التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – هيئة تنازع الاختصاص: طلب التنازع رقم ١ / ٠٧م

0007/1 1/0007 07/1 1/07 ٠٠٠٧/١ ١/٠٠٠٧ ٠٧/١ ١/٠٧

تحميل

جلسة يوم الاثنين الموافق ٢٩  / ٤ /  ٢٠١٥ م

المشكلة برئاسة فضيلة الشيخ د / إسحاق بن أحمد البوسعيدي، رئيس المحكمة العليا، رئيس الهيئة، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:

الشيخ د. عبدالله بن راشد بن عزيز السيابي نائب رئيس المحكمة العليا

د. صالح بن حمد بن سالم الراشدي نائب رئيس المحكمة العليا

ماجد بن عبدالله بن مبارك العلوي رئيس محكمة القضاء الإداري

الشيخ. خالد بن راشد بن سعيد المنوري نائب رئيس المحكمة العليا

علي بن سالم بن علي النعماني نائب رئيس المحكمة العليا

مسعود بن محمد بن علي الراشدي قاضي المحكمة العليا

سعيد بن خلف بن سالم التوبي نائب رئيس محكمة القضاء الإداري

ناصر بن محمد بن ناصر الرواحي مستشار بمحكمة القضاء الإداري

عبدالله بن مسعود بن علي السنيدي مستشار بمحكمة القضاء الإداري

أحمد بن محمد بن سالم الوهيبي مستشار بمحكمة القضاءالإداري

(٧)
طلب التنازع رقم (١) السنة القضائية السابعة

منازعة (سند ملكية – سجل عقاري – حقوق عينية – اختصاص- قضاء عادي)

– بيان ما إذا كان إصدار وزارة الإسكان (السجل العقاري) سندي ملكيّة لقطعتي الأرض سالف الإشارة إليهما إداريّاً صادراً في نطاق صلاحيّات السّلطة العامّة الّتي خوّلها القانون لجهة الإدارة وتختصّ محكمة القضاء الإداري بمراجعته، أم هو عمل مادّي قامت به كلّ من دائرة الإسكان بعبري ونظيرتها ببهلى بعد فحصهما للمستندات الدالّة على ملكيّة كلّ من الطّرفين المتنازعين، ويتعلّق بالتّالي بمسألة من مسائل القانون الخاصّ، وتكون المنازعة بشأنه منازعة مدنيّة حول الملكيّة ينعقد الاختصاص بنظرها للمحكمة المختصّة بجهة القضاء العادي.

– أوجب المشرع تسجيل جميع التصرّفات والأحكام النهائيّة المقرّرة لحقّ من الحقوق العينيّة العقاريّة الأصليّة ومنها بطبيعة الحال حقّ الملكية، ويترتّب على عدم التسجيل أنّ هذه الحقوق لا تكون حجّة على الغير، فلا يقبل في إثبات الملكيّة أو الحقّ العيني سوى سندات الملكيّة أو الشهادات المستخرجة من أمانة السجلّ العقّاري أو فروعها، وهذه السّندات إنمّا تمُنح من واقع البيانات الواقع إثباتها في الصّحيفة العقّاريّة لكلّ قطعة أرض وبالأخصّ ما تعلّق منها بمالكها ومساحتها وموقعها وحدودها وشكلها الهندسي وما يوجد عليها من إشغالات عند الاقتضاء.

– إصدار سندي ملكيّة متداخلين في جزء كبير من الأرض محلّ النّزاع، واحد باسم مقدّم الطّلب والآخر باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة يتعلّق في حقيقته بعمل ماديّ قامت به جهة الإدارة في كلتا الحالتين بعد فحص الأوراق والمستندات الدالّة على الملكيّة، وتجد هذه الملكيّة مصدرها في قرارين صادرين عن اللجنة المحليّة لشؤون الأراضي في كلّ من ولايتي عبري وبهلى كلّ على حدة وبناء على ادّعاء كلّ طرف بملكيّته للأرض، وليس في نطاق الصلاحيّات الّتي خوّلها القانون لوزارة الإسكان في منح الأراضي الحكوميّة، فإنّ قاضي الملكيّة يغدو هو القاضي المختص بمراقبة صحّة ما صدر عن جهة الإدارة في هذا الشّأن، بالنّظر إلى أنّ النّزاع بين الطّرفين بات في حقيقته نزاعاً حول الملكيّة بين مواطن وإحدى وحدات الجهاز الإداري للدّولة.

