التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ٦٦٥ / ٢٠١٧م

2017/665 665/2017 ٢٠١٧/٦٦٥ ٦٦٥/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٩ / ديسمبر / ٢٠١٧م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة:سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان

(٥٩)
الطعن رقم ٦٦٥ / ٢٠١٧م

– الأحراز» إجراءات تحريزها».

-إن إجراءات تحريز المضبوطات وفق ما نصَّت عليه المادة (٨٧) وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها أي بطلان وترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة لسلامة الدليل وأن الأحراز المضبوطة لم يصل إليها العبث.

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ  من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن

الادعاء العام أحال المتهمين: (١)…. (٢)….(٣)….إلى محكمة الاستئناف بمسندم (محكمة الجنايات)؛ لأنهم بتاريخ (١٣ / ١ / ٢٠١٥م) بدائرة اختصاص إدارة مخدرات مسندم:

أولاً: بالنسبة للمتهمين جميعاً:

حازوا بقصد الاتجار مواد مخدرة من أنواع الحشيش والهيروين والميثادون المدرجة في الجدول رقم (١) من المجموعة الأولى من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ومؤثرات عقلية من نوع الميثامفيتامين المدرج في الجدول رقم (٢) والترامادول المدرج في الجدول رقم (٣) والديازيبام المدرج في الجدول رقم (٤) من المجموعة الثانية من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وفق الثابت بالتقرير الفني للفحوص الكيميائية.

ثانياً: بالنسبة للمتهمَينْ الثاني والثالث:

هرَّبا مواد مخدرة من أنواع الحشيش والهيروين والميثادون المدرجة في الجدول رقم (١) من المجموعة الأولى من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ومؤثرات عقلية من نوع الميثامفيتامين المدرج في الجدول رقم (٢) والترامادول المدرج في الجدول رقم (٣) والديازيبام المدرج في الجدول رقم (٤) من المجموعة الثانية من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وفق الثابت بالتحقيقات.

ثالثاً: بالنسبة للمتهم الثاني:

١ . نقل مواد مخدرة من أنواع الحشيش والهيروين والميثادون المدرجة في الجدول رقم (١) من المجموعة الأولى من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ومؤثرات عقلية من نوع الميثامفيتامين المدرج في الجدول رقم (٢) والترامادول المدرج في الجدول رقم (٣) والديازيبام المدرج في الجدول رقم (٤) من المجموعة الثانية من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وفق الثابت بالتحقيقات.

٢ . حاز بقصد التعاطي مواد مخدرة من نوع الهيروين المدرج في الجدول رقم (١) من المجموعة الأولى من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وفق الثابت بالتقرير الفني للفحوص الكيميائية.

رابعاً: بالنسبة للمتهم الثالث:

تعاطى مخدر المورفين المدرج في الجدول رقم (١) من المجموعة الأولى من ملحق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، وفق الثابت بالتقرير الفني للفحوص الكيميائية.

خامساً: بالنسبة للمتهمَينْ الأول والثاني:

قاوما مأموري الضبط القضائي مقاومة سلبية أوقفت عملاً شرعياً وذلك بأن رفضا إعطاء عينة من بولهما تمهيداً لإخضاعها للفحص الفني من قبل المختصين في المختبر الجنائي، وذلك وفق الثابت باستمارة إجراء الفحص المخبري.

وطالب الادعاء العام بمعاقبة المتهمين جميعاً بالجناية المؤثمة بالمادة (٤٤ / ١) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ومعاقبة المتهمَينْ الثاني والثالث بالجناية المؤثمة بالمادة (٤٣ / ١) من ذات القانون ومعاقبة المتهم الثاني بالجناية المؤثمة بالمادة (٤٤ / ٢) من ذات القانون والجُنحة المؤثمة بالمادة (٤٧) من ذات   القانون ومعاقبة المتهم الثالث بالجُنحة المؤثمة بالمادة (٦٤) بدلالة المادة (٢) من  القانون ومعاقبة المتهمَينْ الأول والثاني بالجُنحة المؤثمة بالمادة (١٧١) من ذات قانون الجزاء.

