التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (ب): الطعن رقم ٨٣٢ / ٢٠١٧م

2017/832 832/2017 ٢٠١٧/٨٣٢ ٨٣٢/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٢٠ / مارس / ٢٠١٨م

المشكلة من فضيلة القاضي  /  محمد بن عبدالله الحجري /  رئيساً وعضوية كل من أصحاب الفضيلة:  سيد ساتي زيادة، الحسين غرار، عابدين صلاح حسن، كمال عزوز غربي

(٧٦)
الطعن رقم ٨٣٢ / ٢٠١٧م

– جريمة « ابتزاز إلكتروني. سماع شهادة المجني عليه فيها».

– نعي الطاعن على محكمة الموضوع ارتكانها في إدانته على أقوال المجني عليهما بأن ما تم كان نتيجة تهديد وابتزاز من قبله مردود عليه بأن المقرر في قضاء المحكمة العليا أنه ليس هناك ما يمنع المحكمة من سماع شهادة المجني عليهم والأخذ بشهادتهم إذا ما أنست صدقها واطمأن لها وجدانها، شأنه شأن أي عنصر من عناصر الإثبات في الدعوى ويعود لمحكمة الموضوع وحدها أمر تقديره وتحديد وزنه حسب اقتناعها دونما رقابة عليها متى كانت مطروحة على بساط البحث أمامها عملا بالمادة (١٩٠) من قانون الإجراءات الجزائية.

الوقائع

تتحصل الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه، ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال الطاعن إلى محكمة الاستئناف بالسيب (دائرة الجنايات)، لأنه بتاريخ سابق على: ٣١ / ١٠ / ٢٠١٦م، بدائرة اختصاص إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية:

١ – استخدم الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص وابتزازه لارتكاب فعل، وذلك بأن تقمص شخصية فتاة في برنامج التواصل الاجتماعي (we chat) وبعد حصوله على صور مخله للمجني عليه / …………….

قام بتهديده بنشر صوره ومقاطع الفيديو التي تحصل عليها أثناء قيامه بالجرم محل التهمة الثانية مقابل الحصول على مبالغ مالية بلغت ما يقارب (١٣) ألف ريال عماني، واستمرار العلاقة الجنسية، وفق الثابت بالأوراق والتحقيقات.

٢- استخدم الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في تحريض وإغواء المجني عليهما / ………..و……….. لارتكاب الفجور، وذلك بأن أرسل رسائل عبر   تطبيق تقنية المعلومات (الواتساب) إلى هاتفيهما، يطلب منهما ممارسة الجنس، الأمر الذي تحقق له فيما بعد، وفق الثابت من التحقيقات.

٣- استخدم الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في إنتاج وحيازة كل ما من شأنه المساس والإخلال بالآداب العامة، وذلك بأن طلب من المجني عليه الأول تصوير قيامهم بفعل ممارسة الجنس، واحتفظ بذلك المقطع في ذاكرة تخزين (ميموري)، وفق الثابت من التحقيقات.

وطالب الادعاء العام معاقبة المتهم بجناية استخدام وسائل تقنية المعلومات في تحريض وإغواء ذكر لارتكاب الفجور المؤثمة بنص المادة (١٥) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وجنحة استخدام وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص وابتزازه، لارتكاب فعل المؤثمة بنص المادة (١٨) من القانون ذاته، وجنحة استخدام وسائل تقنية المعلومات في إنتاج وحيازة كل ما من شأنه المساس أو الإخلال بالآداب العامة المؤثمة بنص المادة (١٧) من القانون ذاته، مع مراعاة تطبيق نص المادة (٣٢ / أ) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بمصادرة المضبوطات في الجريمة.

وبجلسة: ٨ / ٥ / ٢٠١٧م حكمت المحكمة حضورياً بإدانته لارتكابه الجناية المؤثَمة بالمادة (١٥) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والجنحتين المؤثمتين بالمادتين (١٧) و (١٨) من القانون ذاته وقضت بمعاقبته عن الأولى بالسجن ثلاث سنوات والغرامة ثلاثة آلاف ريال، وعن الثانية والثالثة بالسجن لمدة سنة عن كل واحدة منهما، على أن تدغم العقوبات في حقه وتطبق الأشد، وإلزامه بالمصاريف الجنائية، ومصادرة المضبوطات.

