جلسة يوم الأحد الموافق ١٩ / ٢ / ٢٠١٧م
برئاسة فضيلة القاضي / زهران بن ناصر البراشدي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: محمد بن حمد النبهاني، وعبد الله شيخ الجزولي، ويحي محمد عبد القادر، والشيخ ولين الشيخ ماء ماء العينين.
(٩١)
الطعن رقم ١٥٧١ / ٢٠١٦م
مسؤولية متولي الرقابة (خطأ مفترض – إثبات – قائد المركبة – خطأ المضرور – استغراق)
– في مسؤولية المتعهد بالرقابة يفترض وجود الخطأ، وهو افتراض غير قابل لإثبات العكس. نتيجة ذلك أن خطأ قائد المركبة مفترض إلا أنه إن استغرق خطأ المضرور الخطأ المفترض لقائد المركبة فإن المسؤولية لا تقوم على قائد المركبة.
– سكر المضرور خطأ يستغرق الخطأ المفترض لقائد المركبة.
الوقائع
تتلخص الوقائع كما أوردها الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن المدعي (الطاعن) أقام دعوى رقم (١٦٩ / ٢٠١٦م) بتأريخ: ٢٤ / ٢ / ٢٠١٦م لدى المحكمة الابتدائية بمسقط بوساطة محاميه بموجب صحيفة طلب في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي مبلغا وقدره (٢١٠,٠٠٠ ر.ع) مائتان وعشرة آلاف ريال عماني والمصاريف وأتعاب المحاماة.
على سند من القول: إنه بتأريخ: ٣٠ / ٨ / ٢٠١٤م تعرض لحادث سببته المركبة رقم (………..) خصوصي والمؤمنة لدى المدعى عليها بموجب وثيقة التأمين التي كانت سارية المفعول حال وقوع الحادث الذي سبب له إصابات بليغة وأضرارا مما حدا به لإقامة هذه الدعوى.
حيث باشرت محكمة أول درجة نظر الدعوى وفق ما بمحاضر جلساتها إلى أن أصدرت حكمها بجلسة (١٧ / ٧ / ١٤٣٧هـ الموافق ٢٥ / ٤ / ٢٠١٦م) القاضي برفض الدعوى على حالتها وألزمت رافعها بالمصاريف وبمائة ريال عماني (١٠٠ ر.ع) مقابل أتعاب المحاماة.
فلم يجد هذا الحكم قبولا لدى المدعي فاستأنفه بالاستئناف رقم (٤٧٩ / ٢٠١٦م) بموجب صحيفة بوساطة محاميه طلب في ختامها قبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا بإلزام المستأنف ضدها بأن تؤدي للمستأنف تعويضا قدره مائة وخمسون ألف ريال عماني (١٥٠,٠٠٠ ر.ع) عن الأضرار وإلزام المستأنف ضدها بالمصاريف وخمسمائة ريال عماني عن أتعاب المحاماة.
على أسباب حاصلها أن الحكم المستأنف خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وتفسيره فيما انتهى إليه من رفض الدعوى انطلاقا من كون المدعي كان ثملا وحتى لو كان ذلك صحيحا فلا ينال من خطأ قائد المركبة المخطئ المتسبب في الحادث لرعونته في القيادة وعدم أخذه الحيطة والحذر بالثابت بتقرير الشرطة هذا وأن المستأنف لحقت به عدد من الإصابات نتجت عنها أضرار مادية ومعنوية ومستقبلية لا تقل أهمية من حيث تأثير السلبي لا سيما أنها خلفت لديه عجزا قدرت نسبته بـ (١٠٠٪) وأضاف في مذكرة بأن القانون الواجب التطبيق في هذه الدعوى هو قانون تأمين المركبات ولذلك فإن الحكم المستأنف لم يكن موفقا حينما استند إلى المادة (١٧٧) من قانون المعاملات المدنية وأنها فشلت في نفي الخطأ عن قائد المركبة وفي كل الأحوال فإن المستأنف ليس هو المتسبب في الحادث وكل المؤشرات والأوراق تؤكد ذلك.
