التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (ب): الطعن رقم ٢٩٢ / ٢٠١٧م

2017/292 292/2017 ٢٠١٧/٢٩٢ ٢٩٢/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٢٣ / مايو / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة  /  محمد بن عبدالله الحجري وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: د.سلطان بن حمد السيابي، سيد ساتي زيادة، الحسين غرار، عابدين صلاح حسن

(٧٥)
الطعن رقم ٢٩٢ / ٢٠١٧م

– تحريات» تقدير الجديّة فيها».

– تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر القبض والإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يُوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت الادعاء العام على تصرفه في هذا الشأن فلا معقب عليها.

الوقائع

تتحصل الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال الطاعن إلى محكمة الاستئناف بصحار (دائرة الجنايات) لأنه بتاريخ: ٧ / ١٢ / ٢٠١٥م بدائرة اختصاص إدارة مكافحة المخدرات:

١ . تاجر بالمواد المخدرة، بأن باع (٥) خمس لفافات ورقية من مخدر الهيروين  للمصدر بمبلغ وقدره (٥٠ ر.ع) خمسون ريالاً عمانيًّا، في غير الأحوال المرخص بها قانونًا، فتم ضبطه متلبسًا بالجرم، وفق الثابت بمحضر الضبط وتقرير الفحص الفني.

٢ .حاز وأحرز بقصد الاتجار مخدر (الهيروين) في غير الأحوال المرخص بها قانونًا، على النحو الثابت بالتحقيقات ومحضر الضبط وتقرير الفحص الفني.

٣ . تعاطى مخدر (الهيروين) في غير الأحوال المرخص بها قانونًا وفق الثابت باعترافه.

٤ . امتنع عن إعطاء عينة من بوله لغرض الفحص المخبري، وفق الثابت بالأوراق.

٥ . قاد المركبة رقم (…………) تحت تأثير المخدر بطريقة تشكل خطورة وتعرض حياة الأشخاص وأموالهم للخطر، وفق الثابت بالأوراق.  وطالب الادعاء العام معاقبة المتهم بجنايتي بيع مواد مخدرة، وحيازة وإحراز مواد مخدرة بقصد الاتجار المجرمتين بالمادة (٤٤ / ١) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وجنحة تعاطي المواد المخدرة المجرمة بالمادة (٤٧) من القانون ذاته، وجنحة الامتناع عن إعطاء عينة بول المجرمة بالمادة (٦٤ مكررا) من القانون ذاته، وجنحة قيادة مركبة بطريقة تشكل خطورة وتعرض حياة الأشخاص وأموالهم للخطر المجرمة بالمادة (٥٠ / ١) من قانون المرور، ومصادرة المواد المضبوطة وإتلافها، والهاتف النقال لصالح الخزينة العامة للدولة، عملاً بالمادة (٥٩) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية.

وبجلسة ٢٨ / ١٢ / ٢٠١٦م حكمت محكمة الاستئناف بصحار (دائرة الجنايات):

أولاً: بإدانة المتهم بجنايتي بيع مواد مخدرة وحيازة وإحراز مواد مخدرة بقصد الاتجار، وقضت عليه عن الجناية الأولى بالسجن عشر سنوات والغرامة (٣٠٠٠ ريال) ثلاثة آلاف ريال وعن الثانية بالسجن عشر سنوات والغرامة (٣٠٠٠) ريال ثلاثة آلاف ريال.

ثانيًا: بإدانته بجنحة تعاطي المواد المخدرة وبجنحة الامتناع عن إعطاء عينة من بوله وقضت عليه عن الجنحة الأولى بالسجن سنة والغرامة ٥٠٠ ريال (خمسمائة ريال) وعن الجنحة الثانية بالسجن ستة أشهر والغرامة (٥٠٠ ريال) خمسمائة ريال، وأمرت بإدغام العقوبة الأخف في الأشد وينفذ أشدها بالجناية الأولى دون سواها.

