التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة المدنية (ب): الطعن رقم ١٦٣٦ / ٢٠١٦م

2016/1636 1636/2016 ٢٠١٦/١٦٣٦ ١٦٣٦/٢٠١٦

تحميل

جلسة يوم الأحد الموافق ١٩ / ٣ / ٢٠١٧م

برئاسة فضيلة القاضي / زهران بن ناصر البراشدي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: محمد بن حمد النبهاني، وعبد الله شيخ الجزولي، ويحيى محمد عبد القادر، والشيخ ولين الشيخ ماء ماء العينين.

(٩٣)
الطعن رقم ١٦٣٦ / ٢٠١٦م

مسؤولية (أركان – ضرر – إثبات)

– المستقر عليه في القانون والعمل القضائي بهذه المحكمة أن دعوى التعويض المبينة على الضرر لا تلقي على المضرور سوى إثبات أن الضرر وقع بفعل الشيء. أثر ذلك عدم الحاجة لبحث وجود الخطأ لافتراضه من المتسبب في الفعل الضار. أساس ذلك أن الفقه الإسلامي يؤسس هذه المسؤولية على قاعدة «المباشر ضامن وإن لم يتعمد أو يتعد».

الوقائع

تتلخص الوقائع كما أوردها الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن المدعين أقاموا دعوى رقم (٤٣ / م / ٢٠١٦م) لدى المحكمة الابتدائية بصور بوساطة وكيلهم بموجب صحيفة مطالبا في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليها بأن تدفع الدية المقررة قانونا لورثة (………….) مع إلزامها بمصاريف الدعوى.حيث نظرت محكمة أول درجة الدعوى وفق محاضر جلساتها إلى أن أصدرت حكمها بجلسة (١٠ / ٧ / ١٤٣٧هـ الموافق ١٨ / ٤ / ٢٠١٦م) القاضي بإلزام المدعى عليها بأن تؤدي للمدعين (ورثة الهالك) مبلغ الدية وقدره (١٥,٠٠٠ ر.ع) خمسة عشر ألف ريال عماني وإلزامها برسوم الدعوى.

فلم يلق هذا الحكم قبولا لدى المدعى عليها فاستأنفته بوساطة محاميها بموجب صحيفة طلبت في ختامها قبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا برفض الدعوى.

على أسباب حاصلها أن الحكم المستأنف أخطأ في تطبيق القانون وذلك بعدم توافر أركان المسؤولية التقصيرية على ما بينه الحكم الجزائي الصادر عن المحكمة العسكرية والذي قضى ببراءة المتهم (المؤمن له) من التهمة المسندة ضده وأرجعة سبب الحادث إلى سبب فني في المركبة المؤمن عليها وبما أن أهم أركان التعويض في المسؤولية التقصيرية قد انتفت من المؤمن له فلا يسوغ الحكم بالتعويض على الشركة المؤمنة لذلك يلتمس الحكم لموكلته بالطلبات المذكورة سلفا.

حيث نظرت محكمة ثاني درجة الاستئناف بجلساتها وحضر عن المستأنف ضدهم وكيلهم / ……….. بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن باقي الورثة (أم المتوفى) وبجلسة (١١ / ١٠ / ٢٠١٦م) أقر أنه تسلم دية مورثهم المحكوم بها المقدرة بمبلغ خمسة عشر ألف ريال عماني وبأن الحكم الابتدائي شارح بذاته ويطلب تأييده وبعد الإجراءات التي اتخذتها محكمة الاستئناف أصدرت حكمها بالجلسة المنعقدة بتأريخ: ٢٣ / ٢ / ١٤٣٨هـ الموافق ٢٥ / ١٠ / ٢٠١٦م) القاضي بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وتحميل المستأنفة المصاريف.

فلم ينل هذا الحكم قبولا لدى المستأنفة فطعنت فيه بالنقض الماثل بموجب صحيفة موقعة من قبل محاميها المقبول للترافع أمام المحكمة العليا الذي أودعها بأمانة سر هذه المحكمة بتأريخ: ١ / ١٢ / ٢٠١٦م مشفوعة بصورة سند وكالته عنها وما يفيد سداد الرسوم المقررة وإيداع مبلغ الكفالة طبقا لمقتضيات المادتين (٢٤٤ و٢٤٧) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية حيث تم إعلان المطعون ضدهم بصحيفة الطعن فلم يردوا عليها.

حيث إن الطعن أقيم على سبب واحد تنعى فيه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والثابت بالأوراق لأنه من المعلوم قانونيا بأن المسؤولية التقصيرية تقوم على الإخلال بالتزام يترتب عليه الأضرار بالغير ولا تقوم إلا بتوافر ثلاثة أركان الأول منها الخطأ وهو الإخلال بالتزام قانوني يفرض على الكافة عدم الإضرار بالغير، وهو دائما التزام ببذل عناية وذلك بأن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر والحيطة حتى لا يضر بالغير فإذا ما انحرف عن هذا السلوك كان هذا الانحراف خطأ وحده، لتحقق المسؤولية ويحدث هذا الخطأ والضرر الذي أصاب المضرور. ولما كان الركن الأول من المسؤولية قد انتفى حيث إن المتهم لم يرتكب خطأ حيث قضى ببراءته وبالتالي لا يتصور وجود ضرر وإن الضرر الحاصل لم يكن بسبب خطأ المتهم قائد المركبة المؤمنة وبالتالي لا يتصور تحميل المتهم التزامات أو أي أداء مبلغ لجبر الضرر حتى تحل محله الطاعنة وحيث انتفت عناصر المسؤولية التقصيرية مما يؤكد أن الحكم المطعون عليه في قضائه بالتعويض خالف القانون.

