التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ١٢٢٩ / ٢٠١٧م

2017/1229 1229/2017 ٢٠١٧/١٢٢٩ ١٢٢٩/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ١٠ / أبريل / ٢٠١٨م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، عثمان متولي حسن

(٦٦)
الطعن رقم ١١٢٩ / ٢٠١٧م

– جرائم غير عمدية « أركانها «.

– الجرائم غير العمدية يتوقف تحققها على توافر ثلاثة أركان هي الخطأ والضرر والرابطة السببية بين ركن الخطأ والضرر، والخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً في الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة والحذر اللذين تقضيان بهما ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الفرد العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالجاني مرتكب الخطأ، وأما الضرر فهو الأثر الخارجي المترتب على الخطأ المعاقب عليه، وأما رابطة السببية وهي ركن من أركان هذه الجريمة فيجب أن تتوافر بين خطأ الجاني والضرر أي تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور أي أن تكون الجريمة المرتكبة نتيجة سلوك الجاني فعلاً سواءً كان هذا السلوك إيجابياً أم سلبياً.

الوقائع

تتحصَّلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهمات (المطعون ضدهن) إلى المحكمة الابتدائية بصحار (الدائرة الجزائية)؛ لأنهن بتاريخي (١٣ / ٣ / ٢٠١٦م) و (١٤ / ٣ / ٢٠١٦م) بدائرة اختصاص إدارة الادعاء العام بصحار:

أولاً: كونهن الطاقم الطبي المشرف على المريضة المتوفاة….. بعد إجراء العملية ها ارتكَبنْ خطأ بسبب الجهل بأمور علمية يفترض في كل طبيب الإلمام بها ووقع منهن ل إهمال وتقصير في بذل العناية اللازمة إذ لم يتعاملن مع علامات الإنذار المبكرة لاحتمالية حدوث تدهور في الحالة الصحية من حيث تسارع نبض القلب التدريجي   وانخفاض ضغط الدم بشكل مناسب، وفق الثابت بالأوراق.

ثانياً: حال قيامهن بالجُرم السابق تسبَّبنْ عن إهمال وقلة احتراز في وفاة المجني عليها، وفق الثابت بالأوراق.

وطالب الادعاء العام بمعاقبتهن بالجُنحة المؤثمة بالمادة (٢٠) بدلالة المادة (١٩  /  أ، ب) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان والجُنحة المؤثمة بالمادة (٢٥٤) من قانون الجزاء.

وبجلسة (١٠ / ٤ / ٢٠١٧م) حكمت المحكمة ببراءة المتهمات (المطعون ضدهن) مما هو منسوب إليهن.

لم يحُز هذا الحكم قبولاً لدى الادعاء العام (الطاعن) فاستأنفه أمام محكمة الاستئناف بصحار (دائرة الجُنح المستأنفة) التي قضت بجلسة (٢٠ / ٦ / ٢٠١٧م) بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.

لم يرتض الادعاء العام (الطاعن) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٢٤ / ٧ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من مساعد المدعي العام وأعلن المطعون ضدهن بصحيفة الطعن فردَّت عليها المطعون ضدهما الأولى والثانية فقط بواسطة وكيلهما القانوني بمذكرة التمستا فيها رفض الطعن.

وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة أوراق الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد بهيئة مغايرة.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن (الادعاء العام) على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المتهمات (المطعون ضدهن) مما هو منسوب إليهن فقد أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال ذلك أن محكمة الموضوع خلطت بين التهمة الأولى وهي   عدم بذل العناية اللازمة في علاج المجني عليها والتهمة الثانية وهي القتل الخطأ المسندتين للمتهمات (المطعون ضدهن) ولم تبحث في كل تهمة على حدة ويتضح ذلك من خلال ما أشارت إليه من أن مسؤولية المطعون ضدهن تقوم على تحديد سبب الوفاة وإذا كان هذا مستساغاً بالنسبة لتهمة القتل الخطأ إلا أنه لا يمكن الأخذ به بالنسبة لتهمة عدم بذل العناية اللازمة في علاج المجني عليها إذ إن الركن المادي لهذه التهمة المتمثل في الإهمال والتقصير في بذل العناية اللازمة من قبل الطبيب ثابت بموجب تقرير اللجنة الطبية العليا من أن المجني عليها قد عولجت بشكل سيء لعدم كفاية الرقابة وعدم إدراك واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع علامات الإنذار المبكرة بحدوث صدمة وشيكة وأن ما استندت إليه المحكمة في قضائها من أن الاتهام الموجه للمطعون ضدهن لم يحدد دور كل متهمة وواجبها قد جانبه الصواب إذ إن تقرير اللجنة الطبية العليا قد حدد بشكل دقيق مراحل علاج المجني عليها منذ دخولها المستشفى وحتى وفاتها والطاقم المسؤول عنها في كل مرحلة والإهمال الحاصل من كل متهمة وأنه كان يتعينَّ على المحكمة إن لم تستوضح ذلك من التقرير أن تستدعي أحد الأطباء من معدي التقرير لاستيضاح دور كل متهمة ومكمن إهمالها في علاج المجني عليها، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.

