جلسة يوم الأحد الموافق ٢٤ / ١٢ / ٢٠١٧م
برئاسة فضيلة القاضي / زهران بن ناصر البراشدي، وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: محمد بن حمد النبهاني، ويحيى محمد عبد القادر، والشيخ ولين الشيخ ماء العينين، وسيد ساتي زيادة.
(١٠٥)
الطعن رقم ٩٠٥ / ٢٠١٧م
مطالبة (شركة تأمين – متسبب – ضامن) – إصابات (جائفة – عملية)
– يمكن للمضرور رفع دعوى المطالبة على شركة التأمين مباشرة دون مطالبة المتسبب في الضرر. علة ذلك أن شركة التأمين كفيل ضامن، وقد أجاز الشرع والقانون رفع الدعوى مباشرة على الكفيل الضامن.
– لا يشترط في الإصابة من أجل اعتبارها جائفة وجود جرح خارجي من أجل الوصول للجوف؛ فمتى ما أثبت المختصون وصول الضرر للجوف صدق على الإصابة وصف الجائفة.
– لا يوجد تعويض محدد للعملية الجراحية. علة ذلك أن تعويض العملية يعتمد على موضعها؛ فما وصل للجوف من جراحة استحق التعويض بأرش الجائفة، وما وصل للمخ استحق أرش الدامغة، وأقل ما تستحقه عملية تثبيت الكسور ثلاث موضحات، وهكذا.
الوقائع
تتحصل الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق في أن الطاعن تعرض لحادث سير مروري بتاريخ: ٢٣ / ٧ / ٢٠١٥م بسيارة مؤمنة لدى المطعون ضدها وقد أصيب بعدة إصابات ذكرت في التقارير التفصيلية.
ولما كانت السيارة أداة الحادث مؤمنة لدى الشركة المطعون ضدها وكانت بمحض إرادتها قائمة مقام المتسبب وحالة محله في تحمل أعباء الأضرار الواقعة على المضرور الناتجة بسبب الفعل الضار وهو حادث السير فقد أقام الطاعن بتاريخ: ١٥ / ١ / ٢٠١٧م دعوى مباشرة ضد الشركة المؤمنة المطعون ضدها بصحيفة أودعها محاميه أمانة سر المحكمة الابتدائية بشناص انتهى فيها بالمطالبة بالقضاء له على المدعى عليها بتعويض قدره ستون ألف ريال عماني عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية، ومبلغ ألف ريال أتعاب محاماة، وإلزامها المصاريف.
أما الإصابات فقد ذكرت في التقارير التفصيلية. وذكر وكيل الطاعن في صحيفته إصابات كثيرة وصل عددها مع ما احتاجته من تدخل علاجي وما خلفته من أثر على المصاب.
وهي حسب التقارير المرفقة: كدمة بالرئة استرواح صدري وألم بالناحيتين كسور عظمية مفتتة؛ كسر في الكاحل مع ألم وتورم وكسر في عظمة قصبة الساق وكسر بالكعب الإنسي وكسر بالزاوية الأمامية الوحشية وكسر في عظمة الشظية وتهشم وقصر الشظية مع ضمور بعظام الكاحل مع هشاشة عظمية منتشرة. كسور في الضلوع من الثالث إلى السابع من الناحية اليمنى والضلع الرابع من الناحية اليسرى سحجات بالذراع الأيمن مشوش الادراك أنبوب صدري على الناحيتين للتصريف عملية رد مغلق في ٤ / ٨ / ٢٠١٥م ثم عملية رد مفتوح وتثبيت داخلي في ١٠ / ٨ / ٢٠١٥م وعملية إزالة للتثبيت.
وبحضور الطرفين ردت الشركة المدعى عليها بوساطة وكيلها القانوني بدفعها الذي تقدمت به معترفة بالمسؤولية والتمس من خلال مذكرته أصليا رفض الدعوى كونها خالية من المستندات الطبية واحتياطيا تعرض الشركة على المدعي تعويضا قدره أربعة آلاف وخمسمائة وخمسة وسبعون ريالا عمانيا فرد وكيل الطاعن معقبا على رد الشركة وبرفض العرض مصمما على طلباته ومطالبا القضاء بتعويض المدعي وفق المرسوم السلطاني ١١٨ / ٢٠٠٨م الناص بتحديد الديات والأروش كون المدعي من الغير.
وبعد استكمال جميع الإجراءات أصدرت المحكمة حكما قضى بإلزام المدعى عليها المطعون ضدها في الطعن الماثل أن تؤدي للمدعي مبلغا قدره تسعة عشر ألفا وستمائة وخمسون ريالا عمانيا وألزمتها المصاريف ورفض ما زاد على ذلك.
