التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة المدنية (ب): الطعن رقم ٩٣ / ٢٠١٧م

2017/93 93/2017 ٢٠١٧/٩٣ ٩٣/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الأحد الموافق ١٢ / ١١ / ٢٠١٧م

برئاسة فضيلة القاضي / سليمان بن عبد الله اللويهي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: زهران بن ناصر البراشدي، ومحمد بن حمد النبهاني، ويحيى محمد عبد القادر، والشيخ ولين الشيخ ماء العينين.

(٩٦)
الطعن رقم ٩٣ / ٢٠١٧م

تعويض (أرش مقدر – حكومة عدل – جائفة)

– التعويض عن الإصابات التي لها أروش مقدرة بحكومة عدل سبب موجب لنقض الحكم.

– التصلب الواقع بالناحية السفلى للرئتين، ووجود سوائل بالغشاء البلوري واسترواح صدري، وإصابة الطحال والتورم الواقع بقاعدة الأغشية التي تغلف الأمعاء كلها جوائف لا يصح التعويض عنها بحكومة العدل.

الوقائع

تتحصل الوقائع وكما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق في أن المدعي /… الطاعن حاليا كان قد أقام الدعوى الابتدائية / مسقط / بالرقم (… / ٢٠١٥م)، طالب بالحكم له بإلزام الشركة المدعى عليها (المطعون ضدها حاليا) بأن تؤدي له مبلغا قدره ستمائة وسبعة آلاف وسبعمائة وخمسون ريالا عمانيا (٦٠٧,٧٥٠ ر.ع) وإلزامها بالمصاريف ومبلغ قدره ألف ريال عماني (١,٠٠٠ ر.ع).

وذلك على سند من القول إنه بتاريخ ٢٦ / ٩ / ٢٠١٣م تعرض المدعي لحادث تسبب فيه قائد المركبة المؤمنة لدى الشركة المدعى عليها وقد نتج عن الحادث إصابته بالإصابات الموصوفة في التقارير الطبية فضلا عن العمليات التي أجريت له وهو لا يزال يعاني منها، الأمر الذي حدا به لإقامة الدعوى الماثلة للحكم له بطلباته سالفة البيان.

وأرفق المدعي سندا لدعواه صورا من المستندات التالية: ١- سند الوكالة. ٢- تقرير الشرطة النهائي عن الحادث. ٣- خطاب المدعى عليها الموج ه لمركز شرطة العذيبة والذي تقر فيه المدعى عليها بكون المركبة المتسببة في الحادث مؤمنة لديها. ٤- التقارير الطبية مع ترجمتها للعربية. ٥- بيانات السجل التجاري للمدعى عليها.

وشرعت محكمة أول درجة تداول نظر الدعوى وفق ما هو ثابت بمحاضرها، وخلال نظرها حضر جلساتها الأطراف كل بوكيله القانوني وقد طالب الحاضر عن الشركة المدعى عليها رفض الدعوى واحتياطيا تعويض المدعي بمبلغ قدره ستة آلاف وخمسمائة ريال عماني (٦,٥٠٠ ر.ع) ورفض ما زاد على ذلك من طلبات.

وبعد أن صمم الحاضر عن المدعي على طلباته، أصدرت محكمة أول درجة بجلسة (١٩ / ١١ / ٢٠١٥م) حكمها والذي قضى بـ »إلزام الشركة المدعى عليها بأن تؤدي للمدعي مبلغا قدره سبعة وعشرون ألف ريال عماني (٢٧,٠٠٠ ر.ع) والمصاريف ومائة ريال عماني مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما زاد على ذلك من طلبات».

ولم يقبل الطرفان بالحكم المذكور فطعنا عليه بالاستئناف كالآتي:

أولا: الاستئاف رقم (… / ٢٠١٥م) والمقدم من الشركة والذي طالبت فيه بإلغاء الحكم المستأنف فيما زاد عن (٦,٥٠٠ ر.ع) مع إلزام المستأنف ضده المصاريف والأتعاب لكون التعويض جاء مبالغا فيه كثيرا بحق المستأنف ضده وفاق عناصر الإصابة التي تعرض لها.

ثانيا: الاستئناف بالرقم (… / ٢٠١٥م) والمقدم من المدعي المستأنف وقد طالب فيه بتعديل الحكم المستأنف وزيادة مبلغ التعويض إلى الحد الذي طلبه لدى محكمة أول درجة لكون مبلغ التعويض المحكوم به جاء أقل بكثير عما يستحقه بالنظر إلى ما لحقه من ضرر وإصابات خصوصا وأنه ما زال تحت العلاج وطالب بإحالته إلى لجنة العجز الطبي.

تداولت محكمة الاستئناف الدعوى كما هو ثابت بمحاضر جلساتها بعد أن ضمت الاستئنافين المذكورين لبعضهما البعض ليصدر بحقهما حكم واحد للارتباط. هذا وبعد أن صمم كل طرف عن طريق وكيله القانوني الحاضر عنه على طلباته، أصدرت المحكمة بجلسة (٤ / ١٢ / ٢٠١٦م) حكمها الذي قضى بقبول الاستئنافين شكلا، وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وإلزام كل مستأنف بمصاريف استئنافه.