ومن ناحية أخرى تساندت المحكمة في قضائها إلى مجموعة من المبادئ القانونية ولكنها أخطأت عند إنزال هذه المبادئ على الواقعة محل الدعوى.

وإنه من مطالعة الحكم الجزائي رقم (٤٥ / ٢٠١٥م) الصادر في القضية رقم (٣٦ / ٢٠١٥ عسكرية) ورقم (٢٧ / ٢٠١٥م ادعاء عام) ورقم (٨ / ق / ٢٠١٥م شرطة المهام الخاصة) قالت المحكمة مصدرة الحكم في تأسيسها البراءة في (ص ١٠): نجد بأنه لم يكن فعل المتهم هو السبب في وقوع الحادث ولا دخل له في حدوث النتيجة واستطردت بأنها خلصت إلى عدم ثبوت ما نسب إلى المتهم أي القضاء بالبراءة لعدم ارتكاب الجرم وعدم صحة الجريمة المنسوبة إلى المتهم.

وإن الحكم الطعين جاء به أنه لا أثر للحكم الجزائي بالبراءة على القاضي المدني عند تحديد المسؤولية المدنية إلا في حالة وحيدة إذا استند الحكم الجزائي بالبراءة إلى عدم وقوع الجرم (الحالة الماثلة) وبالتالي لكي يقضي بالتعويض يستلزم قانونا توافر عناصر المسؤولية التقصيرية كاملة، والثابت عدم توافر أهم أركانها (الخطأ) ومن ثم القضاء بالتعويض يخالف القانون للقضاء بالأثر دون تحقق الواقعة المحدثة لهذا الأثر.

أما قياس أحكام مسؤولية المتبرع عن أعمال تابعة على الحالة الماثلة قياس مع الفارق لأن مسؤولية المتبوع ناتجة عن سيطرته على تابعته ومن ثم يسأل عن الخلل في هذه السيطرة طالما سببت ضررا للغير وهذا لا ينطبق على المركبة التي كان يقودها المتهم.

ولما كان الحكم الطعين أصابه أوجه عوار كثيرة الأمر الذي يحق معه للطاعنة طلب وقف التنفيذ لحين الفصل في موضوع الطعن، لاسيما أن المطعون ضدهم أجانب وغير مقيمين بالسلطنة ويصعب استرداد المبلغ في حالة قبول الطعن.

وبناء عليه فإن الطاعنة تلتمس من المحكمة القضاء:

١ – بقبول الطعن شكلا.

٢ – وقف تنفيذ الحكم المطعون عليه لحين الفصل في موضوع الطعن.

٣ – بنقض الحكم المطعون عليه وإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف صور لنظرها بهيئة مغايرة.

٤ – التصدي للفصل في موضوع النزاع بإلغاء الحكم المطعون عليه والقضاء برفض الدعوى.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق والاستماع إلى تقرير القاضي المقرر وبعد المداولة. حيث إن الطعن استوفى كافة أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا. وحيث إن نعي الطاعنة على الحكم المطعون فيه في السبب السالف إيراده تفصيلا بصدر هذا الحكم والمتمثل في مخالفة الحكم الطعين للقانون والثابت في الأوراق هو نعي غير سديد ذلك أنه من المستقر عليه في القانون والعمل القضائي بهذه المحكمة أن دعوى التعويض المبنية على المسؤولية التقصيرية التي لا تلقي على المضرور سوى إثبات أن الضرر وقع بفعل الشيء ليفترض الخطأ إلى جانب المدعى عليه مع أن الفقه الإسلامي يؤسس هذه المسؤولية على قاعدة فقهية وهي المباشر ضامن وإن لم يتعمد أو يتعد. وتطبيقا لهذه القاعدة فإن من يباشر الفعل ضامن له دون حاجة إلى إثبات تعمده أو تعديه لارتكاب الفعل ذلك أن المباشرة فعل إيجابي ويحدث الضرر بمجرد اتصال الآلة بالشيء وتتتحقق الرابطة السببية بين الفعل المباشر والضرر هذا وإن محكمة الموضوع استخلصت من أوراق الدعوى وبينت أن قضاء المحكمة الجنائية ببراءة سائق المركبة لا تقيد القاضي المدني بهذا التكييف بل يتبع التكييف المدني الذي يفترض الخطأ في جانب قائد المركبة في الحادث طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية بالإضافة إلى أن السائق مسؤول بالتبعية عما تحدثه مركبته من أضرار بناء على قاعدة مسؤولية المتبوع عن إعمال تابعة وهي مسؤولية مفترضة بالنسبة لقائد المركبة الذي ارتكب الحادث وما دام المضرور لم يقم بأي خطأ من جانبه تجاه سائق المركبة فان المادة (١٩٩) من قانون المعاملات المدنية نصت على (من كان تحت تصرفه أشياء تتطلب عناية خاصة للوقاية من ضررها أو آلات مكانيكية التعويض عما تحدثه من ضرر ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيها) ولما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تحصيل فهم واقع الدعوى وتقييم الأدلة ومستنداتها المقدمة وموازنة بعضها ببعض والرد على كل الدفوع المقدمة من قبل الخصوم لتبيان الحقيقة التي اقتنعت بها وأقامت قضاءها على أسباب سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق والقانون تكفي لحمله على الوجه الصحيح مما يكون معه النعي على الحكم المطعون فيه بسبب الطعن غير جدير بالاعتبار لعدم ارتكازه على أساس قانوني مما تقضي معه المحكمة برفض الطعن.

فلهذه الأسباب

«حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعنة المصاريف ومصادرة الكفالة».