حيث نظرت محكمة ثاني درجة الاستئناف وفق ما في محاضر الجلسات التي حضر خلالها الطرفان كل بوكيل عنه محام، وقدم الحاضر عن المستأنف ضدها مذكرة طلب فيها رفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف المصاريف وألف ريال عماني عن أتعاب المحاماة، وبعد الإجراءات التي اتخذتها محكمة الاستئناف أصدرت حكمها بجلسة (٢٠ / ٩ / ١٤٣٧هـ الموافق ٢٦ / ٦ / ٢٠١٦م) القاضي بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وإلزام المستأنف بالمصاريف ومائة ريال عماني (١٠٠ ر.ع) عن أتعاب المحاماة.
فلم ينل هذا الحكم قبولا لدى المستأنف فطعن فيه بالنقض الماثل بموجب صحيفة موقعة من قبل محاميه المقبول للترافع أمام المحكمة العليا الذي أودعها بأمانة سر هذه المحكمة بتأريخ: ٣ / ٨ / ٢٠١٦م مشفوعة بصورة من سند وكالته عنه وما يفيد سداد الرسوم المقررة طبقا لمقتضيات المادتين (٢٤٤ و٢٤٧) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
حيث تم إعلان المطعون ضدها بصحيفة الطعن فردت عليها بوساطة محاميها المقبول للترافع أمام المحكمة العليا في مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الطعن وإلزام رافعه الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
حيث أقيم الطعن على سبب واحد ينعى فيه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة للقانون والواقع وإهدار حجية المستندات لأن المطعون ضدها فشلت على مدار جميع الجلسات أمام محكمة الموضوع بدرجتيها في تقديم ما ينفي الخطأ عن قائد المركبة وما ورد من دفاعها أن الطاعن كان ثملا فهذا لا ينال من قيام الخطأ في جانب قائد المركبة ولو فرض جدلا صحة ذلك فإنه لم يتسبب في وقوع الحادث إذ إن قائد المركبة هو الذي تسبب فيه برعونته وعدم انتباهه مما يؤكد قيام ركن الخطأ لقائد المركبة مرتكبة الحادث.
وقد تحقق الضرر للطاعن من خلال الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الصادر من مستشفى جامعة السلطان قابوس والتي تمثلت في الآتي:
– كسر من النوع (٢) في العظم الفائقي.
– كسر جانبي في عظم الكعب الأيسر.
– كسر في النخاع العنقي في الفقرة (٢).
– شلل رباعي.
– خضع لتثبيت جراحي للكسر الفائقي وعظم الكعب الأيسر.
– خضع لإعادة استكشاف ومحاولة أخرى لتقليص ودمج الكسر في العظم الفائقي
مرتين.
– معالجته باتباع المعالجة الفيزيائية.
فيكون جملة ما يستحقه الطاعن عن إصاباته الفادحة مبلغ مائة وخمسين ألف ريال عماني، وقد تخلف لديه نسبة عجز دائم (١٠٠٪) على النحو الآتي:
١ – كسر غير مستقر في الفقرات القطنية.
٢ – ضعف وتشنج واهتزازات بالأطراف وخصوصا الأطراف العليا.
٣ – يحتاج لرعاية.
٤ – كسر بعظام الكاحل الأيسر.
فضلا عن الأضرار المعنوية المتمثلة في الإحباط وحالته النفسية السيئة لامتداد آثار هذه الإصابات على كافة أعضاء جسده، واستخدام كرسي متحرك وعدم استغنائه عن مساعدة الآخرين في قضاء أدق تفاصيل حياته العملية والأسرية باعتباره هو من يعول أفراد أسرته وعدم قدرته على الوفاء بمتطلباتهم وقد تركته الإصابات في عداد المقعدين حيث بلغ العجز أقصاه (١٠٠٪).
وقد استقر قضاء المحكمة العليا على أن تقدير التعويض من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بحسبانها ضمن سلطتها التقديرية إلا أن بيان عناصر الضرر أساس ذلك التقدير يظل دائما من مسائل القانون التي تخضع لرقابة المحكمة العليا.
