(١٨)
بتاريخ ٧ يونيو ٢٠٢٣م
١ – قانون – سريان أحكام القانون الخاص على روابط القانون العام – حدود ذلك.
إن الأصل المقرر قانونا أنه، ولئن كانت قواعد قانون المعاملات المدنية قد سنت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، ولا تسري وجوبا على روابط القانون العام؛ نظرا للطبيعة الخاصة التي تتميز بها هذه الروابط وتباينها في كثير من الأمر عن الروابط التي يحكمها القانون الخاص، إلا أن الرأي قد بات مستقرا في الفقه والقضاء على جواز تطبيق تلك القواعد بالقدر الذي يتلاءم مع روابط القانون العام، ويتفق مع طبيعتها، إلا إذا وجد نص تشريعي ينظم مسألة معينة، فعندئذ يجب الالتزام بهذا النص – تطبيق.
٢ – موظف – ترقية – سقوط حق الموظف في المطالبة بإنفاذ ترقيته بناء على توصية لجنة شؤون الموظفين بالتقادم الطويل.
عمد المشرع بموجب قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية (الملغيين) باعتباره القانون الواجب التطبيق إلى إنشاء لجنة لشؤون الموظفين في كل وحدة، واختصها بالنظر فيمن يستحق الترقية، على أن تصدر توصياتها في ضوء أحكام هذا القانون ولائحته – اعتماد رئيس الوحدة للتوصية بالترقية – وهو السلطة المختصة بالتعيين – يمثل إفصاحا من جانب الإدارة عن إرادتها في ترقية الموظف، ويتحقق له بذلك مركزه القانوني الجديد في الترقية من وقت اعتماد رئيس الوحدة للتوصية و لا يعدو القرار الصادر بها بعد ذلك أن يكون قرارا تنفيذا للقرار المنشئ بالترقية، دون أن يكون له أدنى أثر بالنسبة للمركز القانوني الذي تحقق بموجب الموافقة السابقة من السلطة المختصة على الترقية – مقتضى ذلك – أن عدم قيام جهة الإدارة بتنفيذ قرار الترقية، وعدم مطالبة الموظف بإنفاذ هذه الترقية منذ اعتمادها من رئيس الوحدة أو بتسوية وضعه الوظيفي إلا بعد انقضاء (١٥) خمسة عشر عاما مدة التقادم المسقطة للحقوق والتي صدر خلالها العديد من القرارات ذات الصلة بشؤونه الوظيفية تتعلق بتسكينه، وترقيته، وتعيينه على بعض الوظائف والتي تشكل فيما بينها حلقات متصلة، أدت كل حلقة منها إلى إنشاء مركز قانوني جديد للموظف – أثره – سقوط حقه في المطالبة بتسوية وضعه الوظيفي تنفيذا لموافقة لجنة شؤون الموظفين بالتقادم الطويل وعدم وجود أي موانع حالت بينه، وبين المطالبة بحقه في تسوية وضعه الوظيفي قبل مضي مدة التقادم، أو أن هذه المدة قد انقطعت بالمطالبة المعتبرة قانونا.
٣ – تقادم – التقادم الطويل المسقط للحقوق.
ألبس المشرع التقادم الطويل المسقط للحقوق ثوب عدم سماع الدعوى، والذي يترتب عليه انقضاء الحقوق – التي لم تنقض بأي طريق آخر – بمضي (١٥) خمسة عشر عاما دون المطالبة بها، لا يتعارض في طبيعته، ومفهومه مع روابط القانون العام؛ باعتبار أن الحكمة التشريعية التي أملتها فكرة التقادم تتجلى في ضمان استقرار الحقوق والمراكز القانونية، وهذه الحكمة تجد تبريرها في مجال روابط القانون العام على نحو ألزم وأوجب لاستقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية للموظفين، وتتناغم في الوقت ذاته مع الحكمة من فكرة تحصن القرارات الإدارية بمضي المدة المقررة قانونا للطعن بعدم الصحة في هذه القرارات، والتي تمليها اعتبارات استقرار المراكز القانونية، وعدم المساس بالحقوق المكتسبة للأفراد.
