التصنيفات
فتاوى قانونية

وزارة العدل والشؤون القانونية: فتوى رقم ٢٠٢٧٣٣٣٧٣

202733373

تحميل

(٢٥)
٢٩ / ٩ / ٢٠٢٠م

العلاقة بين قواعد القانون العام والخاص – مدى انطباق قواعد القانون المدني على روابط القانون العام.

إن المستقر عليه قضاء، وإفتاء أنه، وإن كانت قواعد القانون المدني قد وضعت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، ولا تسري وجوبا على روابط القانون العام، إلا أنه قد استقر الأمر على الأخذ بها، باعتبارها من الأصول العامة التي يجب النزول عليها في تحديد الروابط الإدارية في مجال القانون العام، ما دامت تساعد في تسيير المرافق العامة، وتكفل التوفيق بين ذلك، وبين المصالح الفردية الخاصة – مؤدى ذلك – اتخاذ اللجنة العليا في سلطنة عمان، والمكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد عدة إجراءات احترازية لمنع تفشي هذا المرض، من بينها إغلاق الحدود الدولية الجوية، والبرية أمام جميع المسافرين، وإيقاف جميع رحلات الطيران تمثل سبب أجنبي، واستحالة راجعة إلى قوة قاهرة، خارجة عن إرادة الموظف – أثره – يعتبر الموظفون كأنهم في إجازة براتب كامل فرضتها القوة القاهرة أسوة ببقية الموظفين الذين تم إعفاؤهم – انقضاء التزامهم القانوني بالانتظام في العمل، سواء من حيث التنفيذ العيني، أو التنفيذ بالتعويض، باعتبار أنه لا يمكن تكليفهم بمستحيل – تطبيق.


فبالإشارة إلى كتاب معاليكم رقم:………. بتاريخ………. هـ، الموافق…………. م بشأن طلب الإفادة بالرأي القانوني حول آلية معالجة الفترة الواقعة بين تاريخ انتهاء الإجازات الاعتيادية للموظفين غير العمانيين العاملين في وزارة………….. وهم خارج السلطنة، نظرا لعدم تمكنهم من العودة إلى السلطنة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID 19)، وإغلاق الحدود البرية والجوية، وإيقاف رحلات الطيران، والتاريخ المحدد لمباشرة العمل، ومدى جواز إعادة صرف الرواتب الموقوفة خلال الفترة المشار إليها.

وتتلخص وقائع الموضوع – حسبما يبين من كتابكم – في أنه في ظل تعرض الدول التي ينتمي إليها الموظفون غير العمانيين العاملين في وزارة…………… لجائحة كورونا، فقد قامت اللجنة المشكلة لمواجهتها في السلطنة باتخاذ عدة إجراءات، من بينها إغلاق الحدود الدولية الجوية، والبرية أمام جميع المسافرين، وإيقاف جميع رحلات الطيران، مما حال دون عودة هؤلاء الموظفين إلى مقار عملهم بعد انقضاء مدة الإجازات الاعتيادية الممنوحة لهم.

وتذكرون أنه في ضوء المساعي التي بذلتها وزارة………….، والجهات المختصة عند فتح الحدود بشكل مقنن محدود، وتحريك رحلات طيران غير مجدولة، فقد عاد إلى السلطنة بعض هؤلاء الموظفين، وباشروا عملهم تبعا لذلك، إلا أن معالجة الفترة الواقعة بين تاريخ انتهاء الإجازة الاعتيادية، وتاريخ مباشرة العمل تحتاج إلى تكييف قانوني، يراعي التشريعات القانونية، والحالة الاستثنائية الطارئة التي منعت الموظفين من مباشرة عملهم.

وتبدون أن المختصين في وزارة………… قد عقدوا اجتماعا، لتدارس هذا الموضوع، حيث ثار لديهم التساؤل حول آلية معالجة هذه الفترة في شقها القانوني في ضوء أحكام اللائحة التنظيمية للشؤون الوظيفية لشاغلي الوظائف الطبية والوظائف الطبية المساعدة بالمؤسسات الطبية الحكومية (المدنية والعسكرية)، وشقها الإداري باعتبار أنه قد تم إيقاف صرف رواتب هؤلاء الموظفين آليا وفقا لنظام الموارد البشرية (مورد)، والنظام المالي (ريو).

وإزاء ما تقدم، فإنكم تطلبون الإفادة بالرأي القانوني حول الآتي:

أولا: الآلية القانونية لمعالجة الفترة الواقعة بين تاريخ انتهاء الإجازات الاعتيادية للموظفين غير العمانيين العاملين في وزارة…………، وهم خارج السلطنة، نظرا لعدم تمكنهم من العودة إلى السلطنة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID19)، وإغلاق الحدود البرية والجوية، وإيقاف رحلات الطيران، والتاريخ المحدد لمباشرة العمل.