فلم يرض الطرفان بالحكم واستأنفاه لدى محكمة الاستئناف بصحار الدائرة المدنية حيث قيد استئناف الطاعن تحت رقم ٣٠٩ / ٢٠١٧م بصحيفة طالب من خلالها القضاء له بطلباته في أول درجة وإلزام المستأنف ضدها المصاريف ومبلغ ثمانمائة ريال أتعاب محاماة.
كما قيد استئناف الشركة تحت رقم ٣٧٥ / ٢٠١٧م طالبت من خلال صحيفتها القضاء لصالحها بالنزول بمبلغ التعويض إلى ثمانية آلاف وثلاثمائة وخمسين ريالا عمانيا وإلزام المستأنف ضده المصاريف وأتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وبعد استكمال جميع الإجراءات أصدرت محكمة الاستئناف حكمها الطعين القاضي بقبول الاستئنافين شكلا، وفي موضوع الاستئناف رقم ٣٠٩ / ٢٠١٧م المرفوع من الطاعن برفع مبلغ التعويض إلى أربعة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبعين ريالا عمانيا وإلزام المستأنف ضدها المصاريف وأتعاب المحاماة مائة ريال عماني، وفي موضوع الاستئناف رقم ٣٧٥ / ٢٠١٧م المرفوع من الشركة برفضه وإلزام رافعته المصاريف.
فلم يلق حكمها من الطاعن قبولا مرة أخرى وطعن عليه بالنقض لدى المحكمة العليا. في يوم الأحد ١٠ شعبان ١٤٣٨هـ الموافق ٧ / ٥ / ٢٠١٧م صدر الحكم المطعون فيه من محكمة الاستئناف بصحار الدائرة المدنية وفي يوم الاثنين ٢٢ / ٥ / ٢٠١٧م تم الطعن عليه بالنقض لدى أمانة سر المحكمة العليا بصحيفة موقعة من محام مقبول للترافع مستوفية لأوضاعها الشكلية وتم إعلان المطعون ضدها. فلم ترد.
أقيم الطعن على أسباب حاصلها مخالفة الحكم لصحيح القانون بالخطأ في التطبيق والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق على سند من القول بما حاصله أن الحكم الطعين خالف مخالفة صريحة للمرسوم السلطاني ١١٨ / ٢٠٠٨م وقضى برفع مبلغ التعويض إلى أربعة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبعين ريالا عمانيا وإلزام المستأنف ضدها المصاريف وأتعاب المحاماة مائة ريال عماني، ولم يقض له بالتعويض الجابر للضرر وذلك دون الإحاطة بعناصر الضرر وما آلت إليه حال الطاعن ولم يقض لكافة الإصابات على اعتبار أن المحكمة لم تناقش جميع التقارير الطبية مخالفة بذلك الثابت بالأوراق مع مخالفة ما هو ثابت فقها وقضاء في وجوب تحديد عناصر الضرر وإعطاء كل عنصر حقه المشروع له من دية أو أرش أو حكومة عدل ومؤداه عدم إحاطة المحكمة بعناصر الطلبات والأضرار التي لحقت بالطاعن ولما كانت التقارير الطبية خير شاهد على ذلك فيتبين إخلال المحكمة بواجبها المنوط بها وهو مناقشة عناصر الضرر والاحتساب لكل إصابة بتعويض مستقل وفقا للتقارير الطبية وما آل إليه حال الطاعن بعد الحادث. ثم ذكر مجموعة كثيرة من الإصابات وانتهى بالمطالبة بنقض الحكم المطعون فيه والتصدي للموضوع والقضاء له برفع التعويض حسب طلباته وإلزام المطعون ضدها المصاريف والرسوم ومبلغ ألف ريال عماني أتعاب محاماة.
المحكمة
بعد الاطلاع على سائر الأوراق وبعد استماع التقرير المعد من القاضي المقرر وبعد المداولة وكون الطعن استوفى أو ضاعه الشكلية فهو مقبول شكلا، ومن حيث الموضوع فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما ذكره وكيل الطاعن سديد في مضمونه ذلك أنه من الواجب على المحكمة مصدرة الحكم تقصي جميع الإصابات وآثارها وما آلت إليه حال المضرور من فوات نفع أو حدوث ضرر.