ولم يقبل الطاعن (المدعي) بالحكم المذكور فطعن عليه بالطعن الماثل والذي أودع صحيفته لدى أمانة سر المحكمة العليا عنه بتاريخ ١٢ / ١ / ٢٠١٧م وكيله القانوني / … المحامي المقبول للترافع أمام المحكمة العليا، وقدم سند الوكالة وسدد الرسم المقرر وأودع الكفالة.

وقد طالب الطاعن بالحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الأوراق إلى محكمة الاستئناف لتحكم فيها بهيئة مغايرة وبعرض الطاعن على لجنة العجز، وعلى سبيل الاحتياط نقض الحكم الطعين والتصدي والقضاء بدية كاملة للغيبوبة والحكم بالتعويض عن نسبة العجز مع رفع التعويض إلى مبلغ المطالبة لدى محكمة أول درجة وبالحكم بالمصاريف ورد الكفالة.

ونعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وذلك فيما يتعلق بالمرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) المتعلق بالديات والأروش وذلك عندما لم يحكم للطاعن بالدية الكاملة عن الغيبوبة برغم ثبوتها في التقارير الطبية إذ ظل ولحوالي (٢٩) يوما في غيبوبة وبرغم مطالبة الطاعن لدى محكمتي أول وثاني درجة إلا أنهما لم يستجيبا لتلك المطالبة، كما وجاءت المخالفة أيضا عندما لم يحكم للطاعن عن نسبة العجز التي بلغت (٧٠٪). فضلا عن إخلال الحكم الطعين بحق دفاع الطاعن عندما لم تتحقق من دفاعه المتعلق بظهور عظام جديدة بعد الحادث والتي ما زالت تنمو وتظهر في أماكن مختلفة بجسم الطاعن (المضرور) وقد تم استئصال بعضها بعمليات تحت التخدير الكامل وأخرى تحت الإشعاع وبرغم أن تلك الإصابة كانت تحت بصر محكمة الاستئناف إلا أنها لم تتحقق منها وقررت في أسباب حكمها الطعين بأن المستأنف (الطاعن) لم يأت بجديد والتفتت عن هذا الدفع. فضلا عن أن الحكم الطعين لم يقض للطاعن بأي تعويض عن حالة النسيان التي لحقت به (الزهايمر) وكان ذلك بسبب لما لحقه من إصابات وجاءت في التقارير الطبية كما وأغفل الحكم الطعين الحكم للطاعن عن مدة الأيام التي تعطل فيها الطاعن عن العمل والتي بلغت (٤٧٥) يوما وكانت بسبب يرجع لما لحقه من إصابات وقد أدى ذلك بفقد الطاعن وظيفته كفني ديكور وهذه المهنة تعتمد على صحة في اليدين والرجلين، الأمر الذي أدى إلى إصابته بمعاناة نفسية وجسدية.

ولما كان الحكم الطعين قد جاء بخلاف تلك المخالفات ومن ثم فإنه يكون قد خالف القانون ولم يعوض الطاعن التعويض العادل، عليه جاءت طلباته الطاعن السالف بيانها.

وحيث استكملت المحكمة الدعوى وكلفت أمانة السر بالمحكمة العليا بإعلان الخصوم لممارسة حقهم القانوني في الرد والتعقيب، وترتيبا على ذلك وبتاريخ ٦ / ٦ / ٢٠١٧م قدمت المطعون ضدها مذكرة الرد بوساطة وكيلها القانوني المقبول للترافع أمام المحكمة العليا والذي تمسكت فيها بالحكم وما قام عليه من أسباب وطالبت برفض الطعن وإلزام الطاعن المصاريف.

هذا وقد عقب الطاعن بمذكرته المؤرخة ٢ / ٧ / ٢٠١٧م والذي تمسك فيها بما جاء بصحيفة الطعن والحكم له بطلباته سالفة البيان. وبتاريخ ١٢ / ٧ / ٢٠١٧م تم إعلان المطعون ضدها للرد على تعقيب الطاعن إلا أنها لم تفعل برغم ما يفيد تمام الإعلان، الأمر الذي يستخلص منه عدم رغبتها في ذلك. عليه وبعد المداولة جاء الحكم الذي سنورد تفصيله لاحقا بالمنطوق.

المحكمة

ولأن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية والقانونية فهو مقبول شكلا.

أما ما نعى به الطاعن على الحكم الطعين من الأسباب التي ضمنها صحيفة الطعن وسلف الإشارة إليها فإن النعي في مجمله سديد وفي محله، ذلك عندما قضى الحكم الطعين بتأييد حكم محكمة أول درجة برغم أنه لم يبين جميع عناصر الضرر وهي الإصابات التي لحقت بالطاعن نتيجة الحادث وأماكنها من جسم المضرور ونوعها إذ التقدير السليم للتعويض إنما يعتمد على استقصاء تلك الإصابات وبيانها بيانا كافيا ثم يقدر التعويض المناسب لها فإذا كانت الإصابة لها أرش محدد أو دية بموجب المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) فإن السلطة التقديرية للمحكمة تنحصر في حدود ما حدده القانون وأما اذا لم يوجد لها أرش أو دية فإن ذلك يكون من إطلاقات محكمة الموضوع تقدر لها التعويض المناسب وهو ما يسمى بحكومة العدل ولا رقابة عليها في تقدير هذا التعويض متى ما بنته على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق.

ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يلتزم بهذا النظر وأغفل بيان بعض الإصابات التي لحقت بالطاعن مثل الإصابة بالرأس مع النسيان والتي تضمنها تقرير لجنة العجز الطبي المؤرخ في ٢٣ / ٥ / ٢٠١٦م ولم يعوضه عنها فضلا عن أن التقرير الطبي المؤرخ في ١٥ / ٩ / ٢٠١٥م أوضح بالاعتماد على صورة الأشعة المقطعية التي أجريت بتاريخ ٢٩ / ٩ / ٢٠١٣م لرأس الطاعن وجود كثافة صغيرة في القرون القذالية على مستوى الأوعية الجانبية (اليسرى واليمنى) مع كثافة مستمرة على مستوى الشق النصفي وهو ما يدل على وجود نزيف مستمر داخل الأوعية إلا أن الحكم الطعين لم يوضحها ولم يتطرق لها، فضلا عن أنه ووفقا للتقرير الطبي المؤرخ في ١٠ / ١ / ٢٠١٦م والصادر من مستشفى خولة يتضح بأنه بسبب الحادث أدخل المضرور الطاعن لوحدة العناية المركزة لأكثر من أربعة أسابيع مع عمل فتحة للتنفس على القصبة الهوائية وتركيب أجهزة لمساعدته على التهوية وبرغم ذلك لم يحقق الحكم الطعين حول وجود غيبوبة من عدمها علما بأن حكم أول درجة والمؤيد من قبل الحكم الطعين أبان في أسبابه بأن درجة الوعي للمضرور كانت منخفضة وذلك من واقع التقارير الطبية المرفقة عنه، كما وأنه وبرغم أن الحكم الطعين المؤيد لحكم أول درجة قد أورد من ضمن الإصابات إصابات تتعلق بوجود تصلب من الناحية السفلى للرئتين وسوائل بالغشاء البلوري واسترواح صدري (الجانب الأيسر) وإصابة بالطحال وتورم بقاعدة الأغشية التي تغلف الأمعاء، وتلك الإصابات برغم أنها بوصفها جوائف لها أرشها المقدر إلا أن الحكم الطعين لم يعوض عنها بما تستحقه من أرش مقدر وإنما عوض عنها بحكومة عدل، وكذلك الحال فيما أجريت للطاعن من عمليات جراحية والتي قصرها الحكم الطعين على عمليتين جراحيتين برغم أن الطاعن قد أجريت له أكثر من عمليتين جراحيتين ناهيك عن التعويض الذي قدره الحكم الطعين للعملية الجراحية والذي خالفت فيه ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، كما وأن هناك حروقا احتكاكية متعددة بالأطراف الأربعة والوجه والجذع مع وجود ندبات تضخمية وملونة إلا أن الحكم الطعين عوضه عنها إجمالا وبتقدير غير مناسب ولا جابر للضرر، ولما كان ذلك وكان من أوجب واجبات المحكمة في مسألة تقدير التعويض المناسب والجابر للضرر كما سلف وأوردناه أن تتقصى كل عناصر الضرر وتبين موضعها ومكانها من جسم المضرور ثم تنزلها على ما جاء بالمرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) الخاص بالديات والأروش واعطاء كل عنصر من عناصر الضرر حقه المشروع وبعد الاحاطة التامة الكاملة لجميع عناصر الضرر ودون المغالاة في التعويض بالنسبة للطرفين زيادة أم نقصانا فالحكم على الشيء فرع من تصوره، والحال أن الحكم الطعين لم يلتزم وكما ذكرناه وأوردناه بتلك الضوابط الأمر الذي أدى إلى أن يجيئ التعويض غير مناسب ولا يجبر الضرر الذي لحق بالطاعن مما أدى لمخالفته للقانون واتسم بالقصور في التسبيب مما يتعين معه الحكم بنقض الحكم المطعون فيه وإحال الدعوى إلى محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة وبناء على طلب الخصوم والتي عليها تتبع كافة الإصابات وإنزال الوصف الصحيح عليها ومن ثم تقدير التعويض الجابر للضرر في ضوء قواعد الديات والأروش المنصوص عليها سواء في المرسوم السلطاني رقم (١١٨ / ٢٠٠٨م) أو قواعد الفقه الإسلامي وما جرى عليها قضاء هذه المحكمة وبإلزام المطعون ضدها المصاريف ورد الكفالة للطاعن عملا بنص المواد (٢٤٧ و٢٥٩ و٢٦٠) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

«حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة الاستئناف التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة وألزمت المطعون ضدها المصاريف ورد الكفالة للطاعن».