التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ١١٢٧ / ٢٠١٧م

2017/1127 1127/2017 ٢٠١٧/١١٢٧ ١١٢٧/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٣ / مارس / ٢٠١٨م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: سالم بن سعيد الرحبي العربي، الحروشي مجيد، فرج شوشان، عثمان متولي حسن

(٦٤)
الطعن رقم ١١٢٧ / ٢٠١٧م

– الإخفاء «للأموال والأشياء المتحصلة من الجريمة بين النصين القديم والجديد في قانون الجزاء».

– النصَّ القديم من قانون الجزاء ذكر وصفي الإخفاء والتصريف في حين اقتصر النصُّ الجديد على العبارة العامَّة المرنة التي تتسع لهما معاً (وهي وصف الإخفاء) كما أنه وإن كان ظاهر النص في القانون الجديد قد يُشير إلى أن كلمة الإخفاء تعني تخبئة الشيء بوضعه في مكان خفي عن الأبصار وبعيداً عن نظر السلطات وهذا هو المعنى الضيق إلا أن الحقيقة هي أن الإخفاء له مدلول واسع بحيث يتحقق بمجرَّد حيازة الشيء المتحصَّل من جريمة مع علم المتهم بذلك أي أنه يشمل كل نشاط إيجابي يقوم به الجاني ويؤدي إلى الاتصال الفعلي بالمال المتحصَّل من الجريمة ويُشترط في فعل الإخفاء أن يقوم الجاني بالاحتفاظ بالشيء المتحصَّل من الجريمة طالت المدة أو قصرت، إذاً فالركن الأساسيُّ للجريمة هو الفعل المادي المتعلق بحيازة المتهم للشيء المراد إخفاؤه وإبعاده عن أنظار مالكه فمجرَّد استلام المتهم للمال أو الشيء موضوع الجريمة يحقق العنصر أو الركن المادي لجريمة الإخفاء ولا يهم بعد ذلك إن طالت مدة الإخفاء أو قصرت ولا يهم كذلك أن يكون المتهم أخفاها إخفاءً حقيقياً عن الأنظار أم لا، بل إن تخلي الحائز عن الأشياء المتحصَّلة من الجريمة إلى شخص ثالث لا يُعفيه من أنه كان حائزاً لتلك الأشياء بنية الإخفاء كما لا ينظر المشرِّع إلى الكيفية التي استفاد بها الجاني من تلك المتحصَّلات سواءً أكان ذلك بالشراء أو الهبة أو الوديعة أو غيرها من التصرفات ما دام قد ثبت أنه عالم بأنها متحصَّلة من جريمة وهذا العلم لا يُفترض إذ لا بد من إثباته بما يُقنع وذلك من خلال الظروف والملابسات المحيطة بالدَّعوى

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال الطاعن (المتهم الثالث) وآخرَيْن إلى المحكمة الابتدائية بشناص (الدائرة الجزائية)؛ لأنهم بتاريخ سابق على (١ / ٥ / ٢٠١٦م) بدائرة اختصاص مركز شرطة شناص:

أولاً: بالنسبة للمتهمَينْ الأول والثاني:

سرقا حيوانات مجتمعة في قطيع وذلك بأن سرقا الأغنام المملوكة للمجني عليهم من مراعيها، وفق الثابت باعترافهما.

ثانياً: بالنسبة للمتهم الثالث (الطاعن):

قام بتصريف المسروقات وذلك بأن قام ببيع الأغنام التي استولى عليها المتهمان الأول والثاني، وفق الثابت بالتحقيقات.

وطالب الادعاء العام بمعاقبة المتهمَينْ الأول والثاني بجُنحة السرقة العادية المؤثمة بالمادة (٢٨٠ / ٦) من قانون الجزاء ومعاقبة المتهم الثالث (الطاعن) بجُنحة تصريف المسروقات المؤثمة بالمادة (٩٧) من ذات القانون.

وبجلسة (٢٩ / ٦ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة حضورياً بإدانة المتهمَينْ الأول والثاني بجُنحة السرقة وقضت بمعاقبتهما بالسجن سنة وغرامة قدرها (٣٠٠ ر.ع) ثلاثمائة ريال لكل منهما وإدانة المتهم الثالث (الطاعن) بجُنحة تصريف مسروقات وقضت بمعاقبته بالسجن ثلاثة أشهر ومدنياً بإلزامهم بالتضامن تعويض المجني عليهم كالتالي: (١)…. مبلغاً قدره (١٤٠ ر.ع) مائة وأربعون ريالاً (٢)…. مبلغاً قدره (٢٨٠ ر.ع) مائتان وثمانون ريالاً (٣)…. مبلغاً قدره (٥٠ ر.ع) خمسون نْ ريالاً (٤)…. مبلغاً قدره (٥٠ ر.ع) خمسون ريالاً وإثبات تنازل مطالبة المدَّعيَي ….و…. وحدَّدت المحكمة لاستئناف المحكوم عليه الثالث (الطاعن) كفالة مالية قدرها (١٥٠) ر.ع) مائة وخمسون ريالاً.