فبالإشارة إلى الكتب المتبادلة، والمنتهية بالكتاب رقم ……………….: المؤرخ في …………….ه، الموافق…………………م، بشأن طلب الإفادة بالرأي القانوني حول تعديل الوضع الوظيفي للموظف / …………..، الشاغل لوظيفة مدير دائرة ……………….. في وزارة ……………… على الدرجة المالية الثامنة. وحاصل وقائع الموضوع – حسبما يبين من الأوراق – أنه بتاريخ …………م تم تعيين المعروضة حالته في وزارة ……. – آنذاك – على وظيفة “………….” بالدرجة المالية الثالثة من الحلقة الثانية من الجدول العام للدرجات والرواتب الملحق بقانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٨ / ٨٠ (الملغى)، وبتاريخ ………م صدر القرار رقم (………..) بإعادة تعيينه على وظيفة رئيس قسم ………….. بالدرجة المالية الثانية من الحلقة الثانية اعتبارا من ………..م، وذلك لحصوله على مؤهل أعلى، وأعقب ذلك صدور عدة قرارات في حق المعروضة حالته سواء بتسكينه أو بترقيته إلى درجات مالية أعلى، حيث تم تسكينه على الدرجة المالية السادسة بتاريخ ………م، ثم ترقيته إلى الدرجة المالية الرابعة بعد إلغاء الدرجة المالية الخامسة بتاريخ ………م، ثم تسكينه على الدرجة المالية التاسعة بتاريخ …………م، ثم ترقيته إلى الدرجة المالية الثامنة اعتبارا من هذا التاريخ.
وتذكرون أن المعروضة حالته يشغل حاليا وظيفة مدير دائرة ………….. بذات درجته المالية (الثامنة)، وقد تبين أن لجنة شؤون الموظفين في وزارة ………. – آنذاك – قد سبق أن أوصت في جلستها رقم (…) المنعقدة بتاريخ ……………….م بترقية المعروضة حالته إلى الدرجة المالية الثانية من الحلقة الثانية ابتداء من …………م، إلا أنه لم يتم تنفيذ هذا القرار بسبب إعادة تعيينه على وظيفة رئيس قسم…………على النحو سالف البيان، وتشيرون بأن المعروضة حالته يطالب بإنفاذ ترقيته إلى الدرجة المالية الثانية من الحلقة الثانية الحاصلة في ………م بناء على توصية لجنة شؤون الموظفين المشار إليها، وما يترتب على ذلك من فروقات مالية، بالإضافة إلى تعديل درجته المالية اللاحقة التي تحصل عليها حتى تاريخه. وتبدون بأنه استنادا إلى النصوص القانونية المطبقة – آنذاك – بموجب قانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٨ / ٨٠ (الملغى) يتبين أن المعروضة حالته قد نشأ له حق ومركز قانوني في الترقية إلى الدرجة المالية الثانية من الحلقة الثانية بتاريخ …………م بناء على توصية لجنة شؤون الموظفين المشار إليها، بعد أن اتخذت كافة إجراءات الترقية المنصوص عليها والمطبقة آنذاك، إلا أن الوزارة لم تستكمل إجراءات الترقية لأسباب غير واضحة، مع أن الحق في الترقية ينشأ للموظف بمجرد توصية لجنة شؤون الموظفين بالموافقة على الترقية، واعتماد هذه التوصية من قبل رئيس الوحدة.
وإزاء ما تقدم، فإنكم تستطلعون الرأي القانوني في شأن الموضوع المشار إليه.
وردا على ذلك، يسرني أن أفيدكم أنه لما كانت المادة (٩٢) من النظام الأساسي للدولة تنص على أنه: ” لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبل هذا التاريخ، إلا إذا نص فيها على خلاف ذلك …”.
ولما كانت الوقائع محل طلب الرأي قد تمت في ظل العمل بقانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٨ / ٨٠ (الملغى)، فإن هذا القانون يكون واجب التطبيق على هذه الوقائع.
وحيث تنص المادة (٤٦) من قانون الخدمة المدنية المشار إليه على أنه: “تنشأ في كل وحدة لجنة لشؤون الموظفين من ثلاثة أعضاء على الأقل، وتشكل بقرار من رئيس الوحدة، وتجتمع بناء على دعوة منه أو من رئيس اللجنة وتكون توصياتها بأغلبية الآراء، فإذا تساوت يرجح الجانب الذي منه الرئيس، ويشترط ألا تقل وظيفة رئيس اللجنة عن (مدير عام).