– القضاء العادي باعتباره الجهة القضائيّة صاحبة الاختصاص الأصيل في الفصل في المنازعات المتعلّقة بإثبات الملك، ما دام أنّ تعويض سندي الملكيّة سالف الإشارة إليهما بسندي ملكيّة ببيانات مساحيّة مغايرة للبيانات السّابقة المضمّنة بالسجلّ العقّاري، إنمّا يقتضي وجوبا وفي مرحلة أولى تحديد المالك الحقيقي للجزء من الأرض المتنازع حوله وأيّ من مقدّم الطّلب أو من وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة أحقّ به بعد تمحيص الوثائق والمستندات المقدّمة من كلّ منهما إثباتا لملكيّته وما تشمله من أرض ومن إنشاءات عند الاقتضاء.

أولاً- في الإجراءات

بتاريخ ١٢ / ١ / ٢٠١٥م أودع المحامي / ……  من مكتب…… للمحأماة والمقيّد لدى المحكمة العليا  أمانة سرّ الهيئة عريضة الطّلب الماثل بصفته وكيلاً عن مقدّم الطّلب بموجب وكالة مصدّق عليها من كاتب العدل بنزوى بتاريخ ٧ / ١٢ / ٢٠٠٩م، طالباً في ختامها الحكم بتعيين المحكمة المختصّة ولائيّاً بنظر الدّعوى موضوع الطّلب الماثل، وأرفق بالطلب صورا ضوئيّة من سند الوكالة ومن الحكمين اللذين وقع بشأنهما التّنازع.  وبتاريخ ١٨ / ١ / ٢٠١٥م قام محضر الهيئة بإعلان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بصورة من الطلب ومرفقاته، وبتاريخ ٢٩ / ١ / ٢٠١٥م أودع وكيلها المحامي / …… من مكتب……. وشركاؤهم للمحأماة والمجاز أمام المحكمة العليا  مذكّرة بالردّ طلب في ختامها الحكم باختصاص القضاء العادي بنظر الدّعوى المقامة من مقدّم الطّلب، واحتياطيّا الفصل في طلب التّنازع بما تراه الهيئة وفقا لما هو معروض أمامها، وقد أعلن مقدّم الطّلب بهذا الردّ في ١١ / ٢ / ٢٠١٥م فأمسك عن التّعقيب عليه، وبتاريخ ٤ / ٢ / ٢٠١٥م قام المحضر بإعلان وزارة الإسكان بصورة من الطّلب ومرفقاته، وأمسكت عن الردّ خلال الأجل المحدّد قانوناً، وعليه فقد باشرت الهيئة نظر الطّلب الماثل لاستيفائه كافّة الأوراق والمستندات اللازمة للفصل في موضوعه.

ثانياً- الوقائع:

تجمل وقائع المنازعة حسب البينّ من الأوراق والمستندات في أنّ وكيل مقدم الطّلب الماثل من مكتب…… للمحأماة سبق وأن أقام ابتداء الدّعوى رقم (١٢٩ / م / ٢٠١٢م) أمام المحكمة الابتدائية ببهلى (الدائرة المدنيّة) بموجب صحيفة أودعها أمانة سرّ المحكمة بتاريخ ٢٦ / ٩ / ٢٠١٢م طالباً في ختامها الحكم بعدم تعرّض المدّعى عليها (وزارة الأوقاف والشؤون الدينية) لملكيّته في الأرض والمحلات القائمة وإلغاء القرار الإداري الوارد بملكيّة المدّعى عليها الّذي مفاده السّماح بالمحلات القائمة.

