التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة التجارية: الطعن رقم ٦٦٢ / ٢٠١٦م

2016/662 662/2016 ٢٠١٦/٦٦٢ ٦٦٢/٢٠١٦

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٣١ / ١ / ٢٠١٧م

برئاسة فضيلة القاضي /  منصور بن علي الفارسي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: د. محمد صالح علي سيد أحمد، وأحمد بن عياش الجندوبي، ونور الدين بن المكي خليفي، وعاطف المأمون عبد السلام.

(٢٠٤)
الطعن رقم ٦٦٢ / ٢٠١٦م

فعل ضار (حجز – سفينة – اختصاص)

– الفعل المرتكب بمناسبة تنفيذ العقد أدى إلى الإضرار بالطرف المقابل وصدر في شأنه حكم جزائي بالإدانة والعقاب وحجز السفينة لمدّة معيّنة قبل الإفراج عنها وإرجاعها لمالكها وأصبح هذا الحكم باتًا، مما تتحقق معه المسؤولية عن الفعل الضار تأسيسًا على أنّه إخلال بالتزام قانوني، فإنّ المحاكم العُمانية تصبح مختصة بالنظر في الدعوى.

الوقائع

تتحصل الوقائع على ما يتبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق التي بني عليها في أن الطاعنة الآن شركة…………. أقامت الدعوى ابتداءً ضد المدعى عليها في الأصل (المطعون ضدها الآن) شركة……… طالبة الحكم بإلزامها بأن تؤدي لها مبلغًا قدره (٣٨٨ / ٦٢٢.٣٨ ر.ع) قيمة الأجرة غير المسددة.

كإلزامها برسوم التأخير في الشحن وعدم إعادة الناقلة (……) إلى الشركة المدعية بسبب الحجز الواقع عليها بواقع (٥٥٠ دولار أمريكي) عن كل يوم وفق اتفاق الطرفين الثابت في مشارطة النقل حتى تاريخ ٢٤ / ٧ / ٢٠١٥م وذلك بمبلغ إجمالي قدره (٠٠٠.١٥٥.١ دولار) أو ما يعادله بالريال العُماني (٨٣٠ / ٤٤٥ ر.ع) وما يستجد من غرامات تأخير بعد ٢٤ / ٧ / ٢٠١٥م.

كإلزامها برسوم الوكيل في السلطنة بمبلغ قدره (١٧ / ٤١٢.١٥٩ ر.ع).

كإلزامها بسداد قيمة الوقود المستخدم لتشغيل الناقلة طوال فترة حجزها في عرض البحر.

كإلزامها بالنفقات القانونية قيمة ما تكبدته الشركة المدعية لفائدة شركة (……..) ومكتب……… وشركائهم للدفاع عن قرار حجز الناقلة (…….)   والإجراءات الجنائية الأخرى مبلغًا قدره (٥٢٧ / ٢٦١.٥٠ ر.ع) وما يستجد من نفقات وإلزامها بالمصاريف والرسوم وأتعاب المحاماة.

وقالت شرحًا لدعواها أنّها وقّعت اتفاقية مع المدعى عليها (المطعون ضدها الآن) لنقل الديزل من ميناء صحار إلى جهات متعاقدة مع هذه الأخيرة وهي بعض القواعد العسكرية التابعة لوزارة الدفاع وشركة إماراتية تدعى……….للتجارة العامة، كما وقّعت المطعون ضدها على ضمان وتعهّد بتعويض الشركة الناقلة (المدعية) عن أي أضرار وخسائر أو نفقات قد تنتج عن عمليات النقل المتفق عليها.

وبتاريخ ٢٤ / ١٢ / ٢٠١٤م أصدرت جهات التحقيق في السلطنة قرارًا بحجز السفينة (الناقلة) ومنعها من السفر بسبب توجيهها اتهام لبعض مسؤولي الشركة المدعى عليها من أجل الاختلاس وبيع وقود الديزل بمخالفة قانون النفط والغاز الأمر الذي تسبب في خسائر للشركة وأضرار بالسفينة مما أدّى بالمدعية إلى إقامة هذه الدعوى طالبة الحكم لها بالطلبات السالف تضمينها.