ثالثًا: ببراءة المتهم من الاتهام المسند إليه بقيادة مركبة تحت تأثير المخدر لعدم كفاية الأدلة.

رابعًا: مصادرة المواد المخدرة المضبوطة لأجل إتلافها، والهاتف النقال لصالح الخزينة العامة للدولة.

لم يرتض المحكوم عليه هذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ ٢٦ / ١ / ٢٠١٦م بأمانة سر المحكمة التي أصدرت الحكم، وذلك خلال القيد الزمني المقرر بالمادة (٢٤٩) من قانون الإجراءات الجزائية، وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول لدى المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن الذي قدّم سند وكالة عنه تبيح له ذلك، وقد أعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن ولا دليل على رده.  وقدّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قَبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وإلزام الطاعن المصروفات.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر الأوراق، وبعد سماع التقرير الذي أعده وتلاه القاضي المقرر، وبعد المداولة طبقًا للقانون.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة له قانونًا فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتأويله، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، وفي معرض بيانه ذلك قال: إنه دفع في مرافعته الشفهية أمام المحكمة وفي مذكرة دفاعه المقدمة إبان حجز الدعوى للحكم بعدة دفوع إلا أن الحكم المطعون فيه لم يورد جميع دفوعه وطلباته، ولم يرد عليها رغم أنها جوهرية من شأنها أن تغير من وجه الرأي في الدعوى، إذ دفع ببطلان القبض عليه لعدم جدية التحريات، واختلاق حالة التلبس بالمخالفة لأمر القبض الصادر بحقه عن تهمة تعاطي المواد المخدرة المؤثمة بنص المادة (٤٧) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وبالمخالفة لنصوص المواد (٢٨، ٣٩، ٤٨، ٤٩) من قانون الإجراءات الجزائية، وأن ما رد به الحكم على هذا الدفاع جاء غير سائغ، وأن المحكمة لم تحقق دفاعه باستدعاء المصدر السري سيما وأنه أنكر وجوده وبيعه له المخدر أو استلامه منه المبلغ المالي، وأن شاهد النفي /……………… حضر أمام المحكمة ونفى وجود أي شخص التقى به (الطاعن) أو أن يكون قد باع له مواد مخدرة أو تسلم منه مبالغ مالية، وبالتالي فإن المصدر السري هو مجرد شخص وهمي من ابتكار رجال الضبط القضائي على نحو لا يتوافق مع الواقع والقانون، ناهيك عن أنه أنكر واقعة بيع المواد المخدرة وصلته بالمبلغ الذي ضبط في جميع مراحل الدعوى، وكذلك أنكر عدد اللفافات التي ضبطت مع المصدر السري، لذا كان يتوجب على المحكمة الاستجابة إلى طلبه باستدعاء المصدر السري لسماع شهادته، لأن ذلك من شأنه أن يغير من وجه الرأي في الدعوى، وأنه دفع بتلفيق تهمة بيع المخدر للمصدر السري بالمخالفة لأمر القبض الصادر بحقه عن تهمة تعاطي المواد المخدرة، والتلاحق الزمني في الإجراءات وحدوثها جميعًا بتاريخ واحد يوم (٧ / ١٢ / ٢٠١٥م)، بما يوحي بأن ضبطه تم قبل تحرير محضر التحري وقبل استصدار إذن القبض عليه، كما أن تفتيش المصدر السري تم بعد تسليمه المبلغ المضبوط، وأنه دفع ببطلان تفتيش مركبته لعدم التحفظ عليها   وإخطار الادعاء العام بالحصول على إذن بتفتيشها، وأنه تم تفتيش مركبته بناءً على إقراره بعدم الممانعة من تفتيشها الموقع عليه من قبله رغم أن تفتيش المركبة يحتاج إلى إذن من الادعاء العام قياسًا على نص المادة (٨٠) من قانون الإجراءات الجزائية التي أجازت تفتيش المساكن الخاصة بإذن كتابي مسبب من الادعاء العام، والمركبة الخاصة تأخذ حكم المسكن الخاص، وأن توقيعه على ذلك الإقرار تم بعد تمام التفتيش، ممِّا يبطل تفتيش المركبة وكافة الإجراءات الناتجة عنه، إلا أن الحكم رد على هذا الدفاع بما لا يسوغ ودون بيان للنص القانوني الذي يبيح التفتيش بناءً على إقرار عدم الممانعة، كما دفع ببطلان إجراءات ضبط المخدر وتحريزه لمخالفته نص المادة (٩٧) من قانون الإجراءات الجزائية، واختلاف وزن المخدر الذي تم ضبطه من قبل الشرطة وبين وزن المخدر الذي تم فحصه في المختبر الجنائي، وأن وزن المخدر لا ينبئ عن توافر قصد الاتجار لديه لصغر حجمه، وأنه دفع ببطلان محضر التحقيق المؤرخ في ٧ / ١٢ / ٢٠١٥م المحرر بمعرفة إدارة مكافحة المخدرات بشمال الباطنة، لاشتماله على استجواب للمتهم وهو من الأمور المحظورة على مأمور الضبط القيام بها عملاً بنص المادة (٧٥) من قانون الإجراءات الجزائية، ولمَّا كان الحكم قد عوَّل في إدانته على اعترافه في محضر التحقيق المشار إليه رغم بطلانه فإنه يكون قد خالف القانون، كما أنه دفع ببطلان الاعتراف المسند إليه بتحقيقات إدارة مكافحة المخدرات لتعرضه للضرب والتعذيب بدليل ما أثبته الادعاء العام في محضره عند مناظرته له من وجود إصابة في ساعد يده اليسرى ناتجة عن ضربه من أفراد المكافحة وهو دليل مادي يثبت تعرضه للضرب والتعذيب ممِا يهدر اعترافاته الواردة في محضر تحقيقات إدارة مكافحة المخدرات، كما أنه دفع بانعدام قصد البيع والشراء وقصد الاتجار لديه، وأن حيازته للمواد المخدرة المضبوطة في علبة كوداك كانت بقصد التعاطي، وأن ما استند إليه الحكم من اعترافه لا سند له في الأوراق، ولم يبين الحكم في أي مرحلة صدر ذلك الاعتراف، كل ذلك  يقول الطاعن  يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه، والإعادة إلى هيئة مغايرة للفصل في الدعوى من جديد.