لم يرتض المحكوم عليه هذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ ١٥ / ٦ / ٢٠١٧م بأمانة سر المحكمة مُصدرة الحكم، وذلك خلال القيد الزمني المقرر بالمادة (٢٤٩) من قانون الإجراءات الجزائية، وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول لدى المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن، والذي قدّم سند وكالته التي تبيح ذلك، وقد أعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن فرد عليها بمذكرة داخل الأجل موقعة من رئيس ادعاء عام، انتهى فيها إلى قبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.

وقدّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعا.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر الأوراق، وبعد سماع التقرير الذي أعده وتلاه القاضي المقرر، وبعد المداولة طبقا للقانون.

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة له قانونا فهو مقبول شكلا.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه، أنه إذ أدانه بالمنسوب إليه، يكون قد شابه مخالفة للقانون، والخطأ في تطبيقه وتأويله، والفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب، والإخلال بحق الدفاع، وفي معرض بيانه ذلك قال: إن المحكمة أسست قضاءها على إقراره بينما هو وليد الإكراه المعنوي الذي مارسه عليه الادعاء العام، الذي لم يقم بعرض محتويات ما تم تفريغه من هواتفه عليه، بالمخالفة لنص المادة (٩٢) من قانون الإجراءات الجزائية، وقد أثار هذا الدفع أمام محكمة الموضوع إلا أنها ردت عليه برد غير سائغ، كما لم تعتد المحكمة بدفعه بعدم معقولية واقعة الابتزاز والتهديد، إذ إن ممارسة الفاحشة مع المجني عليهما البالغين من العمر أكثر من عشرين سنة، لعدة مرات وفي عدة أماكن، يستشف منه، أنه كان عن طواعية وبرضا جميع أطرافها، وقد أخذت المحكمة بأقوال المجني عليهما للقول بأن ما تم كان نتيجة تهديد وابتزار من قبله، كل ذلك  يقول الطاعن  يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه، وأساسا القضاء ببراءته ممِا نسب إليه، واحتياطيًا إعادة الدعوى إلى هيئة مغايرة.

وحيث إن هذا النعي غير سديد ومردود عليه بما هو مقرر في قضاء المحكمة العليا بأن استخلاص الواقع في الدعوى والصورة الصحيحة لها وتكييفها التكييف القانوني الصحيح وتقدير الدليل فيها ووزن البينات من المسائل التي تستقل بها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وقادرة على حمله، وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع المحكمة من جميع عناصر الدعوى المطروحة عليها، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه، ولا يصح مطالبتها بالأخذ بدليل دون الآخر، ولا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن تكون مفصلة بحيث ينبيء كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ إن الأدلة في المواد الجزائية ضمائم متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها وحدة واحدة تؤدي إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما   انتهت إليه ولو عن طريق الاستنتاج، مادام أن القانون لم يحدد وسيلة معينة لإثبات الجريمة.

وإذ كان ذلك، وكان البين من تسبيب الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع حصلت واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن استخدم الشبكة المعلوماتية ووسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص وابتزازه لارتكاب فعل، بأن تقمص شخصية فتاة في برنامج التواصل الاجتماعي (chat we) ممِّا مكنه من الحصول على صور ومقاطع فيديو مخله للمجني عليه / ……….، وقيامه بتهديده بنشرها، مما مكنه من الحصول عن طريق التهديد والابتزاز على مبالغ مالية بلغت ما يقارب (١٣) ألف ريال عماني، ومن استمرار العلاقة الجنسية بينهما، واستخدامه لذات الوسائل في تحريض وإغواء المجني عليهما الشقيقين /………و………… لارتكاب الفجور، وذلك بأن أرسل رسائل عبر تطبيق (الواتساب) إلى هاتفيهما، يطلب منهما ممارسة الجنس معه، الأمر الذي تحقق له فيما بعد، واستخدمه لذات الوسائل في إنتاج وحيازة ما من شأنه المساس والإخلال بالآداب العامة، وذلك بأن طلب من المجني عليه الأول تصوير قيامهم بفعل ممارسة الجنس، واحتفظ بذلك المقطع في ذاكرة تخزين (ميموري)، وقد أوردت المحكمة على صحة الواقعة وسلامة إسنادها للطاعن أدلة سائغة متمثلة في أقوال المجني عليهما المستمع إليهما على اليمين، في نتيجة تفريغ هواتف المتهم والمجني عليهما الواردة بالتقرير الفني المتضمن الرسائل النصية القصيرة المرسلة للمجني عليهما المشتملة على التهديد والابتزاز الذي مارسه عليهما لدفع مبالغ مالية وممارسة الجنس معهما، وتصوير كامل لتلك الممارسة، ووجود صور ومقاطع إباحية، والتي احتفظ بها في ذاكرة التخزين المضبوطة بحوزته، وفي إقراره المفصل بكل ذلك بمحاضر استدلال الشرطة وبتحقيقات الادعاء العام ، فضلا عن إقراره كذلك خلال المحاكمة بممارسة اللواط مع المجني عليهما وتسلمه للمبالغ المالية بدعوى أن كل ذلك تم برضا المجني عليهما، وكذا من مستندات توريد المجني عليه الأول مبالغ مالية إلى حساب الطاعن، وهي الأدلة التي بينت المحكمة مضمونها ومؤداها بتفصيل في مدونات حكمها، وكانت محل طرح شفوي على بساط البحت أمامها.

والبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه التزم قواعد تسبيب الأحكام، وحصَّل واقعة الدعوى تحصيلا سليما، وبيَّنها بياناً تتوافر به كافة العناصر الواقعية والأركان القانونية للجناية والجنحتين محل الإدانة، وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة قاطعة وأسباباً سائغة حصَّلها تحصيلاً سليما مما له أصله الثابت بالأوراق، وهي من شأنها أن   تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، وما دامت محكمة الموضوع قد وجدت فيها ما يكفي لبناء عقيدتها الجازمة بالإدانة، وبينت مضمونها ومؤداها، فلا معقب على قضائها على هذا النحو، وما يثيره الطاعن في هذا الشأن غير قويم.

أما نعيه ببطلان اعترافه بتحقيقات الادعاء العام بدعوى أنها كانت وليدة إكراه معنوي، فمردود عليه أن المقرر في قضاء المحكمة العليا أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق سواء في حق نفسه أم ضد غيره من المتهمين – وإن عدل عنه بعد ذلك -، متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع وكان مطروحا على بساط البحث، كما أن للمحكمة ألا تلتزم بنص الاعتراف وظاهره ولها أن تجزئه وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح ما سواه مما لا تثق به، وأنه لا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج منها المحكمة ومن باقي عناصر الدعوى بكافة المكنات العقلية والاستنتاجية اقتراف الجاني للجريمة، وكان دفع الطاعن بالإكراه المعنوي ظل مجرد قول مرسل لم يقم دليل على صحته، ومن ثمَ فإن ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.

أمَّا نعي الطاعن على محكمة الموضوع ارتكانها في إدانته على أقوال المجني عليهما بأن ما تم كان نتيجة تهديد وابتزار من قبله، فمردود عليه بأن المقرر في قضاء المحكمة العليا أنه لمَّا كانت المادة (١٩٠) من قانون الإجراءات الجزائية نصت في فقرتها الأخيرة بشأن سماع الشهود على أنه: ((تسري على المجني عليهم أحكام الشهود في هذا الصدد)) فليس هناك ما يمنع المحكمة من سماع شهادة المجني عليهم والأخذ بشهادتهم إذا ما أنست صدقها واطمأن لها وجدانها، شأنه شأن أي عنصر من عناصر الإثبات في الدعوى، يعود لمحكمة الموضوع وحدها أمر تقديره وتحديد وزنه حسب اقتناعها دونما رقابة عليها، متى كانت مطروحة على بساط البحث أمامها، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادته، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، أما نعيه ببطلان الإجراءات لمخالفة المادة (٩٢) من قانون الإجراءات الجزائية، فالبين أن محكمة الموضوع تصدت للرد عليه، وأنه  عكس ما ادعاه الطاعن  فإن ما أوردته كاف ٍلالتفات المحكمة عن النعي بهذا السبب.   أما باقي ما أثاره الطاعن فهو ممِّا يدور حول نفي التهمة عنه، وهو من أوجه الدفوع الموضوعية، ومحكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع المتهم في شتى مناحي دفاعه الموضوعي والرد على كل شاردة وواردة فيه ردا صريحا، فردها يستفاد ضمنا من تسبيب قضاء الحكم وأدلة الثبوت التي قام عليها.

وإذ كان ذلك، وكان ما تقدم، تنحل أسباب الطعن إلى مجرد جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تكوين عقيدتها واستخلاصها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وتقدير الدليل فيها ووزن البينات، ممِا لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام المحكمة العليا، ويضحي طعنه برمته على غير أساس جديرا برفضه موضوعا، وإلزام رافعه المصروفات، عملاً بالمادة (٢٢٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وإلزام رافعه المصروفات.