وحيث إن مجمل الواقعة كما جاء في الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه يتحصَّل في أن زوج المجني عليها المتوفاة…. قد تقدم بشكوى للادعاء العام بتاريخ (٢٩ / ٦ / ٢٠١٥م) قرَّر فيها أنه بتاريخ (١١ / ٣ / ٢٠١٥م) أُحيلت زوجته المذكورة من مركز صحار الصحي إلى مستشفى صحار المرجعي بعدما تم اكتشاف حمل خارج الرحم أدى إلى انفجار في قناة فالوب وتسبب في نزيف داخلي وبمستشفى صحار المرجعي طُلب منه التوقيع على إجراء عملية ومن ثم أُجريت تلك العملية إلا أنه وبسبب إهمال الفريق الطبي القائم على متابعتها وعدم بذل العناية الطبية اللازمة في مثل تلك الحالة وافتها المنية.

لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بينَّ واقعة الدعوى وما دار في جلسات المحاكمة من مواجهة المتهمات (باستثناء المتهمتين الثالثة والعاشرة اللتين تخلفتا عن الحضور في الجلسة) بالتهم المنسوبة إليهن حيث أنكرن ما هو منسوب إليهن كما عرض لشهادة الطبيبة…. وذلك بقوله: «…وحيث إنه بجلسة (٦ / ٣ / ٢٠١٧م) استمعت المحكمة لشهادة الطبيبة…. وأفادت بأن المريضة أحيلت من المركز الصحي على أنها حامل خارج الرحم وعمل لها تقرير لإجراء عملية وأُجريت لها العملية وحالتها بعد العملية طبيعية ولم تكن تشتكي   من أعراض بعد إجراء العملية وأن عدم تسجيل الملاحظات وعدم إبلاغ الطبيب يعد خطأ إلا أن سبب الوفاة غير معروف ولمعرفة السبب المباشر للوفاة كان يتوجب تشريح الجثة أما بغير ذلك فلا يمكن معرفة ما هو السبب المباشر للوفاة وأن المتهمة …. أخطأت في عدم السؤال عن حالة المريضة من حيث تسجيل ومتابعة العلامات الحيوية للمريضة وذلك كان بسبب ضغط العمل أما المتهمة…. فقد أخطأت الخطأ نفسه الذي ارتكبته المتهمة…. وأضافت أن العملية كانت سليمة وكانت حالة المريضة جيدة بعد العملية إلا أن سبب الوفاة غير معروف فربما تكون هناك عدة أسباب وربما يكون سبب الوفاة هو انسداد رئوي لدى المتوفاة…» كما بينَّ مضمون تقرير اللجنة الطبية العليا التي انتهت فيه إلى وجود إهمال في حق المتهمات (المطعون ضدهن) بعدم قيامهن بالمتابعة الطبية اللازمة للمريضة المتوفاة على النحو المبينَّ في التقرير إلا أن التقرير انتهى إلى أن اللجنة الطبية لا يمكنها التثبت من السبب الدقيق للوفاة في ظل غياب تشريح الجثة ثم انتهى الحكم الابتدائي إلى القضاء ببراءة المطعون ضدهن بقوله: «… وحيث إنه من المقرر أنه لقيام الاتهام المنسوب للمتهم لا بد من إثبات الخطأ ثبوتاً قطعياً أكيداً وليس مجرد تخمين أو احتمال أو ترجيح فضلاً عن الضرر والعلاقة السببية بين الفعل والضرر ولما كان ذلك وكانت سلطة الاتهام قد نسبت إلى المتهمات الخطأ الطبي المتمثل في الإهمال والتقصير وعدم بذل العناية اللازمة في علاج المجني عليها والمتمثل في عدم تعاملهن مع علامات الإنذار المبكر لاحتمالية حدوث تدهور في الحالة الصحية من حيث تسارع نبض القلب التدريجي وانخفاض ضغط الدم بشكل مناسب وقد عوَّلت على قيام الاتهام على تقرير اللجنة الطبية العليا الذي لا يكفي في حد ذاته لحمل هذه المحكمة على الإدانة إذ الثابت من التحقيقات المجراة من قبل اللجنة والمثبتة في التقرير أنها لا تدعو للجزم اليقيني القاطع بأن وفاة المجني عليها كان بسبب عدم تعامل المتهمات مع علامات الإنذار المبكر بل أكد التقرير بما يخالف الاتهام