وذكر بيانا للدّعوى، أنّ المدّعي يمتلك الأرض السكنيّة التجاريّة رقم (…..) بالمربّع…..الكائن في ولاية عبري بموجب سند الملكيّة المثبت باسمه والمقيّد فيه أربعة محلات وكراج ومطعم، إلا أنّ المدّعى عليها قامت بالتعرّض لملكه بعد أن قامت باستخراج سند ملكيّة للموقع الّذي يمتلكه ومكّنتها وزارة الإسكان من سند الملكيّة رقم (…..) بالمربّع……. الكائن في ولاية بهلى مع إدراج تأشيرة به تنصّ على أنّه (يسمح بالمحلات التجاريّة القائمة)، وهي نفس الأرض المملوكة للمدّعي، وقد تمّ استخراج هذه الملكيّة بتاريخ لاحق على استخراج المدّعي لملكيّته.

وقد نظرت المحكمة المذكورة الدّعوى على النّحو الثّابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة ١٤ / ٥ / ٢٠١٣م حكمت المحكمة «بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدّعوى وحملت رافعها المصاريف»، وذلك بناء على أنّ موضوع النّزاع منصبّ حول تداخل ملكيّتين صدرتا في نفس الموقع، ولمّا كان التحقّق من التعدّي على أملاك المدّعي وملكيّته لا بدّ أن يقوم على متن أمر لصيق به فهو رهين بفصل تداخل الملكيّتين ذلك أنّ الإدارة (وزارة الإسكان)أصدرت قرارين في موضوع واحد بل إنّ الاختصاص   المكاني متباين إذ إنّ إحدى الملكيّتين صدرت من محافظة الظاهرة والأخرى من محافظة الداخلية، ولمّا كان قضاء الإلغاء هو الرّقيب على عيب القرار الإداري من حيث الاختصاص، فهو القضاء الّذي يتمكّن من التوصّل إلى قيام التعدّي من عدمه لكونه صاحب الكلمة الفصل في إبطال إحدى الملكيّتين، خاصّة وأنّ المحكمة تبيّنت أنّ الملك في كلتا الملكيّتين ليس بسبب وضع اليد قبل الأوّل من يناير ١٩٧٠م بل كلتا الملكيتين حديثتان، أما بشأن طلب إلغاء القرار الإداري الناصّ بالسّماح للمدّعى عليها بالمحلات التجاريّة فإن جهة الإدارة (وزارة الإسكان) أصدرت قرارها المتقدّم بموجب معطيات وإجراءات معيّنة جعلتها تصدر ذلك القرار، فلهذا فإنّ محكمة القضاء الإداري هي المحكمة المختصّة بمناقشة القرارات الإدارية. وبتاريخ ١٠ / ١١ / ٢٠١٣م أقام المدّعي الدّعوى رقم (١٣٢) لسنة (١٤) قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها أمانة سرّ المحكمة نيابة عنه المحامي /  ………..من مكتب……….. للمحأماة  طالباً في ختامها الحكم:

١- بإلزام المدّعى عليها بعدم التعرّض لملكيّة الأرض والمحلات القائمة العائدة للمدّعي ورفع اليد عنها.

٢- بإلزام المدّعى عليها بإلغاء سند ملكيّة الأرض الصّادر للمدّعى عليها الثانية رقم (٤ / ٠٠٣ / ٠١ / ٠٩٤) بالمربع……. للتداخل ولمخالفته القانون.

وقد تدوول نظر الدّعوى أمام الدّائرة الابتدائيّة الأولى على النّحو الثّابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة ١٥ / ٧ / ٢٠١٤م حكمت المحكمة «بقبول الدّعوى شكلاً، وفي الموضوع بعدم صحّة القرار المطعون فيه، وذلك على النحو المبين في الأسباب، وألزمت الجهة الإدارية المدّعى عليها الأولى المصروفات».

وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى المدّعى عليها الأولى وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فقد أقامت الاستئناف رقم (١٠٤٤ / ١٤ق.س) طعناً عليه بالإلغاء، وقد تدوول نظر الاستئناف أمام الدّائرة الاستئنافيّة الثانية على النّحو الثّابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة ١٨ / ١١ / ٢٠١٤م حكمت المحكمة «بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجدّداً بعدم اختصاص المحكمة ولائيّاً بنظر الدّعوى دون إحالة، وذلك على النّحو المبينّ في الأسباب».

