جلسة يوم الأحد الموافق ٢٤ / ١٢ / ٢٠١٧م
برئاسة فضيلة القاضي / زهران بن ناصر البراشدي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: محمد بن حمد النبهاني، ويحيى محمد عبد القادر، والشيخ ولين الشيخ ماء العينين، وصلاح الدين غندور.
(١٠٣)
الطعن رقم ٨٧٧ / ٢٠١٧م
تعويض (حكومة عدل – تناسب – ضرر)
– تقدير حكومة العدل من إطلاقات محكمة الموضوع بشرط مناسبة مقدار التعويض لعناصر الضرر.
الوقائع
تتحصل الوقائع وكما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق في أن المدعي /… الطاعن حاليا كان قد أقام الدعوى الابتدائية بالرقم (٥٥ / ٢٠١٧م) مسقط، طالب بالحكم له بإلزام الشركة (المدعى عليها) المطعون ضدها حاليا بأن تؤدي له مبلغا وقدره مائة وتسعة آلاف ريال عماني (١٠٩,٠٠٠ ر.ع) تعويضا عن الضرر المادي والمعنوي، ومع المصاريف وخمسمائة ريال أتعاب المحاماة.
وذلك على سند من القول بأن المدعي وفي ٢٠ / ١ / ٢٠١٥م تعرض لحادث مروري تسببت فيه المركبة ذات اللوحة (… /…) بقيادة المدعو /… والمؤمنة لدى الشركة المدعى عليها وقد نتج عن الحادث إصابة المدعي بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية المرفقة بالأوراق مما حدا بالمدعي بإقامة الدعوى الماثلة بغية الحكم له بطلباته سالفة البيان. أرفق المدعي سندا لدعواه صورا للمستندات التالية: سجل المدعى عليها التجاري، تقرير أولي عن الحادث ألقيى المسؤولية على قائد المركبة المذكورة، خطاب تعهد من المدعى عليها بالوفاء بالتزامها في أداء التعويض، ترجمة التقارير الطبية وتقرير لجنة العجز، سند الوكالة.
تداولت محكمة أول درجة الدعوى كما هو مبين بمحاضر جلساتها والتي حضرها أطراف الدعوى كل بوكيله القانوني، وقدم الحاضر عن المدعى عليها مذكرة الرد طالب فيها برفض الدعوى فيما زاد عن (٤٥٠٠ ر.ع) كتعويض شامل للأضرار، ولكن الحاضر عن المدعي رفض ذلك العرض وصمم على طلباتهم، وبجلسة ٨ / ٢ / ٢٠١٧م أصدرت محكمة أول درجة حكمها والذي قضى: (بإلزام المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي مبلغا وقدره (٤٢,٠٠٠ ر.ع) اثنان وأربعون ألف ريال عماني وألزمتها المصاريف ومبلغ مائة ريال أتعاب المحاماة).
ولم ينل الحكم المذكور قبولا لدى الطرفين فاستأنفاه كالآتي:
أولا: الاستئناف رقم (١٩١ / ٢٠١٧م) والذي قدم المدعي صحيفته لدى أمانة سر المحكمة الاستئنافية مسقط بتاريخ ٢٠ / ٢ / ٢٠١٧م وقد طالب بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وبرفع مبلغ التعويض إلى المبلغ محل المطالبة لدى محكمة أول درجة والمصاريف لأن مبلغ التعويض لم يتماش ويتلاءم مع خطورة إصابات المدعي.
ثانيا: الاستئناف رقم (٢٧٦ / ٢٠١٧م) والمقدم من الشركة المستأنفة والذي أودعت صحيفته لدى أمانة سر محكمة الاستئناف بتاريخ: ٧ / ٣ / ٢٠١٧م وقد طالبت بقبوله شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا برفض الدعوى فيما زاد عن (٥٠٠٠ر.ع) ومع المصاريف والأتعاب متمسكة في استئنافها بدفوعها الواردة بمذكرتها لدى محكمة أول درجة.
ولدى تداول محكمة الاستئناف الدعوى بعد ضمها الاستئنافين المذكورين مع بعضهما البعض للارتباط وليصدر بحقهما حكم واحد، وبعد أن صمم كل طرف على طلباته، أصدرت المحكمة بجلسة ١٦ / ٤ / ٢٠١٧م حكمها والذي قضى «بقبول الاستئنافين شكلا وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وإلزام كل مستأنف بمصاريف استئنافه».