وبتاريخ ٢ / ٣ / ٢٠١٦م حكمت محكمة أول درجة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وقد أسست حكمها على خطابات التعهد بالتعويض الصادرة من المدعى عليها (البند ٧) بأن القانون الإنجليزي هو القانون المفسر للعقد وهو المختص بنظر الدعاوى المتعلقة بالعلاقة التعاقدية بين الطرفين ولما كانت المدعية لم تجادل في صحّة هذا الاتفاق بالارتكان إلى القضاء الإنجليزي الأمر الذي يكون معه القضاء العُماني غير مختص بنظر الدعوى.

هذا القضاء لم يلق قبولاً من المدعية المحكوم ضدها فاستأنفته وبتاريخ ٢٣ / ٥ / ٢٠١٦م حكمت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف موضوعًا وتأييد الحكم المستأنف.

مؤسسة قضاءها على أنّ ما تدعيه المستأنفة (الطاعنة الآن) من أنّ الدعوى هي دعوى مدنية قائمة على المسؤولية التقصيرية تكون بطبيعتها من أنظار محاكم سلطنة عُمان هو دفع غير سديد ذلك أن القيام قد تأسس على الاتفاق الرابط بين الطرفين وعلى ادعاء إخلال المستأنف ضدها بالتزاماتها التعاقدية في نقل وقود الديزل من ميناء صحار إلى الجهات المتعاقدة وكانت الطلبات كلها تستند على   الاتفاق المبرم بين الطرفين وتبعًا لذلك يكون القيام قد تأسس على المسؤولية التعاقدية وبالتالي فإنّ المادة (٥٧) من قانون الإجراءات المدنية تقتضي بأنه إذا اتفق على اختصاص محكمة معيّنة يكون الاختصاص لهذه المحكمة وبذلك يكون الحكم الابتدائي في طريقه لما قضى بعدم الاختصاص نفاذًا لبنود العقد فتعينّ تأييده.

فطعنت فيه الطاعنة بطريق النقض بموجب صحيفة أودعت أمانة سر المحكمة العليا موقعة من محام مقبول أمامها مرفقًا بها سند الوكالة ومصحوبة بما يفيد سداد الرسوم المقررة والكفالة، وأعلنت المطعون ضدها بصحيفة الطعن فاستعملت حقها في الرد.

وحيث أقيم الطعن على سببين اثنين تنعى بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.

الخطأ في تطبيق القانون:

مخالفة المادة (٨) من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم رقم (٩٥ / ٩٩) والتي تنص على اختصاص المحاكم العُمانية الوارد ذكرها في المادة (١) منه بالحكم في الدعاوى المدنية والتجارية الخ…

وأنّ دعوى الطاعنة تضمنت طلبات منشؤها المسؤولية التقصيرية وبالتالي ينعقد لواء الاختصاص بنظرها لمحاكم القضاء العُماني وفقًا للمادة (٨) السالف ذكرها.

مخالفة المادة (٢٩) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية التي تنص على اختصاص المحاكم العُمانية بنظر الدعاوى التي ترفع على العُماني سواء كان شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة معروف في السلطنة، وبالنسبة للمطعون ضدها فهي شركة عُمانية مسجلة لدى وزارة التجارة والصناعة ولها مقر معروف في السلطنة ولذلك ينعقد الاختصاص نظر الدعاوى التي تقام ضدها ومن بينها الدعوى الماثلة للمحاكم العُمانية فقط، والحكم المطعون فيه الذي قضى بخلاف ذلك فهو موجب للإلغاء والفصل في الدعوى.

ومن جهة أخرى فإنّ معظم طلبات الطاعنة منشؤها المسؤولية التقصيرية وأساسها الفعل الضار المتمثل في تعرّض السفينة للحجز والمنع من مغادرة السلطنة.  القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال:

بمقولة أنّ الحكم المطعون فيه جاء قاصرًا في التسبيب وفاسدًا في الاستدلال ووقع في خطأ فادح حينما اعتبر أنّ جميع الطلبات المقدّمة في الدعوى قائمة على أساس العقد في الوقت الذي لم تكن فيه كل طلبات الطاعنة ناشئة عن العقد وبناء عليه يصبح الحكم المطعون فيه مشوبًا بالقصور.