وحيث إن جماع مناعي الطاعن غير سديدة ومردود عليها بأن من المقرر في قضاء المحكمة العليا أن استخلاص الواقع في الدعوى والصورة الصحيحة لها وتقدير الدليل ووزن البينات من المسائل التي تستقل بها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وقادرة على حمله، وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع المحكمة من جميع عناصر الدعوى المطروحة عليها،   ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه مادام أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، ولا يصح مطالبتها بالأخذ بدليل دون الآخر ولا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن تكون بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ إن الأدلة في المواد الجزائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة واحدة تؤدي إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولو عن طريق الاستنتاج.

ولمَّا كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه حصَّل واقعة الدعوى بما مؤداه أن التحريات الجدية التي قامت بها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية دلت على قيام الطاعن بحيازة مواد مخدرة بقصد التعاطي والاتجار فيها، وبعد أن استوثقت من صحة تلك المعلومات أفرغتها في محضر تحري وخاطبت الادعاء العام الذي أصدر أمر بالقبض عليه، وتمت في نفس اليوم الاستعانة بمصدر سري تولى التنسيق مع الطاعن لشراء منه خمس لفافات من الهيروين بمبلغ (٥٠) ريالا رُصد للغاية، وبالمكان المتفق عليه حضر على متن مركبته في الموعد، فتم ضبطه في حالة تلبس عقب عملية التسليم والاستلام، وضبط وتحريز الكمية المبيعة للمصدر، فضلاً عن ذات المبلغ المرصود للشراء بجيب الطاعن، ولفافة ورقية من ذات المخدر بجيبه، ولفافة أخرى بمركبته، وقد بلغت كمية المخدر المضبوطة عند وزنها في العينة الأولى (٩١٧٠.٢) جرامًا وفي العينية الثانية (٨٢.٠) جرامًا، وأسفر تحليل المختبر الجنائي للمواد المضبوطة على أنها مخدر الهيروين، وقد رفض الطاعن إعطاء عينة من بوله للفحص المخبري عند ما طلب منه ذلك.