لم يحُز هذا الحكم قبولاً لدى المحكوم عليهم فاستأنفوه أمام محكمة الاستئناف بصحار (دائرة الجُنح المستأنفة) التي قضت بجلسة (٢٨ / ٢ / ٢٠١٧م) حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بنفاذ ستة أشهر من العقوبة الحبسية المقضي بها وإيقاف باقيها في مواجهة المتهمَينْ الأول والثاني وألزمت المستأنفين المصاريف.

لم يرتض الطاعن (المحكوم عليه الثالث) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٥ / ٤ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أُودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول أمام المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن وقدَّم سند وكالته عنه التي تتيح له ذلك وأُعلن المطعون ضدهم بصحيفة الطعن فآثروا عدم الرد.

وقدَّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً في مواجهة المطعون ضده الأول (الادعاء العام) وعدم قبوله شكلاً في مواجهة باقي المطعون ضدهم (المجني عليهم) لرفعه على غير ذي صفة وفي الموضوع برفضه.

المحكمة بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع حينما أدانه بالاتهام المسند إليه دون بيان حقيقة الواقعة وأركان الجريمة التي أدانه بها واكتفى بسردها بصورة قاصرة وغير واضحة وأحال في إيرادها إلى الحكم الابتدائي الذي لم يورد مضمون تلك الأدلة التي عوَّل عليها ومؤدَّاها إذ أخذ بها دون تمحيص وأن الحكم لم يلم بكافة ظروف الواقعة واستند في الإدانة إلى ما ورد في اعتراف المتهمَينْ الأول والثاني في الدَّعوى رغم أن هذا الاعتراف لا يمكن الأخذ به كدليل إدانة ضده وأن الأوراق نفسها خلت من أي دليل يُثبت وجود العلم لديه وأن الحكم لم يورد في أسبابه هذا سداد المبالغ بالتضامن الدفع ولم يرد عليه وقضى بإلزامه مع المتهمَينْ الآخرَيْن وهو أمر لا يستقيم على اعتبار أنه مشتر في الأصل وقد دفع قيمة الأغنام في واقعة الشراء وأن المحكمة لم تندب خبيراً لتقدير قيمتها وقضت بالإلزام بناءً على أقوال المدَّعين وهي أقوال مرسلة، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.

وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من مخالفة القانون والقصور المبطل في التسبيب فهو سديد ذلك أن الحكم الابتدائيَّ المؤيَّد لأسبابه بالحكم المطعون فيه  لم يدلل على علم المتهم (الطاعن) بأن الأغنام التي قام بالتصرُّف فيها متحصَّلة من جريمة سرقة إلا بما ذكرته المحكمة من إقدامه على شرائها من المتهمَينْ الآخرَيْن بثمن بخس فلم تبينِّ المحكمة كم هو سعر مثل تلك الأغنام مع مراعاة حجمها ونوعها وفرق الثمن عن مثيلاتها وما هو الفارق بين شراء المتهم (الطاعن) من المتهمَينْ الأول والثاني وشراء الشاهد…. من الطاعن وقد أكد الشاهد على أنه اشتراها بأسعار رخيصة بسبب هزالها وقلة إطعامها كما أن الحكم استند إلى أقوال المتهمَينْ الأول والثاني أمام سلطات التحقيق الابتدائي بأن المتهم الثالث (الطاعن) كان يعلم حين شرائه الأغنام منهما في كل مرة أنها متحصَّلة من نتاج السرقة ولم يبينِّ الحكم من أقوالهما من أين استقيا ذلك العلم فضلاً عن عدولهما عن تلك الأقوال أمام المحكمة ومن ثم يكون ما ذكرته المحكمة على ذلك النحو لا يؤدي إلى ما انتهت إليه من ثبوت علم المتهم (الطاعن) بأن تلك الأغنام مسروقة بما يُعجز المحكمة العليا عن إعمال رقابتها وبيان صحة تطبيق المحكمة لأحكام القانون في هذا الشأن وعليه يكون الحكم المطعون فيه قاصراً قصوراً يُبطله بما يوجب نقضه.