أن اللجنة الطبية العليا لا يمكنها التثبت من السبب الدقيق للوفاة في ظل غياب تشريح الجثة وهو ما أكدته الشاهدة الطبيبة…. أمام المحكمة بأن السبب الرئيسي للوفاة غير معروف ولمعرفة ذلك السبب كان لا بد من تشريح الجثة للتوصل إلى السبب المباشر الذي أدى إلى وفاة المجني عليها وأن وفاة المجني عليها قد يكون بسبب انسداد رئوي وفي ظل عدم معرفة السبب المباشر للوفاة تنتفي العلاقة السببية بين فعل المتهمات والنتيجة التي ترتبت عليه ومن ثم فإنه بانتفاء العلاقة السببية بين الفعل والضرر لا يمكن معه تحميل المتهمات المسؤولية فضلاً عما هو مقرَّر من أن الأحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين وأن ما انتهى إليه التقرير من نتائج من خلال   الترجيح وتارة القول بأن اللجنة الطبية العليا لا يمكنها التثبت من السبب الدقيق للوفاة في ظل غياب تشريح الجثة فذلك به من الظن في نسبة الاتهام للمتهمات ما تأبى معه المحكمة أن تجعله قواماً لقضائها وأنه من جماع ما تقدم فإنه يتعينَّ القضاء استناداً للمادة (٢١٧ / ١) من قانون الإجراءات الجزائية ببراءة المتهمات مما هو منسوب إليهن…» وأضاف الحكم المطعون فيه قوله: «… وحيث إنه ولما كان الحكم المستأنف قد أحاط بواقعة الدعوى وناقش أدلتها مناقشة قانونية سائغة وكوَّن قناعته الوجدانية ببراءة المتهمات من الاتهام المسند إليهن باستخلاص سليم وبما له أصله في الأوراق ومن ثم فقد جاء في محله الصحيح للأسباب التي بنى عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتجعلها أسباباً مكملة لقضائها الماثل وإن كانت تضيف إليها أن الاتهام في مواجهة المتهمات قد جاء شائعاً غير مفصل ومحدد لدور كل متهمة وواجبها بما يقطع بارتكاب المتهمات للجُرم المسند إليهن وجاء تقرير اللجنة الطبية العليا في إثبات مسؤولية المتهمات غير قاطع وجازم لعدم إمكانية التثبت من السبب الدقيق للوفاة في ظل غياب تشريح الجثة وهو الفيصل الرئيسي في الدعوى والذي تقوم عليه مسؤولية المتهمات إن وُجدت بعد تحديد سبب الوفاة وإمكانية حصر الاتهام في الكادر الطبي المختص الأمر الذي يكون معه الاستئناف قد أقيم على غير سند صحيح من الواقع والقانون بما يتعينَّ معه القضاء في موضوع الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف…».

لما كان ذلك وكانت المادة (١٩) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان تنصُّ على أنه: «… يتحمل الطبيب مسؤولية عمله والأضرار الناتجة عنه في الحالات الآتية: (أ) إذا ارتكب خطأ بسبب الجهل بأمور علمية أو فنية يفترض في كل طبيب الإلمام بها، (ب) إذا وقع منه إهمال أو تقصير أو لم يبذل العناية اللازمة …» كما تنصُّ المادة (٢٠) من ذات القانون على أنه: «… مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينصُّ قانون آخر يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة الطب على وجه يخالف أحكام هذا القانون وفي جميع الأحوال يجوز إلغاء الترخيص الصادر بمزاولة المهنة نهائياً أو لفترة معينة كما يجوز إغلاق المكان الذي يمارس فيه المخالف العمل مع نزع اللوحات واللافتات ومصادرة الأشياء المتعلقة به وينشر الحكم في الجريدة الرسمية على نفقة المحكوم عليه ويكون لكل من لحقه ضرر من المخالفة الحق في الرجوع على المخالف بالتعويض أمام المحكمة المختصة…».