وقد ساق الحكم المطعون فيه على صحة ثبوت الواقعة على هذه الصورة التي وقرت في عقيدة المحكمة وعلى إسنادها للطاعن أدلة سائغة، بين بتفصيل مضمونها ومؤداها، وكانت محل طرح شفوي على بساط البحث بجلسة المحاكمة  حسبما يبين من مدونات الحكم ومن محاضر الجلسات  متمثلة في ضبطه في حالة تلبس بالجريمة، وفي شهادة فريق الضبط كلٌّ من الملازم أول /………. والشرطي /………

والشرطي……. والشرطي……… بشأن عمليات التحري والمراقبة ونصب الكمين بالاستعانة بالمصدر السري، والمداهمة فور وقوع عملية التسليم والاستلام، وضبطهم الطاعن عقبها وتحريز لفافات الهيروين المبيعة للمصدر، علاوة عن لفافة أخرى من ذات النوع بجيب الطاعن ولفافة أخرى بداخل مركبته، وفي محضر تفتيش المصدر   قبل عملية التسليم والاستلام، ومحضر تسلم الشرطة الخمس لفافات من الهروين من قبل المصدر السري التي اشتراها من الطاعن، ومحضر ضبط ذات المبلغ المرصود للشراء بحوزة الطاعن، ومحضر ضبط لفافة من الهروين بحوزة الطاعن ولفافة أخرى بداخل مركبته، وكذلك في تقرير فحص المختبر الجنائي الذي أسفرت نتيجته أن المواد المحرزة مخدرة من نوع الهروين، كما ركنت في ثبوت جنحة تعاطيه المخدرات إلى اعترافه القضائي أمامها، وفي ثبوت جنحة امتناعه عن إعطاء عينة بوله للفحص المخبري إلى استمارة طلب فحص عينة بوله المتضمنة رفضه ذلك.

ولمَّا كان ذلك، وكان المقرر في قضاء المحكمة العليا أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار أمر القبض والإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يُوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وأنه متى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بُني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره، وأقرت الادعاء العام على تصرفه في هذا الشأن  كما هي الحال في الدعوى الراهنة  فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وكانت مسألة التقرير فيما إذا كانت حيازة وإحراز المخدر عن علم وإرادة هي بقصد التعاطي أم بقصد الاتجار واقعة مادية تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، طالما كان ما أوردته سائغًا وواضحًا في توافره، وكان البين ممِا أورده الحكم تدليلاً على ما أدان به الطاعن من أجل جنايتي حيازة مواد مخدرة من نوع الهروين بقصد الاتجار والاتجار بها، أنه جاء سائغًا وواضحا ومقنعا في اقترافه الجرم عن علم وإرادة وله صداه في الأوراق، وأن المحكمة استظهرت بجلاء واقعة الدعوى بما تتوافر به حالة التلبس بالجريمة وكافة العناصر الواقعية والأركان القانونية للجنايتين والجنحتين محل الإدانة، وأن من شأن الأدلة التي أوردتها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وأنها ردت برد سائغ على دفوعه الجوهرية.