وقد سبّبت المحكمة قضاءها على أنّ البينّ من أوراق الملفّ أنّ وزارة الإسكان أصدرت للأرض محلّ الدّعوى سندي ملكيّة تنفيذا لقرار اللجنة المحلية في كلتا الولايتين بتمليك كلّ طرف بناء على ادّعائه بالملك، وهو ما أدّى إلى إصدار سندي ملكيّة للأرض كنتيجة للقرارين الصّادرين عن تلك اللجنتين بالتمليك، وأنّ كلاّ من الطّرفين   ما زال ينازع في أحقيّة الطّرف الآخر بالملكيّة، وقد برّرت وزارة الإسكان صدور سندي ملكيّة للأرض محلّ الدعوى باختلاف الأجهزة المستخدمة في تحديد موقع الأرض، ولعدم وجود تنسيق بين مديريّتي الإسكان بمحافظتي الظاهرة والداخلية، وبيّنت المحكمة أنّ سند الملكيّة ما هو إلا نتاج لإثبات الملك الّذي ادّعاه الطّرفان بعد إقراره من قبل لجنتي شؤون الأراضي المشار إليهما كلا على حدة، إذ لم تكن الأرض منحة من الدّولة لأيّ منهما وفقا لنظام استحقاق الأراضي، وهو ما يتبينّ معه أنّه وإن كان ظاهر الأوراق ينبئ أنّ النزاع يدور حول إصدار سندي ملكية لأرض واحدة وأيّ منهما أسبق في الحصول على هذا السند، وهو ما انتهى إليه حكم محكمة أوّل درجة، إلا أنّ الثّابت أنّ أصل النّزاع يكمن في تحديد من هو المالك الحقيقي للأرض، وأيّ من الطرفين أحقّ بها وفقا للوثائق والمستندات الّتي يملكها، فمتى تمّ الفصل في صحّة أحد الادّعاءين من الجهة القضائيّة المختصّة تصدر وزرة الإسكان سند الملكيّة باسم الشّخص المحكوم لصالحه، بمعنى أنّ الأمر يستوجب ابتداءً تقرير إثبات ملكيّة أحد الطّرفين على الأرض محلّ النّزاع أو كليهما في جزء منها من قبل المحكمة المختصّة قبل صدور سند الملكيّة، ويبين من ذلك أنّ النّزاع لا يتعلّق بتحديد من أسبق من الطّرفين في الحصول على سند الملكيّة، وإن مّا من تثبت صحّة ادّعائه بملكيّة الأرض كلّها أو جزء منها، وعليه فهو نزاع حول إثبات الملك بين مواطن وبين الدّولة (وزارة الأوقاف والشؤون الدينية)، وليس نزاعا بشأن قرار صادر في نطاق الصلاحيّات الّتي خوّلها القانون لوزارة الإسكان في منح الأراضي والانتفاع بها وتمليكها للأفراد، وبالتّالي فإنّ القضاء العادي هو الجهة القضائيّة المختصّة بالفصل في هذه المنازعة باعتبار أنّ موضوع القرار إنمّا ينحصر في منازعة مدنيّة تتعلّق بإثبات الملكيّة، ليفصل في مدى صحّة ادّعاء الملكيّة من كلّ طرف من عدمه وذلك تطبيقا لأحكام المادّة (٢) من موادّ قانون السّلطة القضائيّة.

وحيث إنّ كلا الحكمين المشار إليهما نهائيان، وإزاء تخلّي كلّ من جهتي القضاء العادي والقضاء الإداري عن نظر النّزاع فقد أقيم الطّلب الماثل بغية تعيين الجهة القضائيّة المختصّة بنظره.

ثالثاً- الهيئة

أولاً: من حيث شكل الطّلب:

فإنّه لمّا كانت صحيفة الطّلب قد وقّعت من محام مقبول للترّ افع أمام المحكمة العليا، وقدّمت وفقاً للإجراءات المقرّرة قانوناً، وإذ استوفى الطّلب سائر أوضاعه الشكليّة الأخرى، فيكون مقبولاً شكلاً.