لما كان ذلك وكانت التهمتان المنسوبتان للمتهمات (المطعون ضدهن) هما تهمتان   مرتبطتان ارتباطاً لا يقبل التجزئة إذ إن الإهمال كما جاء في وصف الاتهام ترتب عليه وفاة المجني عليها ولما كانت تلك الجريمة من الجرائم غير العمدية ويتوقف تحققها على توافر ثلاثة أركان هي الخطأ والضرر والرابطة السببية بين ركن الخطأ والضرر وكان الخطأ الذي يقع من الأفراد عموماً في الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفاً لا يتفق والحيطة والحذر اللذين تقضيان بهما ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الفرد العادي المتبصر الذي أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي أحاطت بالجاني مرتكب الخطأ أما الضرر فهو الأثر الخارجي المترتب على الخطأ المعاقب عليه أما رابطة السببية وهي ركن من أركان هذه الجريمة فيجب أن تتوافر بين خطأ الجاني والضرر أي تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور أي أن تكون الجريمة المرتكبة نتيجة سلوك الجاني فعلاً سواءً كان هذا السلوك إيجابياً أم سلبياً.

ولما كان ذلك وكان من المقرَّر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسؤولية مرتكبة جنائياً أو مدنياً في جريمة القتل الخطأ وتقرير توافر رابطة السببية بين الخطأ والضرر أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً، ولما كان ذلك وكان تقرير اللجنة الطبية العليا وإن كان قد أثبت في حق المتهمات (المطعون ضدهن) وقوع إهمال منهن في متابعة المريضة المتوفاة وعدم قيامهن ببذل العناية المطلوبة إلا أنه وفي ذات التقرير أثبتت اللجنة الطبية العليا أنها لا يمكنها التثبت من السبب الدقيق للوفاة في ظل غياب تشريح الجثة أي أنها لم تقطع في إثبات أن وفاة المجني عليها كانت نتيجة هذا الإهمال المنسوب للمطعون ضدهن ومن ثم فإن رابطة السببية بين الخطأ والضرر المتمثل في وفاة المجني عليها وهي ركن من أركان جريمة القتل الخطأ تكون غير قائمة في الأوراق بدليل جازم وقاطع ومن ثم فإن مسؤولية المطعون ضدهن عن وفاة المجني عليها أصبحت محل شك كما خلت الأوراق من وقوع ضرر ناجم مباشرة عن الإهمال المنسوب إلى المطعون ضدهن وكان من المقرَّر أن الأحكام الجنائية بالإدانة يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال كما أن الشك دائماً يفسر لصالح المتهم كما أنه من المقرَّر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة إذ إن مرجع ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة كما هو الحال في الدعوى المطروحة وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت   ببراءة المتهم بناءً على احتمال ترجح لديها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله كما أنه من المقرَّر أن المحكمة غير ملزمة وهي تقضي بالبراءة بأن ترد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن في إغفال التحدث عنه ما يفيد حتماً أنها اطَّرحته ولم ترَ فيه ما تطمئن معه إلى الحكم بالإدانة متى كانت قد أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة.

لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بعد أن محص الدعوى وأحاط بظروفها قد قضى ببراءة المطعون ضدهن على النحو السالف بيانه للشك في صحة إسناد التهمة إليهن وبأسباب سائغة تحمله فضلاً عن أن المادة (٢٠) من قانون مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان السالفة الذكر لا تنطبق على هذه الواقعة إذ تستلزم قصداً عمدياً في مزاولة مهنة الطب على وجه يخالف أحكام القانون وليس مجرد وقوع إهمال كما هو الحال في الدعوى المطروحة ومن ثم فإن جميع مناعي الطاعن في ذلك الشأن تكون غير سديدة، ولما كان ما تقدَّم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس بما يتعينَّ رفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.