أما منعى الطاعن بطلان الإجراءات المتخذة في حقه في مرحلة الاستدلالات لتتابعها في ذات اليوم وبطلان ما تلاها، فمردود عليه بأن تلاحق الإجراءات وتتابعها في يوم واحد لا يعيبها ما دامت محكمة الموضوع تثبتت من أنها كانت متسلسلة عبر الزمن بأن بدأت بالمراقبة والتحري وتحرير محضر به واستصدار إذن من سلطة الاتهام بالقبض ثم نصب الكمين الذي أسفر عن ضبط الفاعل عقب عملية التسليم والاستلام في حالة تلبس بالجرم بذات اليوم، وتفتيشه وتفتيش مركبته، ومن ثم لا محل لمنعى الطاعن بهذا السبب من الطعن.  أما نعيه ببطلان اعترافه بمحاضر الاستدلال لصدوره عنه تحت وطأة الإكراه والتعذيب بدليل الإصابة التي كانت ظاهرة على ساعده الأيسر والتي ناظرها عضو الادعاء العام، فمردود عليه أن المحكمة حققت هذا الدفع وردت عليه بما يسوغ، إذ البين من محاضر الجلسات أن محكمة الموضوع عند سماعها لشهادة فريق الضبط القضائي على اليمين، ناقشتهم حول المسألة فأرجعوا سبب ما ظهر عليه من إصابة إلي فراره على متن مركبته وإغلاقهم الطريق أمامه ممِا أدى إلى اصطدامه بسور مزرعة، وقد جاءت شهادة /……….و……….. المعززة باليمين معضدة لها الطرح، والحال أنهما شاهدا الطاعن نفسه بأنهما لمَّا خرجا إلى عين المكان وجدا الطاعن صدم بمركبته جدارًا، وكان ما أوردته المحكمة من تسبيب منطقي وله صداه في الأوراق وكافيا ومقنعا لتبرير التفاتها عن دفعه السالف الذكر، وقد خلصت في استنتاج سليم إلى صحة اعترافه بالاستدلالات فأخذت به دليلاً من أدلة الثبوت ضده، بعدما اقتنعت بصدوره عنه عن بينة وطواعية واختيار، وبالتالي لا يقبل منه النعي بهذا الوجه.

أما نعيه ببطلان محضر الاستدلالات المتضمن لاعترافاته لاشتماله على استجوابه من طرف رجال الضبط القضائي بالمخالفة للمادة (٧٥) من قانون الإجراءات الجزائية، فمردود عليه بأن هذه المادة أجازت لعضو الدعاء العام تكليف أحد مأمور الضبط القضائي بالقيام بعمل من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم، وبالتالي يكون الأصل في إجراء استجواب المتهم خلال مرحلة التحقيق من اختصاص الادعاء العام وباستثناء استجواب المتهم يجوز للادعاء العام تكليف أحد مأموري الضبط القضائي القيام بباقي إجراءات التحقيق، وأما في مرحلة جمع الاستدلالات فإن المادة (٤٣) من ذات القانون أوجبت على مأمور الضبط القضائي  من بين ما أوجبت عليه  سماع أقوال من يكون لديهم معلومات عن الجريمة وفاعلها وسؤال المتهم بها وتحرير محضر بذلك.

ولمَّا كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن مأمور الضبط القضائي سمع أقوال المتهم خلال مرحلة جمع الاستدلالات وحرر محضرًا تضمن إقراره المفصل بالجرم المنسوب إليه، فلا محل لمنعى الطاعن ببطلان هذا المحضر بدعوى تجاوزه لسلطاته.