وحيث إنه من المقرَّر أن مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجزائي يحكم ما يقع في ظله من جرائم إلى أن تزول عنه القوة الملزمة بقانون لاحق ينسخ أحكامه وهذا ما قننته المادة (١٢) من قانون الجزاء الجديد رقم (٧ / ٢٠١٨) والتي تنصُّ على أنه: «… يُعاقب على الجريمة طبقاً للقانون النافذ وقت ارتكابها ويُعتدُّ في تحديده بالوقت الذي تمَّ فيه فعل من الأفعال المكوِّنة للجريمة دون النظر إلى وقت تحقق نتائجها…» أما ما أوردته المادة (١٣) من ذات القانون من قولها: «…يُطبَّق القانون الأصلح للمتهم إذا صدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل أن يصبح الحكم الصَّادر فيها باتاً…» فهو استثناء من الأصل العام والمقصود بالقانون الأصلح في هذه المادة هو القانون الذي يُنشئ للمتهم مركزاً أو وضعاً أصلح له من القانون القديم، ولما كان ذلك وكان البينِّ من الأوراق أن الادعاء العام أحال الطاعن بجُنحة تصريف مسروقات وهي التهمة المنصوص عليها في المادة (٩٧) من قانون الجزاء القديم رقم (٧ / ٧٤) والتي تنصُّ على أنه: «… فيما خلا الحالات المنصوص عليها في الفقرتين (٢) و (٣) من المادة (٩٥) لا يعدُّ متدخلاً في الجريمة من أخفى شخصاً أو ساعده على التواري عن الأنظار بعد أن علم بأنه قد ارتكب جريمة أو أخفى أو صرَّف الأشياء المغتصبة بأفعال جُرمية مع علمه بأمرها بل يعدُّ فاعلاً أصلياً لجريمة مستقلة يُعاقب عليها بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين…» وأدانته المحكمة بهذا الوصف وكان قانون الجزاء الجديد رقم (٧ / ٢٠١٨) قد صدر بعد صدور الحكم المطعون فيه   وقبل الفصل في الدَّعوى بحكم بات، ولما كان ذلك وكان القانون الجديد يتحقق به معنى القانون الأصلح إذ أنشأ للطاعن مركزاً قانونياً أصلح حين نزل بالعقوبة بأن جعلها من شهر إلى سنة بعد أن كانت من ثلاثة أشهر إلى سنتين وذلك وفق المادة (٣٦٤) من قانون الجزاء الجديد التي تنصُّ على أنه: «… يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال ولا تزيد على (٥٠٠) خمسمائة ريال كل من أخفى أموالاً أو أشياء متحصَّلة من جريمة مع علمه بذلك…» ومما يجب التنبيه إليه هو أن النصَّ القديم ذكر وصفي الإخفاء والتصريف في حين اقتصر النصُّ الجديد على العبارة العامَّة المرنة التي تتسع لهما معاً (وهي وصف الإخفاء) كما أنه وإن كان ظاهر النص في القانون الجديد قد يُشير إلى أن كلمة الإخفاء تعني تخبئة الشيء بوضعه في مكان خفي عن الأبصار وبعيداً عن نظر السلطات وهذا هو المعنى الضيق إلا أن الحقيقة هي أن الإخفاء له مدلول واسع بحيث يتحقق بمجرَّد حيازة الشيء المتحصَّل من جريمة مع علم المتهم بذلك أي أنه يشمل كل نشاط إيجابي يقوم به الجاني ويؤدي إلى الاتصال الفعلي بالمال المتحصَّل من الجريمة ويُشترط في فعل الإخفاء أن يقوم الجاني بالاحتفاظ بالشيء المتحصَّل من الجريمة طالت المدة أو قصرت، إذاً فالركن الأساسيُّ للجريمة هو الفعل المادي المتعلق بحيازة المتهم للشيء المراد إخفاؤه وإبعاده عن أنظار مالكه فمجرَّد استلام المتهم للمال أو الشيء موضوع الجريمة يحقق العنصر أو الركن المادي لجريمة الإخفاء ولا يهم بعد ذلك إن طالت مدة الإخفاء أو قصرت ولا يهم كذلك أن يكون المتهم أخفاها إخفاءً حقيقياً عن الأنظار أم ال، بل إن تخلي الحائز عن الأشياء المتحصَّلة من الجريمة إلى شخص ثالث لا يُعفيه من أنه كان حائزاً لتلك الأشياء بنية الإخفاء كما لا ينظر المشرِّع إلى الكيفية التي استفاد بها الجاني من تلك المتحصَّلات سواءً أكان ذلك بالشراء أو الهبة أو الوديعة أو غيرها من التصرفات ما دام قد ثبت أنه عالم بأنها متحصَّلة من جريمة وهذا العلم لا يُفترض إذ لا بد من إثباته بما يُقنع وذلك من خلال الظروف والملابسات المحيطة بالدَّعوى، وحيث إن المشرِّع يهدف بهذا النص الجديد إلى معاقبة الأشخاص الذين يتعاملون في متحصَّلات الجرائم مع علمهم بذلك لأن نصوص جريمة السرقة لا تطالهم باعتبار أن نشاطهم يأتي لاحقاً على وقوع الجريمة ولو قيل بغير هذا لأفلت هؤلاء من العقاب، ولما كان ذلك وكان ما تقدَّم فإن المحكمة العليا تقضي بنقض الحكم المطعون فيه مع الإعادة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدَّعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.