وتنظم اللائحة إجراءات وأوضاع مباشرة اللجنة لأعمالها”. وتنص المادة (٤٥) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادرة بالمرسوم السلطاني رقم ٥٢ / ٨٤ على أنه: “يتم عرض البيانات المشار إليها في المادة السابقة على لجنة شؤون الموظفين للنظر فيمن يستحق الترقية، وتصدر توصياتها بالترقية في ضوء أحكام القانون واللائحة.
وترسل وحدة شئون الموظفين استمارات اقتراح الترقيات إلى ديوان شئون الموظفين من ثلاث نسخ لمراجعتها وإبداء الرأي القانوني في الترقيات ويحتفظ الديوان بإحدى النسخ ويعيد النسختين الأخريين للجهة.
وتقوم بعد ذلك وحدة شئون الموظفين بعرض الأمر على السلطة المختصة بالتعيين لاعتماد الترقيات، وبعدها تعد القرار التنفيذي لها، وتودع صورة منه بملف خدمة الموظف وترسل أخرى إلى كل من ديوان شئون الموظفين والمديرية العامة للمالية خلال أسبوع من تاريخ صدوره.
أما في حالة اعتراض الديوان على الترقيات المقترحة، فيجب إبلاغ اعتراضه للوحدة خلال ثلاثين يوما من وصول الاستمارات إليه، كما يقوم بإبلاغ المديرية العامة للمالية بصورة من اعتراضه.
وتعتبر الترقية نافذة من تاريخ اعتمادها من السلطة المختصة بالتعيين ما لم ينص في قرار الترقية على غير ذلك”.
وتنص المادة (٣٤٠) من قانون المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٢٩ / ٢٠١٣ على أنه: “لا تسمع الدعوى بالتزام على المنكر بانقضاء خمس عشرة سنة بغير عذر شرعي مع مراعاة ما وردت فيه أحكام خاصة”. وحيث إن مفاد ما تقدم – وعلى ما جرى عليه إفتاء وزارة العدل والشؤون القانونية في ظل العمل بقانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية (الملغيين) – أن المشرع قد عمد إلى إنشاء لجنة لشؤون الموظفين في كل وحدة، واختصها بالنظر فيمن يستحق الترقية، على أن تصدر توصياتها في هذا الشأن في ضوء أحكام هذا القانون ولائحته، ويمثل اعتماد رئيس الوحدة للتوصية بالترقية – وهو السلطة المختصة بالتعيين – إفصاحا من جانب الإدارة عن إرادتها في ترقية الموظف، ويتحقق له بذلك مركزه القانوني الجديد في الترقية من وقت اعتماد رئيس الوحدة للتوصية، بحيث لا يعدو القرار الصادر بها بعد ذلك أن يكون قرارا تنفيذا للقرار المنشئ بالترقية، دون أن يكون له أدنى أثر بالنسبة للمركز القانوني الذي تحقق بموجب الموافقة السابقة من السلطة المختصة على الترقية (فتوى رقم و ش ق / م و / ٢١ / ١ / ٤٢٨ / ٢٠٠٤م بتاريخ ٢٩ / ٣ / ٢٠٠٤م).
كما أن المشرع قد حرص – انطلاقا من الحفاظ على استقرار التعاملات، والمراكز القانونية وعدم تهديدها، والإسراع في المطالبة بالحقوق – على وضع أصل عام قوامه أن الالتزامات تتقادم بانقضاء (١٥) خمس عشرة سنة على الواقعة المنشئة لها عدا الحالات التي يرد بها نص خاص، بحيث يترتب على عدم مطالبة الشخص بحقه خلال هذه المدة بغير عذر شرعي، سقوط هذا الحق، وعدم جواز سماع دعوى المطالبة به.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، ولما كان الأصل المقرر قانونا أنه، ولئن كانت قواعد قانون المعاملات المدنية قد سنت أصلا لتحكم روابط القانون الخاص، ولا تسري وجوبا على روابط القانون العام؛ نظرا للطبيعة الخاصة التي تتميز بها هذه الروابط وتباينها في كثير من الأمر عن الروابط التي يحكمها القانون الخاص، إلا أن الرأي قد بات مستقرا في الفقه والقضاء على جواز تطبيق تلك القواعد بالقدر الذي يتلاءم مع روابط القانون العام، ويتفق مع طبيعتها، إلا إذا وجد نص تشريعي ينظم مسألة معينة، فعندئذ يجب الالتزام بهذا النص.