والأصل أن المتسبب هو المسؤول أولا وآخرا عن الاضرار التي يلحقها بالغير إلا أنه لما كان المدعى عليه بمحض إرادته ودون جبر أو إكراه قائما مقام المتسبب وحالا محله في تحمل جميع أعباء الاضرار الناتجة عن الفعل الضار التي أصيب بها المضرور مهما كانت فقد أجاز الشرع والقانون إقامة الدعوى على الكفيل في حدود كفالته دون مطالبة الأصيل إن أراد ذلك كما هو معلوم من أحكام الكفالة والوكالة والضمانة فقها وقانونا.
ومن الواجب على المحكمة مصدرة الحكم تقصي جميع الأضرار من إصابات وآثارها واحتاجته من تدخل جراحي وما س رت إليه تلك الأضرار وما آلت إليه حال المضرور من فوات نفع أو حدوث ضرر وما ستؤول إليه حاله بسبب ذلك أن كان ثم دليل عليه. والذي يبين من الحكم الطعين عدم تقصيه الإصابات وآثارها على المصاب وما احتاجته من تدخل علاجي سواء أكان جراحة أو دونها وأيلولة حال المضرور بعد الحادث من فوات نفع أو حدوث ضرر أو عاهة مستديمة إلى غير ذلك مما هو معلوم فقها وقضاء مخالفا بذلك القانون الواجب تطبيقه مما يتعين على هذه المحكمة القضاء بنقضه وذلك لعدم التحقق من جميع الإصابات وآثارها على جسم المصاب ودون إعطاء ما ذكر من إصابات حقه المشروع له من دية أو أرش أو حكومة عدل ودون مناقشة التقارير المرفقة بالدعوى وما آلت إليه حال المضرور من فوات نفع أو حدوث ضرر أو عاهة مستديمة كما مر بيانه آنفا إذ بين التقارير وما قضي به بون شاسع قد يتغير معه وجه الرأي في التعويض إذا ما نوقشت ومحصت تلك التقارير. مما يعد قصورا مبطلا لحكمها ويتعين بموجبه على هذه المحكمة القضاء بنقضه على أن يكون مع النقض الإحالة، وعلى المحكمة المحال إليها التحقق من جميع ما يوصلها إلى العدالة المطلوبة لا سيما التحقق من جميع الإصابات وآثارها على جسم المصاب وما احتاجته أثناء العلاج من عمليات جراحية وغير جراحية وخياطة وشبهها وما آلت إليه حال المضرور من فوات نفع أو حدوث ضرر أو عاهة مستديمة الى غير ذلك مما هو معلوم ضرورة، ولأجل البيان لا الحصر وكمبدأ عام فإن الإصابات التي يظهر أثرها داخل الجوف لكل واحدة ثلث الدية ولا يشترط أن تظهر الجراحة في الخارج وذلك إذا قرر الأطباء العارفون ذلك مثاله لو أصيب إنسان بجناية ما في التجويف الصدري أو البطني وقرر الأطباء أن ضررها وصل الكلية أو الرئة أو الكبد أو المساريق أو الأمعاء الخ فلكل إصابة جارحة مما ذكرنا ثلث الدية فإن احتاجت إلى تدخل جراحي بفتح الجوف أو ثقبه ولو بإبرة ففي كل عملية ثلث الدية أيضا وهذا أمر يكاد مفروغا منه لثبوته بالسنة عن المعصوم (ص) «وفي الجائفة ثلث الدية» وقد نص عليها المرسوم السلطاني المنظم للديات والأروش ١١٨ / ٢٠٠٨م والجائفة هي الإصابة التي يصل ضررها إلى الجوف ولو بثقب إبرة هكذا نص أهل العلم عليه ومن العلوم ضرورة أن ثقب الابرة بعد إخراجها لا يمكن أن يرى بالعين المجردة، وإن بتر شيء من تلك الأعضاء الجوفية فله أرشه -بقدر ما بتر- من الدية الكبرى ما لم يؤد إلى خلل في العضو فإن أدى إلى خلل فيه فله حقه أيضا وان استوصل وكان فرديا فالدية الكاملة وان زوجيا فنصفها ما لم يسر الضرر إلى الجزء الثاني فإن سرى إليه فله حقه أيضا وهكذا يقاس سائرها.