وبجلسة (٢٣ / ٦ / ٢٠١٥م) حكمت المحكمة: أولاً: بإدانة المتهمين جميعاً بجناية حيازة مواد مخدرة ومؤثرات عقلية بقصد الاتجار وقضت بمعاقبة كل واحد منهم بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها (٠٠٠.٣ ر.ع) ثلاثة آلاف ريال، ثانياً: إدانة المتهمَينْ الثاني والثالث بجناية تهريب مواد مخدرة ومؤثرات عقلية وقضت بمعاقبة كل واحد منهما بالسجن سبع سنوات وغرامة قدرها (٠٠٠.٢٥ ر.ع) خمسة وعشرون ألف ريال، ثالثاً: إدانة المتهم الثاني بجناية نقل مواد مخدرة ومؤثرات عقلية وجنحة حيازة مواد مخدرة بقصد التعاطي وقضت بمعاقبته عن الأولى بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها (٠٠٠.٣ ر.ع) ثلاثة آلاف ريال وعن الثانية بالسجن سنة وغرامة قدرها (٥٠٠ ر.ع) خمسمائة ريال، رابعاً: إدانة المتهم الثالث بجُنحة تعاطي مواد مخدرة وقضت بمعاقبته بالسجن سنة وغرامة قدرها (٥٠٠ ر.ع) خمسمائة ريال، خامساً: إدانة المتهمَينْ الأول والثاني بجُنحة مقاومة موظف وقضت بمعاقبة كل واحد منهما بالسجن شهراً وغرامة قدرها (٢٠ ر.ع) عشرون ريالاً، سادساً: تدغم العقوبات الأخف في الأشد وتنفذ العقوبة الأشد، سابعاً: مصادرة المخدرات والمؤثرات العقلية المضبوطة لأجل إتلافها.

لم يرتض المحكوم عليهم بهذا القضاء فطعنوا فيه بالطعون أرقام (٧٣٦، ٧٣٧، ١٠٠٧  /  ٢٠١٥) أمام المحكمة العليا التي قضت بتاريخ (٢ / ٢ / ٢٠١٦م) بقبول الطعون شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدَّعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.

وبجلسة (١٨ / ٤ / ٢٠١٧م) حكمت محكمة الاستئناف بمسندم (محكمة الجنايات)  بهيئة مغايرة: أولاً: ببراءة المتهمَينْ الثاني والثالث من جناية تهريب مواد مخدرة ومؤثرات عقلية، ثانياً: براءة المتهم الثاني من جناية نقل مواد مخدرة ومؤثرات عقلية ومن جنحة تعاطي مواد مخدرة، ثالثاً: إدانة المتهمين جميعاً بجناية حيازة مواد مخدرة ومؤثرات عقلية بغير قصد الاتجار والتعاطي وفي غير الأحوال المرخص بها قانوناً وقضت بمعاقبة كل منهم بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها (٠٠٠.٢ ر.ع) ألفا ريال، رابعاً: إدانة المتهم الثالث بجُنحة تعاطي مواد مخدرة وقضت بمعاقبته عنها بالسجن سنة وغرامة قدرها (٠٠٠.١ ر.ع) ألف ريال، خامساً: إدانة المتهمَينْ الأول والثاني بالجُنحة المؤثمة بالمادة (١٧١) من قانون الجزاء وقضت بمعاقبة كل منهما بالسجن شهراً وغرامة قدرها (٢٠ ر.ع) عشرون ريالاً، سادساً:

تدغم العقوبات الأخف في الأشد، سابعاً: مصادرة المخدرات والمؤثرات العقلية المضبوطة وإلزام المتهمين المصاريف الجزائية.

لم يرتض الطاعنان (المحكوم عليهما الأول والثالث) بهذا القضاء فطعنا فيه بالنقض أمام المحكمة العليا للمرة الثانية بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٢٤ / ٥ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أُودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول أمام المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعنين وقدَّم سند وكالته عنهما التي تتيح له ذلك وأُعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد.