ولم ينل الحكم المذكور قبولا لدى المدعي فطعن عليه بالطعن الماثل والذي أودع صحيفته لدى أمانة سر المحكمة العليا عنه بتاريخ: ١٦ / ٥ / ٢٠١٧م وكيله القانوني / ….، المحامي المقبول للترافع أمام المحكمة العليا، والذي يعمل بمكتب / …… للمحاماة، وقدم سند الوكالة وسدد الرسم المقرر وأودع الكفالة. هذا وقد طالب بالحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم الطعين مع الإحالة للهيئة الاستئنافية المغايرة لتفصل في الدعوى مع رد الكفالة للطاعن. احتياطيا: النقض والتصدي والقضاء للطاعن بطلباته أمام محكمة أول درجة.
وقد نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بمخالفته القانون في التطبيق والفساد في الاستدلال لكونه قد أيد حكم أول درجة برغم أن محكمة أول درجة لم تعوض الطاعن عن كل إصاباته لأنها لم توردها برغم أن تلك الإصابات جاءت واردة بالتقارير الطبية المرفقة بالأوراق وقد تمثلت تلك الإصابات في الآتي: (الاضطرابات المزاجية والسلوكية، الضعف في التركيز، عدم تحمل الضغوط، نوبات من البكاء وصعوبة في الأداء والنسيان وما تستحقه تلك الإصابات من تعويض وبالإضافة إلى أنه لم يعوض بعض الإصابات التي أوردها التعويض السليم المقدر لها وفقا لما جاء بالمرسوم رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) وبجدول الديات والأروش وعلى سبيل المثال عملية شق الجمجمة برغم أنها تعوض كاملة بثلث الدية إلا أنه عوض عنها بموضحتين، الكسر المنخفض في الرأس عوض كهاشمة إلا أنها يعوض عنها كدامغة بثلث الدية وكذا الحال مع الإصابة بالرأس والنزيف بالمخ، ولما كان الحكم الطعين لم يعوض الطاعن التعويض الجابر للضرر كما سلف بيانه، جاءت طلبات الطاعن سالفة البيان. نظرت المحكمة الدعوى وبعد استكمال الإجراءات فيها وتكليف أمانة السر بالمحكمة العليا لإعلان الخصوم لممارسة حقهم القانوني في الرد والتعقيب، وترتيبا على ذلك وبتاريخ ٢٠ / ٧ / ٢٠١٧م قدمت المطعون ضدها مذكرة الرد بوساطة وكيلها القانوني والمقبول للترافع أمام المحكمة العليا والذي تمسكت فيه بما سبق وطالبت به بصحيفة طعنها بالرقم (٩١١ / ٢٠١٧م) وطالبت في الختام برفض الطعن. بتاريخ ١٣ / ٨ / ٢٠١٧م عقب الطاعن بمذكرته والتي تمسك فيها بطلباته عليه وبعد المداولة جاء الحكم الذي سنورد تفصيله لاحقا بالمنطوق.
المحكمة
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية والقانونية فهو مقبول شكلا. وحيث إنه وفي الموضوع وبما نعى به الطاعن على الحكم الطعين بما أورده من أسباب ضمنها صحيفة الطعن وسلفت الإشارة إليها فإن النعي في مجمله سديد ذلك أن تقدير التعويض الجابر للضرر لا يعتمد فقط على بيان الإصابات بل على تحديد نوعها تحديدا دقيقا إذ بهذا التحديد يمكن تقدير التعويض في ضوء قواعد الفقه الإسلامي والإصابات كأصل عام يجب أن تكون حقيقة ينطبق عليها الوصف الشرعي والقانوني للإصابة وكمثال لذلك في تعريف ما يسمى بالجائفة فأنها تعني الإصابة التي تنشأ عليها جرح نافذ إلى التجويف الصدري أو البطن وما في حكمها والتجويف ليس قاصرا على هذين التجويفين حصرا بل يمتد إلى كل عضو مجوف بداخلهما، وعليه فإن إدخال الأنبوب لتصريف النزيف من داخل المخ يعتبر مثالا للإصابة المسماة بالجائفة، كما هو الحال أيضا فيما يتعلق بالإصابة المتعلقة بالنسيان والاضطرابات السلوكية و المزاجية وضعف التركيز مع نوبات البكاء فإن الحكم الطعين قد عوضها كحكومة عدل برغم من أنها تعوض كذلك إلا أن تقدير التعويض ينبغي أن يأخذ في