ثانيا: مدى جواز إعادة صرف الرواتب الموقوفة خلال تلك الفترة.

وردا على ذلك، يسرني أن أفيد معاليكم بأن المادة (١٢) – المبادئ الاجتماعية – من النظام الأساسي للدولة تنص على أنه: “…

– تكفل الدولة للمواطن وأسرته المعونة في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وفقا لنظام الضمان الاجتماعي، وتعمل على تضامن المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة.

– تعنى الدولة بالصحة العامة، وبوسائل الوقاية والعلاج من الأمراض، والأوبئة،…”.

كما تنص المادة (٣٣٩) من قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٢٩ / ٢٠١٣ على أنه: “ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلا عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه”.

ومن حيث إن المستقر عليه قضاء، وإفتاء أنه، وإن كانت قواعد القانون المدني قد وضعت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، ولا تسري وجوبا على روابط القانون العام، إلا أنه قد استقر الأمر على تطبيق تلك القواعد بما يتلاءم مع هذه الروابط، ويتفق مع طبيعتها.

وأن السبب الأجنبي يتمثل في حادث مفاجئ، أو قوة قاهرة، على أن يكون أمرا غير ممكن توقعه من جانب أشد الناس تحوطا، وتبصرا بالأمور (لا المدين فقط)، ومستحيل الدفع، فإن توافر هذان الشرطان كان السبب أجنبيا عن الشخص، لا يد له فيه، ويترتب على وجود هذا السبب انقضاء الالتزام، سواء من حيث التنفيذ العيني، أو التنفيذ بطريق التعويض، وأنه إذا استحال على المدين تنفيذ التزامه عينا كان مسؤولا عن التعويض لعدم الوفاء، ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي، لا يد له فيه، واستحالة التنفيذ، إما أن تكون استحالة فعلية، وإما استحالة قانونية، وذلك في الوقت الذي يجب فيه التنفيذ.

والاستحالة الفعلية إذا كانت راجعة إلى خطأ المدين لا ينقضي الالتزام، وإن كان تنفيذه العيني قد أصبح مستحيلا وجب التنفيذ عن طريق التعويض، أما إذا كانت الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي، فإن الالتزام ينقضي أصلا سواء من حيث التنفيذ العيني، أو التنفيذ بالتعويض.

وهذه القواعد التي قننها المشرع في قانون المعاملات المدنية، ولئن كان مجالها روابط القانون الخاص، إلا أنه قد استقر الأمر على الأخذ بها، باعتبارها من الأصول العامة التي يجب النزول عليها في تحديد الروابط الإدارية في مجال القانون العام، ما دامت تساعد في تسيير المرافق العامة، وتكفل التوفيق بين ذلك، وبين المصالح الفردية الخاصة.

وأنه، على هدي ما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أنه في ضوء إعلان منظمة الصحة العالمية بأن تفشي فيروس كورونا المستجد (COVID19) وصل إلى مستويات الجائحة العالمية (PANDEMIC) في ١١ من مارس ٢٠٢٠م، وأمام هذا الواقع فقد اتخذت كافة الدول بعض الإجراءات الاحترازية لمواجهة تلك الجائحة، وحفاظا على صحة كافة المقيمين على أراضيها.

وبناء عليه، فقد اتخذت اللجنة العليا في السلطنة، والمكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد عدة إجراءات احترازية لمنع تفشي هذا المرض، من بينها إغلاق الحدود الدولية الجوية والبرية أمام جميع المسافرين، وإيقاف جميع رحلات الطيران، مما حال دون عودة الموظفين المعروضة حالتهم إلى مقار عملهم بعد انتهاء مدة الإجازات الاعتيادية الممنوحة لهم، وهو مما لا شك فيه سبب أجنبي، يمثل استحالة راجعة إلى قوة قاهرة، خارجة عن إرادتهم، ولا يملكون لها دفعا، ومن ثم فإن التزامهم القانوني بالانتظام في العمل ينقضي أصلا، سواء من حيث التنفيذ العيني، أو التنفيذ بالتعويض، باعتبار أنه لا يمكن تكليفهم بمستحيل، والقول بغير ذلك ينافي أبسط قواعد العدالة، والإنصاف.