وقدَّم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الهيئة المغايرة لم تتقيَّد بما جاء في حكم المحكمة العليا الناقض للحكم السَّابق ووقعت في ذات القصور الذي وقع فيه الحكم المنقوض إذ خالف حكمها المادة (٢٦٣) من قانون الإجراءات الجزائية التي توجب على محكمة الموضوع التي أُعيدت إليها الدَّعوى أن تلتزم بحكم المحكمة العليا إذا كان نقض الحكم مبنياً على مسألة قانونية وأن أسباب الحكم جاءت متناقضة غير متسقة مع بعضها إذ جاء في الحكم أن المحكمة تطمئن إلى شهادة شهود الإثبات وتعوِّل على شهادتهم في إدانتهما بجناية حيازة مواد مخدرة بغير قصد الاتجار فالحكم يستبعد من جهة توافر قصد الاتجار أو التعاطي من حيازتهما لتلك المواد المخدرة ويقرِّر تعديل الوصف القانوني للواقعة ويعتبر أن الفعل يشكل في حقهما جناية حيازة مواد مخدرة مجرَّدة من أي قصد ومن جهة أخرى يُفصح عن اطمئنانه لشهادة أفراد الضبطية القضائية التي انصبَّت حول توافر قصد   الاتجار من حيازة تلك المواد المخدرة فلا يستقيم الحال أن يناقض تلك الشهادات بعد أن اطمأن إليها وركن إليها وأفصح عن ثقته بها وأسَّس حكمه بالإدانة عليها ثم يستنبط منها ما يغاير ويناقض رأيه في التكييف القانوني السَّليم للواقعة إذ لا بد أن يكون الدليل المستمد من أصله غير قابل للتجزئة والانقسام ويجري طرحه في أسباب الحكم على نحو متناسق ومتناغم لا يشوبه العوج إذ من المقرَّر أنه إذا تناقضت أسباب الحكم تناقضاً بيِّناً في التدليل على أهم نقطة في الدَّعوى فإن هذا يعتبر من العيوب الجوهرية التي يترتب عليها نقض الحكم وأن المحكمة لم ترد برد سائغ على دفوعهما المتمثلة في بطلان التحريات لعدم جديتها ولخلوها من أية بيانات لهما وعدم اشتمالها على الوقت الذي حُرِّرت فيه والمدة التي استمر فيها جمع المعلومات ولم تفصح المحكمة عن مدى اطمئنانها وثقتها بما جاء فيها من معلومات مشوبة بالنقصان والتجهيل ولم ترد على دفوعهما ببطلان القبض والتفتيش لابتنائهما على تحريات باطلة وغير جدية وجاء ردها غير مقنع مجهلاً وغامضاً في هذا الشأن وأن الحكم استند إلى ضبط المواد المخدرة في حوزتهما كدليل للإدانة رغم أن هذا الدليل باطل كونه مستمداً من تفتيش باطل لأنه ناتج عن قبض غير مشروع وأنهما دفعا ببطلان محاضر التحقيق في الشرطة لمباشرتها من قبل مأموري الضبط القضائي بالمخالفة للمادة (٧٥) من قانون الإجراءات الجزائية التي أوجبت أن يتم التحقيق عن طريق أعضاء الادعاء العام حصراً دون غيرهم وأنهما دفعا ببطلان محاضر التحقيق في الادعاء العام لأنهما عُرضا على الادعاء العام بعد مضي (٤٨) ساعة من تاريخ إلقاء القبض عليهما بالمخالفة للمادة (٧٠) من ذات القانون كونه إجراءً وجوبياً يلتزم به مأمورو الضبط القضائي بعرض المتهم على الادعاء العام خلال المدة القانونية ولا يجوز تجاوز تلك المدة وإلا كان الإجراء باطلاً لا يصححه أي إجراء آخر وأنهما دفعا ببطلان الاعتراف المسند إليهما في التحقيقات السَّابقة على المحاكمة كونه وليد إكراه مادي ومعنوي وقد عوَّل عليه الحكم دون أن يُفصح عن مدى استقلال هذا الدليل عن الإجراءات الباطلة التي وقعت في مواجهتهما وأنهما دفعا ببطلان محضر تحريز المواد المخدرة لعدم اتباع مأموري الضبط القضائي لشروط التحريز وعدم قيامهم بتدوين محضر تفتيش يُثبت ضبط تلك المواد المخدرة واسم القائم بالضبط بالمخالفة للمادة (٩٧) من ذات القانون، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.