ومن ناحية أخرى فإنّ من أهم واجبات المحكمة تكييف الطلبات التي يقدّمها أطراف التداعي وذلك ببيان منشأها وأساسها القانوني ومن ثمّ إسباغ التكييف الصحيح والسند القانوني عليها حيث لا تقف المحكمة على ظاهر الأوراق المقدّمة من الأطراف أو على أساس تكييفهم لأساس التداعي بل من واجبها تمحيص كل طلب من الطلبات المقدّمة ومن ثمّ إسدال التطبيق القانوني الصحيح عليه وبذلك جاء الحكم المطعون فيه قاصرًا في التسبيب عندما قضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر جميع الطلبات المقدّمة في الدعوى ثم أنّ الطاعنة تصرّفت في نقلها للوقود طبق توجيهات وتعليمات المطعون ضدها المالكة لوقود الديزل المنقول ولذلك يتوجب القضاء بإلزام المطعون ضدها بقيمة الأضرار المباشرة والغير مباشرة التي لحقت بالطاعنة واستخدامها لسفينة الطاعنة لنقل الوقود غير المسموح بنقله وبيعه خارج السلطنة.

وبناء على كل ما تقدّم فهي تطلب النقض والتصدي والقضاء من جديد لصالح الدعوى.

واحتياطيًّا النقض مع الإحالة لإعادة النظر في الدعوى بهيئة مغايرة.

وحيث جاء بمذكرة الرد على صحيفة الطعن المحررة من طرف محامي المطعون ضدها أنّ الحكم المطعون فيه طبّق القواعد القانونية الصحيحة وذلك وفقًا لنص المادة (٥٧) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، ولما كانت المستندات التي قدّمتها الطاعنة للمحكمة قد اشتملت على خطاب الضمان الموحد للتعويض والذي ينص في البند (٧) على أنّ التعهد يخضع للقانون الإنجليزي ويتم تفسيره طبقًا له، وهذا ما أسست عليه محكمة الموضوع بدرجتيها حكمها استنادًا لهذا البند (٧) بأن القانون الإنجليزي هو المفسر للعقد وانّ القضاء الإنجليزي هو المختص بنظر الدعوى المتعلقة بالعلاقة التعاقديّة بين الطرفين.

ولما كانت المدعية (الطاعنة الآن) لم تجادل في صحّة هذا الاتفاق بالارتكان  إلى القضاء الإنجليزي الأمر الذي يكون معه القضاء العُماني غير مختص بنظر الدعوى، وهو ما ذهبت إليه المحكمة فجاء قضاؤها سليمًا وليس فيه أي مخالفة للقانون مما يتعينّ معه رفض الطعن.

أما عن المطعن الثاني فإنّ المطعون ضدها تردّ بأنّه ليس صحيحًا أنّ طلبات الطاعنة كان منشؤها المسؤولية التقصيرية وإنما العلاقة بين الطرفين كان منشؤها المسؤولية التعاقدية وهي محددة بأطرافها ونطاقها فإذا أصاب أحد المتعاقدين ضرر بسبب إخلال أحدهما بالعقد فإنه يتعينّ الأخذ بأحكام العقد وبما هو مقرر في القانون بشأنه باعتبار أنّ هذه الأحكام وحدها هي التي تضبط كل علاقة بين الطرفين بسبب العقد سواء عند تنفيذه أو عند الاخلال بتنفيذه ولما كان ذلك وكان من شروط العقد هو ما ورد في البند (٧) بأن القانون الإنجليزي هو القانون المفسر للعقد وأنّ القضاء الإنجليزي هو المختص بنظر الدعوى المتعلقة بالعلاقة بين الطرفين الأمر الذي لا يجوز معه الأخذ بالمسؤولية التقصيرية التي لا يرتبط المضرور فيها بعلاقة عقدية سابقة لما فيها من إهدار لنصوص العقد.