ثانياً:من حيث الموضوع:

فإنّ قانون السّلطة القضائيّة الصادر بالمرسوم السّلطاني رقم (٩٠ / ٩٩) ينص في المادّة (٨) منه على أنّه: «فيما عدا الخصومات الإدارية، تختص المحاكم المنصوص عليها في هذا القانون بالحكم في الدعاوى المدنية والتجارية، وطلبات التحكيم، ودعاوى الأحوال الشخصية، والدعاوى العمومية والعمالية والضريبية والإيجارات، وغيرها، الّتي ترفع إليها طبقا للقانون، إلا ما استثني بنص خاص. وتبين النصوص الإجرائية قواعد اختصاص المحاكم».

وحيث إنّ قانون محكمة القضاء الإداري الصّادر بالمرسوم السلطاني رقم (٩١ / ٩٩)، والمعدّل بالمرسوم السلطاني رقم (٣ / ٢٠٠٩)، ينصّ في المادّة (٦) منه على أنّه: «تختص محكمة القضاء الإداري  دون غيرها بالفصل في الخصومات الإدارية ومنها الآتي:…»

وحيث إنّ قانون هيئة تنازع الاختصاص والأحكام الصّادر بالمرسوم السلطاني رقم (٨٨ / ٢٠٠٨) ينصّ في المادّة (٢) منه على أنّه: «تختص الهيئة دون غيرها بما يأتي: أ – الفصل في حالات تنازع الاختصاص الإيجابي والسلبي بين المحاكم المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية ومحكمة القضاء الإداري وأية محكمة أخرى، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام محكمتين من المحاكم المشار إليها ولم تتخل إحداهما عنها أو تخلت كلتاهما عنها.

وحيث إنّ المستقرّ عليه في قضاء هذه الهيئة أنّ معيار تعيين المحكمة المختصّة بنظر الدّعاوى المتعلّقة بشؤون الأراضي إن مّا يتمثّل في تحديد طبيعة القرار المطعون فيه، فإذا كان القرار صادراً في نطاق صلاحيّات السّلطة العامّة المخوّلة قانونا لجهة الإدارة في منح الأراضي للانتفاع بها وتمليكها للأفراد وما يرتبط بذلك من طلبات فإنّ المنازعة في مدى صحّته تكون منازعة إداريّة ينعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة القضاء الإداري، استناداً إلى أحكام المادّة (٦) من قانون إنشائها، أما إذا كان موضوعه يتعلّق بمسألة من مسائل القانون الخاص وصدر من جهة الإدارة خارج ممارستها لأيّ سلطة عامّة في ضوء ما أسفر عنه فحصها للمستندات والقرائن المرتكن إليها في طلب إثبات التملّك سواء تعلّقت بميراث شرعيّ أو بوضع يد لمدّة طويلة أو بصكّ شرعيّ أو بشهادة الشّهود أو بغير ذلك من وسائل الإثبات، فإنّ هذا القرار يخرج من فئة القرارات الإدارية الّتي تختصّ محكمة القضاء الإداري بنظرها، وتكون المنازعة فيه منازعة مدنيّة مدارها إثبات الملكيّة وينعقد الاختصاص بنظرها للمحكمة المختصّة بجهة القضاء العادي، وفقاً لحكم المادّة (٨) من قانون السلطة القضائيّة. وحيث إنّ البينّ من مساق وقائع المنازعة الماثلة أنّ مقدّم الطّلب يمتلك قطعة الأرض السكنيّة رقم (٥ / ١٣ / ٠٨٦ / ٠١ / ٠٠٢) الكائنة بالمربع نتيّه بولاية عبري والبالغ مساحتها (٧٥٤٦ م٢)، وذلك بموجب سند ملكيّة صادر من دائرة الإسكان بولاية عبري بتاريخ ٢٩ / ٦ / ٢٠١٠م ومثبت فيه عدد (٤) محلات تجاريّة ومطعم وكراج سيّارات، وقد ثبتت له ملكيّة هذه الأرض عن طريق البيع، إلا أنّه في تاريخ لاحق وتحديدا في ٣ / ٤ / ٢٠١١م قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية باستخراج سند ملكيّة من دائرة الإسكان بولاية بهلى لقطعة أرض رقم (٤ / ٣ / ٠٠٣ / ٠١ / ٠٩٤) مساحتها (٥٩٤٨ م٢) كائنة بالمربّع……. من ولاية بهلى ومقام عليها مسجد، وذلك بموجب قرار من لجنة شؤون الأراضي، وقد تمّ التّأشير في متن ذلك السّند على عبارة «يسمح بالمحلات التجاريّة القائمة»، وهي ذات المحلات المشمولة بأرض مقدّم الطّلب، ومن ثمّ فإنّ مقطع النّزاع إنمّا يغدو منحصراً في بيان ما إذا كان إصدار وزارة الإسكان (السجل العقاري) سندي ملكيّة لقطعتي الأرض سالف الإشارة إليهما إداريّاً صادراً في نطاق صلاحيّات السّلطة العامّة الّتي خوّلها القانون لجهة الإدارة وتختص محكمة القضاء الإداري بمراجعته، أم هو عمل مادّي قامت به كلّ من دائرة الإسكان بعبري ونظيرتها ببهلى بعد فحصهما للمستندات الدالّة على ملكيّة كلّ من الطّرفين المتنازعين، ويتعلّق بالتّالي بمسألة من مسائل القانون الخاصّ، وتكون المنازعة بشأنه منازعة مدنيّة حول الملكيّة ينعقد الاختصاص بنظرها للمحكمة المختصّة بجهة القضاء العادي.