وحيث إنه من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن استخلاص الواقع في الدَّعوى والصورة الصَّحيحة لها وتقدير الدليل فيها ووزن البيِّنات هو من المسائل التي تستقلُّ بها   محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وقادرة على حمله وأن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع المحكمة من جميع عناصر الدَّعوى المطروحة عليها ولها كامل الحُرية في أن تستمدَّ اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه ومن أية بيِّنة أو قرينة ترتاح إليها طالما أن لكل ذلك مأخذه الصحيح من الأوراق ولا يصحُّ مطالبتها بالأخذ بدليل دون الآخر ولا يلزم في الأدلة التي يُعوِّل عليها الحكم أن تكون مفصَّلة بحيث يُنبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ إن الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكوَّن عقيدة المحكمة فلا يُنظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها وحدة واحدة تؤدي إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ولو عن طريق الاستنتاج كما أنه من المقرَّر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وُجِّه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع تقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها اطَّرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها وأن تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها أو مع أقوال شاهد آخر على فرض حصوله لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ولا تضارب وما دام لم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في عقيدته كما أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها بل يكفي أن يكون من شأنها أن تؤدي إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدْر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.

لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بينَّ واقعة الدَّعوى بما تتوافر به كافة العناصر والأركان القانونية للجرائم التي أدان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستقاة من شهادات شهود الإثبات والتقارير الفنية وهي أدلة سائغة طُرحت على بساط البحث في الجلسة في مواجهة الخصوم ونوقشت من دفاع الطاعنين على النحو الوارد في مذكرتيهما المقدَّمتين أمام محكمة الموضوع والمرفقتين بأوراق الطعن وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وقد أوردها الحكم بما لا تناقض فيه ولا تضارب وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدَّعوى على نحو يدل على أنها محَّصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الشأن يكون غير سديد.  لما كان ذلك وكان من المقرَّر أن إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما يقيمها على ما ينتجها وأنه ليس ثم ما يمنع محكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها من تجزئة تحريات الشرطة وأقوال شهود الإثبات فتأخذ منها ما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ومن سلطتها التقديرية أن ترى فيها ما يكفي لإسناد واقعة إحراز أو حيازة المخدر للمتهم ولا ترى فيها ما يقنعها بأن هذا الإحراز كان بقصد الاتجار أو بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي متى بنت ذلك على اعتبارات سائغة، ولما كان ذلك وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في ذلك الشأن يكفي لتبرير ما انتهى إليه من أن حيازة الطاعنين للمخدر المضبوط لم تكن بقصد الاتجار وأن حيازتهما له كانت مجرَّدة من القصود فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدَّعوى وهو ما لا يصح إثارته أمام المحكمة العليا.

لما كان ذلك وكان من المقرَّر أنه يكفي لصحة إصدار الإذن الصَّادر بالقبض والتفتيش أن يكون مأمور الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معيَّنة (جناية أو جُنحة) قد وقعت من شخص معينَّ وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية أو الشبهات المقبولة ضد هذا الشخص الذي يطلب الإذن بضبطه وتفتيشه وتفتيش مسكنه بقدْر يبرر تعرُّض التحقيق لحرمته أو حرمة مسكنه في سبيل كشف مبلغ اتصاله بتلك الجريمة وكان من المقرَّر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى اقتنعت المحكمة بجدية الاستدلالات التي بُني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون وكانت المحكمة قد أوردت في حكمها ما يفيد اطمئنانها للتحريات التي أجريت والتي بُني عليها إذن التفتيش بقولها: «…

وحيث إن هذه المحكمة تطمئن لشهادة المقدم…. وما شهد به من أن تحرياته دلته على حيازة المتهم الثاني لمواد مخدرة وأنه يعتزم تسليمها للمتهم الأول وأنه بناءً على ذلك استصدر إذناً بضبط المتهمين وتفتيش مسكن الثاني…» وهو ما يفيد اقتناعها بجدية تلك التحريات التي بُني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وكان عدم إيراد ما قرره الطاعنان في أسباب طعنهما في محضر الاستدلال لا يقدح بذاته في جدية ما تضمَّنه من تحريات ومن ثم فإن فيما أورده الحكم في ذلك الشأن ما يكفي للرد على دفع الطاعنين في ذلك الصدد ويكون ما يثيرانه في هذا الخصوص غير سديد كما يكون تعويل الحكم على ما أسفر عنه القبض والتفتيش وأخذ الطاعنين   بنتيجتهما وبمجرى التحريات صحيحاً في القانون ويكون منعى الطاعنين في ذلك الشأن غير مقبول.