هذا ولما كانت أركان المسؤولية الثلاثة قد توافرت على هذه الدعوى فإن المطعون ضدها هي المسؤولة عن تغطية الأضرار الناتجة عن الحادث مما يجعل طلبات الطاعن قد استندت إلى المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) الخاص بتقدير وتعديل الديات والأروش، وبناء عليه يلتمس الطاعن بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا:
أصليا: بإلزام المطعون ضدها بدفع مبلغ قدره (١٥٠,٠٠٠ ر.ع) مائة وخمسون ألف ريال عماني عن الضرر المادي، ومبلغ (٦٠,٠٠٠ ر.ع) ستين ألف ريال عماني عن الضرر المعنوي وتحميلها المصاريف ومبلغ خمسمائة ريال عماني أتعاب محاماة.
واحتياطيا: إعادة الأوراق إلى ذات المحكمة لنظرها بهيئة مغايرة.
حيث ردت المطعون ضدها على صحيفة الطعن بوساطة محاميها في مذكرة جاء فيها أن نعي الطاعن على الحكم المطعون عليه بمخالفة القانون والواقع وإهدار المستندات مردود عليه لكون الحكم الطعين لم يخطئ فيما قضى به من تأييد لرفض الدعوى وجاء الحكم سليما وفق القانون حيث أثبتت التحريات لدى الشرطة أن السائق لم يكن مخطئا أو متسببا في وقوع الحادث بحيث كان يقود في طريقه ملتزما بالسرعة المحددة (١٢٠كم / س) فتفاجأ بظهور الطاعن محاولا العبور من أسفل عبور المشاة وبذلك فليس ثمة خطأ من جانب المؤمن بل أن الخطأ المباشر الذي تسبب في وقوع الحادث هو وجود الطاعن في موقع الحادث وهو ثمل ومحاولته لعبور شارع سرعته (١٢٠كم / س) وهذا أشبه محاولة انتحار حقيقية انتابته وهو ثمل وعليه لا يمكن أن يتحملها السائق الذي يقود في طريقه ملتزما بقواعد السير، وتبعا لذلك لا تتحملها الشركة المؤمنة المطعون ضدها، وأن واقعة موضوع الدعوى لم يتم إثبات وقوع خطأ فيها من السائق المؤمن له ولم يستدع الأمر إحالة ملف الحادث إلى المحكمة الجزائية بعد أن أثبتت التحريات ومستندات التخطيط عدم وقوع خطأ السائق المؤمن له، وحيث إن محكمة أول درجة وجدت أن الخطأ لم يقع من جانب المؤمن له خصوصا أنه كان يسير في طريق سرعته (١٢٠كم / س) وأن الطاعن كان ثملا ويحاول العبور من مكان غير مخصص للعبور من أسفل جسر عبور المشاة وكان ينبغي له عبور الجسر لذلك فقد انهارت أركان المسؤولية بموجب عقد التأمين وليس ثمة مسؤولية على المركبة محل الطعن يمكن أن يؤسس عليها تعويض وفقا لأحكام قانون تأمين المركبات ولذا فإن محكمة أول درجة لم تخطئ عندما شرعت في البحث عن قيام أركان المسؤولية التقصيرية الناشئة عن الفعل الضار واستنادها على المادة (١٧٧) من قانون المعاملات المدنية.
ومما سبق يتضح أن السائق المؤمن له لم يتوافر في حقه الخطأ الذي يجب في المسؤولية التقصيرية وبالتالي لا تتوافر في حقه باقي الأركان مما تنعدم معه المسؤولية التقصيرية الموجبة للتعويض، لذلك فإن سبب الطعن الذي تقدم به الطاعن غير جدير بالنظر ولا ينال من سلامة الحكم الطعين ومطابقته صحيح القانون.
لذلك تطلب المطعون ضدها رفض الطعن وإلزام رافعه المصاريف وأتعاب المحاماة.
حيث عقب الطاعن بوساطة محاميه بأن الرد المقدم من المطعون ضدها على أسباب الطعن والمتمحور في عدم وجود خطأ السائق في وقوع الحادث لا سند له من الواقع أو القانون لكون الحكم المطعون فيه خالف القانون وأهدر حجية المستندات حيث فشلت المطعون ضدها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها في تقديم ما ينفي خطأ قائد المركبة وما ورد في دفاعها من أن الطاعن كان ثملا لا ينال من توافر قائد المركبة إذ لو افترضنا جدلا صحة لذلك فإنه لم يتسبب في وقوع الحادث وأن الخطأ وهو الركن الأول من أركان المسؤولية قد ثبت في جانب قائد المركبة من خلال التقرير النهائي الصادر من مركز شرطة الخوض إلى المطعون ضدها بتأريخ: ٣١ / ٨ / ٢٠١٤م في القضية رقم (١٢٩ / ح / ٢٠١٤م) ولم يذكر التقرير أنه كان ثملا أثناء تعرضه للدهس.