وحيث إنّ نظام السجلّ العقّاري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (٢ / ٩٨) ينص في المادّة (٢) على أنّ «السجل العقاري هو مجموعة الصحائف التي تختص كل منها بوحدة عقارية محددة وتعتبر وثائق ومحاضر التسجيل متممة للسجل العقاري «، وفي المادّة (١٢) على أن «يكون للسجل العقاري قوة إثبات لصحة البيانات الواردة فيه، ولا يجوز تغيير البيانات الواردة في السجل إلا طبقاً لهذا النظام»، وفي المادّة (١٤) على أن «يكون التسجيل طبقاً لأحكام هذا النظام بناء على أعمال هندسية مساحية دقيقة يتم بموجبها تحديد الوحدة العقارية وتعيين موقعها وشكلها الهندسي وما عليها من إشغالات وتتولى المساحة وضع العلأمات على حدود الوحدة العقارية»، وفي المادّة (١٥) على أن «تصدر أمانة السجل العقاري وفروعها سندات الملكية على النموذج المعد لذلك من واقع البيانات الثابتة في الصحيفة العقارية ولا يجوز إصدار أكثر من سند ملكية للوحدة العقارية الواحدة»، وفي المادّة (٢٠) على أن   «يثبت في صحيفة كل وحدة عقارية أوصافها وحدودها الطبيعية والحقوق المترتبة للوحدة والقيود والمعاملات الواردة عليها، وأسماء الملاك أو أصحاب الشأن»، وفي المادّة (٥٣) على أنّه «لا يجوز إجراء تغيير في البيانات الواردة بالسجل العقاري إلا بمقتضى مستندات موثقة صادرة ممن يملك التصرف في الحقوق الثابتة في السجل، أو بمقتضى حكم أو قرار نهائي صادر من سلطة إدارية ذات اختصاص قضائي وذلك كله دون إخلال بحقوق الغير حسن النية…».

