنية التابعة والقضاء مجددًا بعدم الاختصاص للبت فيها وإرجاع الكفالة للطاعنة.