التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ١٠٧ / ٢٠١٧م

2017/107 107/2017 ٢٠١٧/١٠٧ ١٠٧/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٢٨ / مارس / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان

(٣٨)
الطعن رقم ١٠٧ / ٢٠١٧م

– أدلة « أقوال المجني عليه القاصر». قانون « تطبيق المادة ١٨٦ إجراءات جزائية».

– أجازت المادة (١٨٦) من قانون الإجراءات الجزائية لمحكمة الموضوع الاستئناس بأقوال المجني عليه القاصر مع باقي الأدلة وقرائن الأحوال فلا تثريب على المحكمة إن هي أخذت بأقوال المجني عليه القاصر على سبيل الاستئناس واطمأنت إليها وآنست فيها الصدق ومطابقتها مع باقي الأدلة الأخرى وانسجامها معها.

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهم (الطاعن) إلى محكمة الاستئناف بعبري (محكمة الجنايات)؛ لأنه بتاريخ (٢٩ / ٥ / ٢٠١٦م) بدائرة اختصاص مركز شرطة عبري:

تحرَّش جنسياً بالمجني عليه الطفل…………………البالغ من العمر (٨) سنوات وذلك بأن قام بخلع ملابسه ثم ممارسة العادة السرية أمامه حتى أمنى على ملابسه، وفق الثابت بالأوراق والمعزز باعترافه.

وطالب الادعاء العام بمعاقبته بالمادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل.

وبجلسة (٦ / ١٢ / ٢٠١٦م) حكمت المحكمة بإدانة المتهم (الطاعن) بما هو منسوب إليه وقضت بمعاقبته بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة قدرها (٠٠٠ ،٥ ر.ع) خمسة آلاف ريال.

لم يرتض الطاعن (المحكوم عليه) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٢٢ / ١٢ / ٢٠١٦م) بأمانة سر   المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول أمام المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن وقدم سند وكالته عنه التي تتيح له ذلك وقد تم إعلان المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد.

وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدَّعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع إذ أخطأ في وصف الفعل الذي ارتكبه فلم يُعطه الوصف القانوني الصَّحيح ذلك أن الادعاء العام  ومن بعده محكمة الجنايات  وجَّه إليه تهمة التحرش الجنسي المؤثمة بالمادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل وكان مناط الأمر في جريمة التحرش هو استغواء الآخر وإثارة عواطفه وغرائزه الجنسية ودفعه لممارسة فعل مذموم ومحرَّم والتحرش يفترض في المتحرش أن تصدر منه أفعال يكون من شأنها إثارة غرائز المجني عليه والتهييج الجنسي والاستهواء والانتشاء والتلذذ وهو ما لم يصدر منه ومن ثم تنعدم أركان جريمة التحرش الجنسي في حقه وأن فعله لا يعدو أن يكون مجرد تهديد للمجني عليه بالضرب في حال إحداثه فوضى في الحافلة التي كان يتولى قيادتها كما أن الحكم عوَّل على اعترافه لدى الشرطة وأمام الادعاء العام رغم تراجعه عنه أمام المحكمة ودفع بتعرضه للضغط والإكراه المادي والمعنوي من قبل جهات التحقيق إلا أن الحكم التفت عن دفعه هذا فلم يحققه ولم يرد عليه كما عوَّل الحكم على التحقيقات السابقة على المحاكمة رغم عدم حجيتها في الإثبات وعوَّل على شهادة المجني عليه التي لا تصلح كدليل لإدانته لأنه طفل ناهيك عن أن شهادته غير محايدة كما أن نتيجة الفحص البيولوجي للعينات المحرزة لا تصلح هي كذلك دليلاً ضده لأن حجيتها نسبية وقد عبرَّ عن رفضه نتيجة ذلك الفحص وقدم اعتراضه عليه كما طلب من المحكمة عرض العينة على مختبر آخر لإعادة فحصها ذلك أن العينة التي أخذت منه تمت بطريقة غير مشروعة ودون طواعية منه إلا أن المحكمة التفتت   عن ذلك فضلاً عن أن الحكم شدد عليه العقوبة وبالغ فيها على نحو لا يتناسب مع الأفعال المسندة إليه، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.

وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه غير سديد ذلك أنه من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن استخلاص الواقع في الدَّعوى والصورة الصَّحيحة لها وتقدير الدليل فيها ووزن البينات هو من المسائل التي تستقلُّ بها محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وقادرة على حمله وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع المحكمة من جميع عناصر الدعوى المطروحة عليها ولها كامل الحرية في أن تستمدَّ اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ومن أية بيِّنة أو قرينة ترتاح إليها طالما أن لكل ذلك مأخذه الصحيح من الأوراق ولا يصحُّ مطالبتها بالأخذ بدليل دون الآخر ولا يلزم في الأدلة التي يُعوِّل عليها الحكم أن تكون مفصَّلة بحيث يُنبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ إن الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكوَّن عقيدة المحكمة فلا يُنظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها وحدة واحدة تؤدي إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولو عن طريق الاستنتاج طالما أن القانون لم يُحدِّدْ وسيلة معينة لإثبات الجريمة ولا يلزم أن يتحدَّث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان الجريمة التي أدانه بها ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه وخلص إلى التكييف القانوني الصَّحيح مبيناً عناصرها القانونية وأدلتها وبنى قضاءه على أدلة متساندة تؤدي إلى ما خلص إليه كما أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع وكان مطروحاً على بساط البحث كما أن المحكمة ليست ملزمة بنص الاعتراف وظاهره بل لها أن تجزئه وتأخذ منه ما تطمئن إلى صدقه وتطرح ما سواه مما لا تثق به ولا يلزم في الاعتراف أن يرد على الواقعة بكافة تفاصيلها بل يكفي أن يرد على وقائع تستنتج منها المحكمة ومن باقي عناصر الدَّعوى اقتراف الجاني للجريمة المسندة إليه.

لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بينَّ واقعة الدَّعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي أدان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه أدلة سائغة استقاها من أقوال الطفل المجني عليه……………. البالغ من العمر (٨)   سنوات التي استأنست بها المحكمة من أنه وعند العودة مع المتهم (الطاعن) الذي يقود الحافلة وإذ لم يكن معهما أحد قام المتهم بفسخ ملابسه وملابس المجني عليه وتحرش به وبال عليه أي أمنى عليه بعد أن أعطاه حلوى ومما أسفرت عنه نتيجة الفحص الفني المختبري البيولوجي من اكتشاف آثار منوية على الهاف الداخلي للمجني عليه وبتصنيف الحمض النووي للمني المكتشف بنظام الحمض النووي تبينَّ أن فصيلته تطابق فصيلة الحمض النووي لعينة الدم الواردة للمشتبه به ………….. (الطاعن) ومن اعتراف الطاعن على نفسه أمام الادعاء العام من أنه وبتاريخ الواقعة الذي صادف يوم الأحد وفي الوقت الذي ينقل فيه الطلاب إلى مركز تحفيظ القرآن في حي النهضة وإذ كان المجني عليه الطفل داخل الحافلة أثناء العودة من مركز تحفيظ القرآن وإذ كان يقوم بأعمال وحركات فوضوية طلب منه التوقف عن ذلك وكان هو آخر طفل يقوم بإنزاله وعند الوصول إلى قرب منزل المجني عليه قام بإيقاف الحافلة وكان المجني عليه يجلس بالقرب منه في كرسي المرافق فأنزل هاف المجني عليه الطفل ثم قام هو برفع إزاره ودشداشته وتحريك عضوه الذكري أمام المجني عليه حتى أمنى في يده وملابسه ولامس هاف المجني عليه ثم طلب منه ارتداءه وأنزله قرب منزله.

لما كان ذلك وكان ما أورده الحكم في أسبابه من أدلة على النحو السالف بيانه سائغاً ومقبولاً حصَّله تحصيلاً سليماً مما له أصله الثابت بالأوراق بما يفيد أنه محَّص الدعوى تمحيصاً دقيقاً وأحاط بظروفها وملابساتها إحاطة كافية وألمَّ بأدلتها إلماماً شاملاً وكان عماد الأدلة مستخلصاً من اعتراف الطاعن على نفسه أمام الادعاء العام وكان من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع وأن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدَّعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها في ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد ردَّ برد سائغ على ما دفع به الطاعن من أن اعترافه كان وليد إكراه وتبينَّ للمحكمة بعد تحقيق هذا الدفع أن اعتراف الطاعن أمام الادعاء العام وإقراره سليم من أي عيب يشوبه واطمأنت إليه فلا معقب عليها في ذلك.

كما أجازت المادة (١٨٦) من قانون الإجراءات الجزائية لمحكمة الموضوع الاستئناس بأقوال المجني عليه القاصر مع باقي الأدلة وقرائن الأحوال ولها أن تستمدَّ اقتناعها من أي دليل طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصَّحيح من الأوراق وكان مطروحاً   على بساط البحث فليس على المحكمة من تثريب إن هي أخذت بأقوال المجني عليه القاصر على سبيل الاستئناس واطمأنت إليها وآنست فيها الصدق ومطابقتها مع باقي الأدلة الأخرى وانسجامها معها.

وكان من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن باقي الأدلة فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما سواه ولا يُقبل مصادرة سلطة المحكمة في هذا التقدير ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما ورد في تقرير المختبر الجنائي الذي اتخذته دليلاً ضمن أدلة الدَّعوى فلا يجوز مجادلة المحكمة في هذا الشأن ولا مصادرة عقيدتها فيه أمام المحكمة العليا.

ولما كان الإثبات في المواد الجزائية بحسب الأصول باستثناء ما ورد في شأنه نص خاص هو اقتناع القاضي واطمئنانه إلى الأدلة المقدمة إليه في الدَّعوى وكان من المقرَّر أنه بحسب الحكم كي يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه وكان ما أورده الحكم على النحو السالف بيانه وما أورده الحكم رداً على ما دفع به الطاعن سائغاً ومقبولاً ويتفق مع صحيح القانون.

ولما كانت قناعة المحكمة وليدة ما يطمئن إليه وجدانها ويرتاح إليه ضميرها فإن ذلك من سلطتها متى كان قضاؤها سائغاً وله ما يبرره فلا رقابة للمحكمة العليا عليها في بناء وتكوين عقيدتها وقد برَّر الحكم ما انتهى إليه بما يرفع عنه النيل من سلامته ويجعل أسباب الطعن المرفوع في هذه الواقعة مجرد جدل موضوعي حول السلطة التقديرية الموكولة لمحكمة الموضوع في استخلاص صورة الواقعة ووزن أدلتها وتكوين عقيدتها الجازمة وهو ما لا يجوز إثارته أمام المحكمة العليا.

لما كان ذلك وكان من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن تقدير العقوبة وإعمال الظروف التي تراها المحكمة مشددة أو مخففة هو من سلطة محكمة الموضوع ما دامت العقوبة التي قضى بها الحكم تدخل في حدود العقوبة المقرَّرة قانوناً ولما كان الطاعن قد أدين بالمادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل وكانت العقوبة المقضي بها عليه تدخل في حدود العقوبة المقرَّرة قانوناً للجريمة التي أدين بها فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا محل له.  لما كان ذلك وكان ما تقدَّم فإن الطعن برمته يكون غير سديد بما يتعينَّ معه القضاء برفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات عملاً بالمادة (٢٢٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.