كما تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن في هذا الموضوع الاستناد إلى أحكام اللائحة التنظيمية للشؤون الوظيفية لشاغلي الوظائف الطبية والوظائف الطبية المساعدة بالمؤسسات الطبية الحكومية (المدنية والعسكرية)، باعتبار أن النصوص القانونية الواردة فيها بعضها يقتصر مجال إعماله وتطبيقه في الظروف العادية، أو في حالة توافر الأعذار المقبولة التي لا تصل إلى حد كونها تشكل قوة قاهرة ينتفي معها التكليف أصلا، والنصوص الأخرى منها تتعلق بنفي قرينة العزوف عن الوظيفة، لعدم اتخاذ إجراءات إنهاء خدمة تجاه المعروضة حالاتهم، وهو أمر مسلم، لا شية فيه باعتبار أن انقطاعهم كان لأمر خارج عن إرادتهم، وأن تحمل الدولة تبعات هذه الجائحة بمفردها هو انعكاس إيجابي منها لإيمانها بدورها الاجتماعي الذي قررته المبادئ الاجتماعية في

النظام الأساسي للدولة، تلك الحماية الاجتماعية التي تمتد مظلتها لتشمل كافة الموظفين (عمانيين، وغير عمانيين) الذين يعملون في خدمة السلطنة، ولذا آثرت الدولة أن تتحمل بمفردها الأعباء الناجمة عن الكوارث، والمحن العامة، وإعفاء الموظفين العموميين في وحدات الجهاز الإداري للدولة من تحمل آثارها، فلم تصدر قرارا بتخفيض راتب لموظف عام، أو تجبر آخر على استنفاد رصيد إجازاته الاعتيادية (السنوية) خلالها، أو تصدر تعميما بخصم مزايا مالية مستحقة لثالث، وهو بخلاف النهج الذي تبنته الدولة لمواجهة جائحة كورونا بشأن مؤسسات وشركات القطاع الخاص، إيمانا منها بعدم قدرة المستثمرين، وأصحاب الأعمال على تحمل تبعات هذه الجائحة بمفردهم، فأقرت آليات يتم من خلالها نوع من التضامن بين صاحب العمل، والعامل، لتحمل آثار هذه القوة القاهرة، وأن أساس تحمل الدولة لآثار تلك الجائحة قائم على قاعدة: “الغرم بالغنم”، فكما تغنم الدولة من الموظفين العموميين الذين يعملون في المرافق العامة لديها، فجدير بها أن تتحمل مغارمهم، عملا بنظرية فكرة المخاطر، أو تحمل التبعة، وعملا بقواعد العدالة التي تتأبى على تحميل شخص تكليفا، أو التزاما يستحيل عليه أصلا تنفيذه، وفقا لقاعدة: “لا تكليف بمستحيل”، وباعتبار أن الحياة الإنسانية هي أغلى ما يمكن للحكومات، والدول، والمجتمعات، والمؤسسات المحافظة عليها، فحفظ النفس يعد من أوليات مقاصد الشريعة الإسلامية، ويأتي لاحقا على حفظ الدين، واتخاذ إجراءات احترازية لحفظ النفس لمواجهة جائحة كورونا، لا يتصور معها التمييز بين الموظفين العموميين وفقا لأحكام النظام الأساسي للدولة.

ودون أن ينال من ذلك الادعاء بأن هذا يتنافى مع قاعدة: “الأجر مقابل العمل”، إذ إن ذلك مردود عليه بأن المعروضة حالاتهم يعتبرون كأنهم في إجازة براتب كامل فرضتها القوة القاهرة، أسوة ببقية الموظفين الذين تم إعفاؤهم من قبل الدولة، فضلا عن أن ما حال بينهم، وبين الانتظام في العمل قوة قاهرة لا يستطيعون – هم أو غيرهم – دفعا لها، فهم كانوا في حالة عزل في ظل إغلاق جميع الحدود، والمنافذ البرية، والجوية، وإيقاف حركة الطيران في كل البلدان، كما هو الحال عند عزل سكان بعض المحافظات والولايات داخل السلطنة.

لذلك، انتهى الرأي إلى الآتي:

أولا: وجوب احتساب الفترة الواقعة بين تاريخ انتهاء الإجازات الاعتيادية للموظفين غير العمانيين العاملين في……………..، وهم خارج السلطنة، وتعذر العودة إليها بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID19)، وإغلاق الحدود البرية والجوية، وإيقاف رحلات الطيران، والتاريخ المحدد لمباشرة العمل، إجازة براتب كامل.

ثانيا: وجوب صرف الرواتب الموقوفة للمعروضة حالاتهم خلال الفترة المشار إليها، وذلك على النحو المبين في الأسباب.