أمَّا نعيه ببطلان الإجراءات لخلق الضبطية القضائية للجريمة وتجنيدها لمصدر سري وهمي، وعدم سماع المحكمة لأقوال المصدر، فالبين أن محكمة الموضوع وقفت على سلامة الإجراءات المتخذة في حق الطاعن، وأن من المقرر في قضاء المحكمة   العليا أن من حق مأمور الضبط القضائي أن يتخذ من الإجراءات القانونية ما يعينه على كشف الجرائم ومرتكبيها بما في ذلك الاستعانة بمخبرين وبمصادر سرية، ما دام أنه لم يحمل الفاعل على ارتكاب الجريمة أو يحرضه على اقترافها، وكان الثابت من مدونات الحكم أن الطاعن قد حاز المواد المخدرة برضائه وتعاطاها واتجر فيها عن طواعية واختيار، وأن رجال الضبط اقتصر دورهم على كشف جريمة كانت قائمة تمثلت في اتجار الطاعن بالمواد المخدرة وتعاطيه لها في غير الأحوال المرخص بها، مستعينة بمصدر سري، وأن محكمة الموضوع استمعت إلى شهادة فريق الضبط الذي أشرف على تجنيد المصدر السري الذي تفاوض مع الطاعن على شراء المخدر منه واستدراجه إلى الكمين تحت سماع وأنظار الفريق ورأت المحكمة فيها الكفاية، فإن ما اً.

يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبول أما نعيه ببطلان محضر ضبط وتحريز المواد المخدرة لاختلاف كميتها بين ما هو مثبت محاضر الشرطة وما أشير إليه في تقرير المختبر الجنائي، فمردود عليه بأنه رغم ملاحظة ورود اختلاف طفيف في الوزن بين ما أشير إليه في الوثيقتين، فذلك لا يرقى سببًا مبطلاً لمحضر الضبط والتحريز، ولا أثر لهذا الاختلاف على صحة قضاء الحكم ما دام أن محضر وزن الشرطة كان على وجه التقريب لا الجزم، بينما تقرير المختبر الجنائي أشار بكل دقة إلى الوزن الحقيقي لمادة الهيروين المضبوطة مع الطاعن، والأهم من ذلك حسم في أنها مادة مخدرة من نوع الهروين، ولمَّا كان ذلك وكان المشرع لم يُعر أهمية لكمية المواد المخدرة المضبوطة بحيث لم يحدد مقدار العقوبة في جرائم المخدرات على حسب وزن الكمية المضبوط بحوزة الفاعل، بل فرض عقوبتها بغض النظر عن هذا العنصر، وبالتالي لا يقبل من الطاعن النعي بهذا السبب.

أما نعيه ببطلان تفتيش مركبته بدون إذن صادر عن الادعاء العام، فمردود عليه بأن التفتيش المحظور هو الذى يقع على الأشخاص والمساكن بغير مبرر من القانون، أمَّا حرمة المركبة الخاصة فمستمدة من اتصالها بشخص صاحبها أو حائزها، فما دام أن هناك أمرا من سلطة الاتهام بالقبض على الطاعن فإن مأمور الضبط الذي ملك هذا الحق يملك أيضًا حق تفتيش شخص المقبوض عليه وتفتيش ما يكون متصلاً به ومن ذلك المركبة الخاصة التي كان يتولى قيادتها.

ولمَّا كان ذلك وكان الثابت بالحكم المطعون فيه أن فريق الضبط استصدر أمرًا بالقبض على الطاعن صادرا عن سلطة الاتهام، وتم نصب الكمين له وضبطه في حالة التلبس بجرم الاتجار في المواد المخدرة من نوع الهروين، فإن إجراءات ضبطه وتفتيشه   وتفتيش المركبة قيادته بحثًا عن المواد المخدرة، كلها إجراءات صحيحة وموافقة لصحيح للقانون، ولا وجه لمَا نعاه الطاعن من بطلان في هذا الشأن.

وترتيبًا على ما تقدم، لا تثريب على المحكمة إن هي بنت قضاءها علي هذا الأساس السليم ملتزمة قواعد تسبيب الأحكام، وتنحل مناعي الطاعن إلى مجرد جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الواقع في الدعوى وتقدير ووزن أدلتها، وهو ما لا يجوز إثارته والخوض فيه أمام المحكمة العليا، ويضحى الطعن برمته أقيم على غير أساس، متعينًا رفضه موضوعًا، وإلزام رافعه المصروفات عملاً بالمادة (٢٢٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعًا وإلزام الطاعن المصروفات.