كما أنّ الطاعنة قد ثبت بحكم قضائي حائزا لحجيّة الأمر المقضي فيه أنّ قبطان السفينة ومدير العمليات فيها قد ارتكبا جريمة أدّت إلى ضبط السفينة والقضاء بمصادرتها كما أنّ موظفي الطاعنة قاموا بارتكاب الواقعة خارج نطاق القانون وبناءً عليه تم احتجاز السفينة مما ألحق بها ضررًا وكان ذلك بسبب من الطاعنة نفسها ممثلة في قبطان السفينة المدعو…. ومدير العمليات بالشركة الطاعنة المدعو….، وتم ذلك بالاتفاق مع أحد موظفي مصفاة نفط عُمان وبين اثنين من موظفي المطعون ضدها وكان ذلك بصفتهما الشخصية ولا علاقة بالشركة المطعون ضدها بالفعل الغير مشروع وكان هذا بموجب حكم قضائي حائزًا لحجيّة الأمر المقضي فيه والذي انتهى إلى أنّ المتهمين في الجريمة جميعهم شركاء فيها بصفتهم الشخصية ولا علاقة للمطعون ضدها بهذا الفعل الغير مشروع والتي لم تستفد منه وبالتالي لا يحق للطاعنة المطالبة بالتعويض استنادًا للمسؤولية التقصيرية لانتفاء صلة المطعون ضدها بالفعل الذي ألحق ضررًا بالطاعنة لأن الضرر كان نتيجة للفعل الضار الذي ارتكبه ملاكها ومدير العمليات فيها، الأمر الذي يجعل تمسّك الطاعنة بأن أساس دعواها هو المسؤولية التقصيرية لا أساس له من الواقع والقانون مما يستوجب رفضه.  ومن جهة أخرى وخلافًا لما أوردته الطاعنة من أنّ نقل وقود الديزل كان وفق توجيهات وتعليمات المطعون ضدها وإنما كان ذلك بقيام الطاعنة ممثلة في موظفيها بشراء الكميات وقيامهم بتهريبها لحسابهم الخاص إلى خارج البلاد، والدليل على ذلك أن الادعاء العام قام بتوجيه الاتهام إلى موظفي المطعون ضدها بصفتهما الشخصية لأن تصرّفهما كان لا صلة له بشركة المها ولم يثبت حصولها على أي نفع ولم يثبت وجود ثمّة علاقة بين الشركة المطعون ضدها وبين التصرّف الذي قام به موظفوها، كما أنّ المتسبب في احتجاز السفينة والقضاء بمصادرتها هما قبطان السفينة ومدير العمليات فيها الأمر الذي يقطع بعدم صحّة ما أوردته الطاعنة في طعنها كما أنّه لا وجود لعلاقة تربط بين المطعون ضدها وشركة هايبر ماكس للتجارة.

وبناء على كل ما تقدّم فهي تطلب رفض الطعن.

المحكمة

من حيث الشكل:

حيث أنّ الطعن استوفى جميع أوضاعه وصيغه القانونية فهو بذلك حري بالقبول من الناحية الشكلية.

من حيث الموضوع:

حيث أنّ النعي على الحكم المطعون فيه بسببي النعي مجتمعين لتداخلهما سديد ذلك أن المحكمة المطعون في حكمها قد أسست قضاءها على العقد واعتبرته أساسً ا للقيام وخاصة البند (٧) منه الذي يمنح الاختصاص بالنظر في النزاع الذي ينشأ بين طرفي العقد للقضاء الإنجليزي لتعلن عدم اختصاصها بالنظر.

وحيث أنّ هذا القضاء يكون صحيحً ا لو أنّ العقد المبرم بين الطرفين لم يتولّد عنه فعل غير مشروع قانونًا ينطوي تحت طائلة القانون الجزائي.

أما وأنّ الفعل المرتكب بمناسبة تنفيذ العقد أدى إلى الإضرار بالطرف المقابل وصدر في شأنه حكم جزائي بالإدانة والعقاب وحجز السفينة لمدّة معيّنة قبل الإفراج عنها وإرجاعها لمالكها وأصبح هذا الحكم باتًا، مما تتحقق معه المسؤولية عن الفعل الضار تأسيسًا على أنّه إخلال بالتزام قانوني، فإنّ المحاكم العُمانية تصبح مختصة بالنظر في الدعوى على اساس المسؤولية التقصيرية وبذلك فإنّ محكمة الحكم المطعون فيه بقضائها السالف ذكره تكون قد كيّفت الدعوى تكييفًا غير صحيح فجاء حكمها مجانبًا للصواب وهو تبعًا لذلك متعينّ النقض، والتصدي   للاستئناف رقم (٣٢٠ / ٢٠١٦م).

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والتصدي للاستئناف رقم (٣٢٠ / ٢٠١٦م) بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء من جديد باختصاص القضاء العُماني وإحالة الدعوى إلى المحكمة الابتدائية بمسقط لتحكم فيها، وألزمت المطعون ضدها بالمصاريف ورد الكفالة للطاعنة.