الاعتبار مكان الإصابة ومدى تأثيرها على جسم المضرور مع الأخذ في الاعتبار ما لحق بالمضرور من عجز وحال أن تلك الإصابات السالف بيانها هي إصابات تشكل عاهة بالنسبة للمضرور الطاعن فبالتالي وكما جرى عليه قضاء هذه المحكمة فإن المحكمة تقدر له التعويض المناسب الجابر للضرر بما جاء بنسبة العجز المقدر للطاعن إلا أن الحكم الطعين لم يعوض الطاعن على حسب ما جاء بيانه الأمر الذي أدى أن يجيء التعويض المقدر للطاعن بأقل مما يستحقه وبالتالي لم يتلاءم التعويض مع ما لحق الطاعن من ضرر رغما عن أن الحكم الطعين قد أورد كل الإصابات التي لحقت بالطاعن والمبينة بالتقارير الطبية المرفقة بالأوراق والتي تمثلت في: (إصابة شديدة في الرأس مع نزيف بالمخ مع آثار ما بعد الإصابة، عملية شق الجمجمة لتصريف الدم وكانت هذه الإصابة بالرأس لكونها توصف بآلامه، والتي وصلت إلى المخ ونتج عنها نزيف أدى لشق الجمجمة لتصريف الدم منها وهذا ما يعوض عنها ٢ / ٣ الدية، وعن الكسر في عظم الجمجمة (عظم الصدغ الأيمن) من الناحية اليمنى يعوض (٢٠٪) من الدية وعن الكسر المنخفض في عظم الرأس كهاشمة يعوض عنه (١٠٪) الدية وعن فقدان الوعي لمدة عشرة أيام يعوض عنه (بالدية الكاملة) أما وعن النسيان وضعف التركيز وصعوبة الاداء فيعوض عن هذه الإصابة حكومة عدل أخذا في الاعتبار ما تخلدت لديه من نسبة عجز باعتبار هذه الإصابة هي عاهة مستديمة يقدر لها تعويضا (٧٠٪) وكذلك الحال مع الاضطرابات المزاجية والسلوكية ونوبات البكاء فهذه أيضا تعوض كسابقتها بما قدره (٧٠٪) من الدية بما يكون معه أن جملة ما يستحقه الطاعن من تعويض مناسب جابر للضرر المادي والمعنوي بما جملة (٣٢٦٪) بما قدره ما يساوي مبلغا وقدره (٤٥,٠٩٠ ر.ع) أربعة وخمسون ألفا وتسعون ريالا عمانيا، ولما كان ذلك وكان الحكم الطعين قد جاء بخلاف هذا النظر وقضى للطاعن بأقل مما يستحقه من تعويض فإنه يكون قد جاء بخلاف القانون وتطبيقه ولا يتلاءم مع تلك الأسس التي خطها المرسوم رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) القانون الذي يحكم دهزة التعويض الماثلة وخالف أيضا ما رسم بجدول الديات والأروش لكل إصابة حقها المشروع من دية أو أرش مقدر فإن لم تكن لها كذلك فهي حكومة عدل تقدرها المحكمة دونما شطط أو مغالاة في التعويض لدى الطرفين بعد إحاطة شاملة وكاملة لكل عناصر الضرر وبيان موقعها من جسم المضرور لأن الحكم على الشيء قرع من تصوره، بما يتعين والحال كذلك القضاء بنقض الحكم المطعون فيه.
ولما كانت الدعوى صالحة للفصل فيها لذا وعملا بنص المادة (٢٦٠) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية والحال أنه قد خلصنا لدى مناقشتنا لأسباب للطعن الماثل بأحقية الطاعن مبلغا وقدره (أربعة وخمسون ألفا وتسعون ريالا عمانيا) (٥٤,٠٩٠ ر.ع) لتعويض جابر لما أصابه من ضرر جراء الحادث سالف البيان، عليه فإننا نحكم في موضوع الاستئنافين رقمي (١٩١ و ٢٧٦ / ٢٠١٧م) بتعديل الحكم المستأنف بزيادة مبلغ التعويض المقضي به للطاعن إلى أربعة وخمسين ألفا وتسعين ريالا عمانيا (٥٤,٠٩٠ ر.ع) مع إلزام المطعون ضدها المصاريف ومصادرة الكفالة عملا بنص المادتين (٢٤٧ و ٢٥٩) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
«حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والحكم في الاستئنافين (١٩١ و٢٧٦ / ٢٠١٧م) بزيادة مبلغ التعويض المقضي به إلى أربعة وخمسين ألفا وتسعين ريالا عمانيا (٥٤,٠٩٠ ر.ع) وألزمت المطعون ضدها المصاريف ورد الكفالة للطاعن».