لما كان ذلك وكان البينِّ من الحكم المطعون فيه أنه لم يستند في قضائه إلى دليل مستمد من محاضر التحقيق في الشرطة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الشأن يكون على غير محل، ولما كان ذلك وكان الثابت من أوراق الدَّعوى ومرفقاتها أن الواقعة حدثت بتاريخ (١٣ / ١ / ٢٠١٥م) وكان محضر التحري المحرَّر بمعرفة المقدم….مؤرَّخاً في (١٣ / ١ / ٢٠١٥م) وأن إذن التفتيش الصَّادر بناءً على تلك التحريات مؤرَّخ كذلك في (١٣ / ١ / ٢٠١٥م) وأن مذكرات إلقاء القبض الثلاث على المتهمين الثلاثة في الدَّعوى مؤرَّخة كلها بذات التاريخ وكذلك محاضر الضبط مؤرَّخة بذات التاريخ وكان الثابت من محاضر التحقيق بالادعاء العام أنه حُقق مع المتهمين الثلاثة بتاريخ (١٤ / ١ / ٢٠١٥م) ومن ثم فإنه يكون خلافاً لما قرره الطاعنان في أسباب طعنهما قد عُرضا على الادعاء العام خلال ثمان وأربعين ساعة أي في المدة المحدَّدة قانوناً حسب المادة (٥٠) من قانون الإجراءات الجزائية التي تنصُّ على أنه: «… على مأمور الضبط القضائي عند القبض على المتهم أو إذا سلم إليه مقبوضاً عليه أن يسمع أقواله فوراً وإذا لم يأت بما يبرئه يحيله إلى جهة التحقيق المختصَّة وذلك خلال خمسة عشر يوماً بالنسبة للجرائم الواقعة على أمن الدولة والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب وخلال ثمان وأربعين ساعة بالنسبة لغيرها من الجرائم ولا يجوز تجديد هذه المدة إلا لمرة واحدة ولمدة مماثلة بموافقة الادعاء العام…» ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الشأن لا يكون مقبولاً.

لما كان ذلك وكان لا محل للنعي على الحكم بأنه لم يرد على دفعهما ببطلان الاعترافات المسندة إليهما في التحقيقات السَّابقة على المحاكمة كونها وليد إكراه مادي ومعنوي وذلك لأن الحكم لم يعوِّل على اعترافاتهما تلك وإنما عوَّل على شهادة شهود الإثبات (الضابط مجُري التحريات وفريق الضبط) والتي طُرحت على بساط البحث في جلسات المحاكمة ونوقشت من لدن الطاعنين على النحو الوارد في مذكراتهما المرفقة بالأوراق ولم يستند إلا على اعترافاتهما الواردة في محاضر الجلسات بشأن ما نسب للطاعن الأول…. من المقاومة السلبية بامتناعه عن إعطاء عينة من بوله لفحصها حيث أقرَّ بذلك أمام المحكمة كما أقرَّ الطاعن الثاني…. بأنه أعطى عينة من بوله لفحصها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الشأن يكون على غير أساس.

لما كان ذلك وكان من المقرَّر في قضاء هذه المحكمة العليا أن إجراءات تحريز المضبوطات وفق ما نصَّت عليه المادة (٨٧) وما بعدها من قانون الإجراءات الجزائية إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها أي بطلان وترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة لسلامة الدليل وأن الأحراز المضبوطة لم يصل إليها العبث الأمر المتحقق في واقعة الدَّعوى فلذلك كان ما يثيره الطاعنان في ذلك الشأن غير قويم.

لما كان ذلك وكان من المقرَّر أنه حسْبُ الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحَّت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات ومناحي دفاعه الموضوعي لأن مفاد التفاته عنها أنه اطَّرحها كما أن الرد عليها يُستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت السَّائغة التي أوردها الحكم  كما هو الحال في الدَّعوى المطروحة  ولما كان باقي ما يثيره الطاعنان في أسباب طعنهما ما هو إلا دفاع موضوعي فإن ما يثيرانه في ذلك الشأن يكون غير مقبول.

لما كان ذلك ولما كان ما تقدَّم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس بما يتعينَّ رفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين المصروفات عملاً بالمادة (٢٢٥) من قانون الإجراءات الجزائية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعنين المصروفات.