ولما كان من المستقر عليه أن التقادم الطويل المسقط للحقوق المنصوص عليه في المادة (٣٤٠) من قانون المعاملات المدنية المشار إليه، والذي ألبسه المشرع ثوب عدم سماع الدعوى، والذي يترتب عليه انقضاء الحقوق – التي لم تنقض بأي طريق آخر – بمضي (١٥) خمس عشرة سنة دون المطالبة بها، لا يتعارض في طبيعته، ومفهومه مع روابط القانون العام؛ باعتبار أن الحكمة التشريعية التي أملتها فكرة التقادم تتجلى في ضمان استقرار الحقوق والمراكز القانونية، وهذه الحكمة تجد تبريرها في مجال روابط القانون العام على نحو ألزم وأوجب لاستقرار الأوضاع الإدارية والمراكز القانونية للموظفين، وتتناغم في الوقت ذاته مع الحكمة من فكرة تحصن القرارات الإدارية بمضي المدة المقررة قانونا للطعن بعدم الصحة في هذه القرارات، والتي تمليها اعتبارات استقرار المراكز القانونية، وعدم المساس بالحقوق المكتسبة للأفراد.
وحيث إنه ترتيبا على ما تقدم، ولما كان البين في الأوراق أن لجنة شؤون الموظفين في ……… – آنذاك – قد وافقت في جلستها رقم (…………) المنعقدة بتاريخ ………م على ترقية المعروضة حالته إلى الدرجة الثانية من الحلقة الثانية ابتداء من تاريخ…………م، وتم اعتماد هذا المحضر من قبل رئيس الوحدة، إلا أنه لم يتم تنفيذ قرار الترقية، وظل المعروضة حالته شاغلا الدرجة المالية الثالثة من الحلقة الثانية، إلى أن تمت إعادة تعيينه بتاريخ …………م في وظيفة رئيس قسم ………….بالدرجة المالية الثانية من الحلقة الثانية، وهي ذات الدرجة التي كان يفترض ترقية المعروضة حالته بناء على موافقة لجنة شؤون الموظفين المشار إليها، ولم ينهض المعروضة حالته مطالبا بإنفاذ هذه الترقية منذ اعتمادها من رئيس الوحدة بتاريخ …………….م، أو بتسوية وضعه الوظيفي وفقا لذلك إلا بعد فوات ما يزيد على (١٨) ثمانية عشر عاما من تاريخ نشوء حقه في ذلك، وهي المدة التي صدر خلالها العديد من القرارات ذات الصلة بشؤونه الوظيفية تتعلق بتسكينه، وترقيته، وتعيينه على بعض الوظائف، وهي القرارات التي تشكل فيما بينها حلقات متصلة، أدت كل حلقة منها إلى إنشاء مركز قانوني جديد للمعروضة حالته، وبالتالي يكون حقه في المطالبة بتسوية وضعه الوظيفي تنفيذا لموافقة لجنة شؤون الموظفين المشار إليها قد سقط بالتقادم الطويل، ولا يجوز له – تبعا لذلك – المطالبة بتسوية وضعه الوظيفي، لاسيما أن الأوراق قد خلت مما يفيد وجود أي موانع حالت بينه، وبين المطالبة بحقه في تسوية وضعه الوظيفي قبل مضي مدة التقادم المشار إليها، أو أن هذه المدة قد انقطعت بالمطالبة المعتبرة قانونا.
لذلك؛ انتهى الرأي إلى عدم أحقية الموظف / …………….. في تعديل وضعه الوظيفي بتقرير أحقيته في الترقية إلى الدرجة المالية الثانية من الحلقة الثانية اعتبارا من ١٥ / ١١ / ٢٠٠٤م، وما يترتب على ذلك من آثار، وذلك على النحو المبين بالأسباب.