وأن قائد المركبة هو السبب الرئيسي لوقوع الحادث لعدم انتباهه مما يؤكد قيام الخطأ في جانبه، ولقد تحقق الضرر للطاعن وهو الركن الثاني من أركان المسؤولية من خلال الإصابات الخطيرة الموصوفة بالتقرير الطبي.
ولما كانت أركان المسؤولية الثالثة قائمة فإن المطعون ضدها هي المسؤولة عن تغطية. وبناء عليه فإن الطاعن يلتمس الالتفات عما ورد برد المطعون ضدها والحكم بطلباته الختامية بصحيفة الطعن حيث عقبت المطعون ضدها بوساطة محاميها على تعقيب الطاعن متمسكة بما جاء في مذكرة ردها طالبة رفض الطعن وإلزام رافعه المصاريف.
المحكمة
بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والاستماع إلى التقرير الذي أعده القاضي المقرر وبعد المداولة. حيث إن الطعن استوفى كافة أوضاعه الشكلية المطلوبة قانونيا فهو مقبول شكلا. وحيث إن النعي على الحكم المطعون فيه بالسبب السالف إيراده تفصيلا بصدر هذا الحكم والمتمثل في مخالفة الحكم الطعين للقانون والواقع وإهدار حجة المستندات هو نعي غير سديد وفي غير محله؛ ذلك أنه من المتفق عليه في الفقه والعمل القضائي أن الواقع هو مصدر الحق المدعى به أي التصرف القانوني والواقعة التي أنشأت هذا الحق وأن عبء إثبات هذا الواقع على الخصوم ويرتبط فهم موضوع الدعوى بالأدلة والدفوع التي يقدمها الخصوم إلى التكييف القانوني للواقع قصد إنزال القواعد القانونية التي سنها المشرع عليه وهذا ما طبقته المحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه ومن قبلها محكمة أول درجة الذي بني حكمها على انعدام مسؤولية المطعون ضدها لانعدام خطأ قائد المركبة لكون الخطأ في المسؤولية هو انحراف الشخص عن السلوك المألوف للشخص العادي، وهذا الانحراف واقعة مادية تثبت عن طريق قرائن قضائية متتابعة تنقل عبء الأثبات من جانب إلى جانب إلى أن يعجز أحد الطرفين عن إثبات ما يزحزح عنه القرينة وقد يستغرق خطأ المدعي خطأ المدعى عليه (كما هو في الدعوى الماثلة) لأن الخطأ المفروض غير قابل لإثبات العكس هو في الواقع من الأمر خطأ ثابت كخطأ من يتعهد إليه بالرقابة على غيره، في حين يصح أن يؤثر الفعل الصادر من المضرور في مسؤولية (المدعى عليه) إذا كان هذا الفعل خطأ ويقاس الخطأ هنا بمعياره المعروف وهو انحراف المضرور في سلوكه عن المألوف من سلوك الرجل المعتاد.
ولما كان خطأ قائد المركبة هو نتيجة خطأ المضرور فإن خطأ المضرور هو الذي يستغرق خطأ قائد المركبة وعلى هذا الأساس بنت المحكمة حكمها عليه بأسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق تكفي لحمله لكون الطاعن قطع الطريق بشكل غير متوقع وكان بحالة سكر بين إلى حد الثمالة مما يحقق عدم احتياطه وخطأه الذي هو السبب الوحيد للإصابة فقد ثبت أن الخطأ المفروض في جانب السائق ليس إلا نتيجة فعل المضرور الخاطئ ولذلك استغرق خطأ العابر خطأ السائق، وانعدمت العلاقة السببية بين السائق والضرر، وعليه فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون في غير محله لعدم ارتكازه على أي أساس مما يتعين معه القضاء برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصاريف ومصادرة الكفالة وطبقا لمقتضيات المادة (٢٦١) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.
فلهذه الأسباب
«حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وألزمت الطاعن بالمصاريف ومصادرة الكفالة».