وحيث إنّ مفاد ذلك، أنّ المشرّع قد أوجب تسجيل جميع التصرّفات والأحكام النهائيّة المقرّرة لحقّ من الحقوق العينيّة العقاريّة الأصليّة ومنها بطبيعة الحال حقّ الملكية، ويترتّب على عدم التسجيل أنّ هذه الحقوق لا تكون حجّة على الغير، فلا يقبل في إثبات الملكيّة أو الحقّ العيني سوى سندات الملكيّة أو الشهادات المستخرجة من أمانة السجلّ العقّاري أو فروعها، وهذه السّندات إنمّا تمُنح من واقع البيانات الواقع إثباتها في الصّحيفة العقّاريّة لكلّ قطعة أرض وبالأخصّ ما تعلّق منها بمالكها ومساحتها وموقعها وحدودها وشكلها الهندسي وما يوجد عليها من إشغالات عند الاقتضاء، كما يستفاد من ذلك أيضا أنّ المشرّع وحرصا منه على ضمان حقّ الملكيّة لم يجز إجراء أيّ تغيير في البيانات الواردة بالسجلّ العقّاري إلا بمقتضى مستندات موثّقة صادرة ممّن يملك التصرّف في الحقوق الثابتة في السجلّ، أو بمقتضى حكم قضائي صادر عن محكمة مختصّة أو قرار نهائيّ صادر من سلطة إداريّة ذات اختصاص قضائي. وحيث إنّه بتطبيق ما تقدّم على واقعات النّزاع الماثل، ولمّا كان الثّابت من الأوراق، وقوع تداخل بين قطعتي الأرض سالف الإشارة إليهما مردّه إلى التّضارب الوارد في مستوى البيانات المساحيّة لكلّ من الوحدتين العقّاريّتين والّذي أرجعته وزارة الإسكان إلى اختلاف الأجهزة المستخدمة في تحديد موقع الأرض وإلى عدم التّنسيق بين مديريّتي الإسكان بمحافظتي الظاهرة والداخلية، وهو ما نجم عنه إصدار سندي ملكيّة متداخلين في جزء كبير من الأرض محلّ النّزاع، واحد باسم مقدّم الطّلب والآخر باسم وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة، فإنّ الأمر إنمّا يتعلّق في حقيقته بعمل ماديّ قامت به جهة الإدارة في كلتا الحالتين بعد فحص الأوراق والمستندات الدالّة على الملكيّة، ولمّا كانت هذه الملكيّة تجد مصدرها في قرارين صادرين عن اللجنة المحليّة لشؤون الأراضي في كلّ من ولايتي عبري وبهلى كلّ على حدة وبناء على ادّعاء كلّ طرف بملكيّته للأرض، وليس في نطاق الصلاحيّات الّتي خوّلها القانون لوزارة الإسكان في منح الأراضي الحكوميّة، فإنّ قاضي الملكيّة يغدو هو القاضي المختصّ بمراقبة صحّة ما صدر عن جهة الإدارة في هذا الشّأن، بالنّظر   إلى أنّ النّزاع بين الطّرفين بات في حقيقته نزاعاً حول الملكيّة بين مواطن وإحدى وحدات الجهاز الإداري للدّولة.

وحيث إنّه فضلا عن ذلك لمّا كانت وزارة الإسكان قد أثبتت ملكيّة كلّ من الطرفين للأرض محلّ المنازعة في جزء كبير منها، وهو ما ترتّب عنه تداخل في البيانات المساحيّة المضمّنة بالصحيفة العقاريّة لكلّ واحدة من قطعتي الأرض الصّادر في شأنهما سندا الملكيّة محلّ النّزاع، فإنّه لم يعد بمقدورها لفكّ هذا التّداخل بين قطعتي الأرض إجراء أي تغيير في البيانات الخاصّة بكلّ منهما والواردة بالسجلّ العقّاري إلا بمقتضى مستندات موثّقة صادرة ممّن يملك التصرّف في الحقوق الثابتة في ذلك السجلّ، أو بمقتضى حكم قضائي نهائيّ وفق ما توجبه أحكام المادّة (٥٣) من نظام السجلّ العقاري المشار إليه، وهذا الحكم يكون صادرا بطبيعة الحال من القضاء العادي باعتباره الجهة القضائيّة صاحبة الاختصاص الأصيل في الفصل في المنازعات المتعلّقة بإثبات الملك، ما دام أنّ تعويض سندي الملكيّة سالف الإشارة إليهما بسندي ملكيّة ببيانات مساحيّة مغايرة للبيانات السّابقة المضمّنة بالسجلّ العقّاري، إن مّا يقتضي وجوبا وفي مرحلة أولى تحديد المالك الحقيقي للجزء من الأرض المتنازع حوله وأيّ من مقدّم الطّلب أو من وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة أحقّ به بعد تمحيص الوثائق والمستندات المقدّمة من كلّ منهما إثباتا لملكيّته وما تشمله من أرض ومن إنشاءات عند الاقتضاء.

فلهذه الأسباب

حكمت الهيئة بتعيين المحكمة الابتدائيّة ببهلى (الدّائرة المدنيّة) لنظر الدّعوى محلّ الطّلب الماثل.