وكذا في إصابة الرأس الحكم فيها سواء بسواء كما تقدم في مسألة الجوف كالآمة أو المأمومة مثلا وهي الإصابة التي تصل إلى الصفاق الفاصل بين المخ وغطاء الرأس أي عظمه. «وفي المأمومة ثلث الدية « الحديث، فإن قرر الأطباء أن الإصابة وصل ضررها إلى المخ مثلا فلكل إصابة حكم المأمومة وكذا الحال في التدخل الجراحي وهكذا يقاس سائرها. وبعدها الدامغة بالغين المعجمة وهي التي تخرق الجلدة وتصل إلى الدماغ أي تكشف المخ ولم يذكرها كثير من العلماء لأن الدامغة عادة لا يعيش معها الإنسان فإن عاش فذلك فضل من الله ونعمة؛ ولها حكم ما قبلها أي حكم المأمومة ومن العلماء من يزيد في أرش المأمومة حكومة ولعله هو الأصوب للخطورة البالغة التي تسببها الاصابة وذلك ما لم تسبب ضررا آخر فإن سببت ذلك فلا شك أن لكل حكمه كما سبق بيانه.
أما التدخل الجراحي في تجبير العظام فيختلف اختلافا كثيرا؛ وذلك أن تجبير العظام حسب الطب الحديث يحتاج إلى فتح كامل اللحم وإيضاح العظم ولكن لا يوجد جوف، والأصل أن فيه حكم الموضحة أي موضحة العظم ولكن لابد من معرفة مساحة الجراحة بالقياس طولا وعرضا والقياس في الجروح حسبما حدده الفقهاء ابتداء من الدامية وانتهاء بالموضحة هو راجبة الابهام طولا وعرضا ووضعوا لذلك اثنتي عشرة نقطة بإبرة القلم المتوسط وما بين كل نقطتين قدر نقطة واحدة في الطول والعرض كذلك، وما زاد فبحسابه يزداد التعويض وما نقص فبحسابه، ومتوسط الراجبة الواحدة حسبما حدده الفقهاء وحسبما مضى عليه العمل بالقياس العصري ثلاثة سنتم طولا وكذا العرض فبضرب الطول في العرض تصير تسعة سنتم وما زاد فبحسابه يزاد عليه التعويض وما نقص فبحسابه، فمثال الزائد جرح طوله أربعة سنتيات وعرضه ثلاثة فبضرب الطول في العرض يصير اثني عشر سنتيا، والراجبة التامة تسعة سنتيات فهذا يعني أنه راجبة وثلث راجبة. فإن كان الجرح موضحا فمعناه موضحة وثلث فيستحق قيمة موضحة وثلث وهكذا.
ومثال الناقص جرح طوله ثلاثة سنتي وعرضه سنتيان فبضرب الطول في العرض يصير ستة سنتيات أي راجبة الا ثلث راجبة فان كان موضحا فموضحة الا ثلث موضحة وله في التعويض قيمة موضحة إلا ثلث موضحة وهكذا في باقي الجروح.
فإن لم يكن ثمة قياس واضح فأقل ما يقال في تثبيت الكسور أرش ثلاث موضحات طولا مع عرض واحدة أي تسعة سنتم طولا مع عرض ثلاثة سنتي فيكون قيمة التعويض قيمة ثلاث موضحات؛ ذلك أن الطبيب في تثبيت المثبتات على الكسر يحتاج إلى إدخال الصفائح المثبتة وشدها بالمسامير وهذا أقل قدر يمكنه من ذلك أي بقدر تسعة سنتي متر طولا مع عرض ثلاثة على أقل تقدير فذلك قياس ثلاث موضحات فإن كان العرض أو الطول أكثر فبحسابه وهكذا ما لم يؤد التثبيت إلى ثقب العظم فإن أدى إلى ثقب العظم ففيه جائفة لأن للعظم جوفا وهو محل النخاع فإن خرج الثقب من الجهة الثانية ففيه جائفتان حسبما قعده أهل العلم وعلى رأسهم العلامة أبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي وغيره، وهكذا…»
وهذا كله إن لم تخلف الإصابة ضررا آخر على المصاب أما إن خلفت ضررا وثبت بمعرفة أهل الخبرة بذلك فللمجني عليه أرش الإصابة وارش الضرر وأرش التدخل الجراحي ولو وصل إلى عدة ديات. وحسبنا عمل الصحابة (رضي الله عنهم) في المشجوج في رأسه
إذ حكموا له بخمس ديات كما هو ثابت عنهم (رضي الله عنهم)، وأصل جراحته شجة في الرأس فقط إلا أنه لما سرى أثرها إلى فقد منافع في المصاب حكموا له بالديات على كل منفعة دية، ولم يخالفهم فيه أحد واستمر العمل على ذلك فصار إجماعا عمليا.
ومع التنبه أن إصابة المخ أن لو وجدت أعظم ضررا من سائر الجسد وتؤثر على عمل جميع جزيئآت الجسم فما من جزيئة من خلاياه إلا ولها عمل خاص قد لا يعوض بغيرها إن فسدت فيفقد صاحبها منفعتها ولو بعد حين، ولذا لا بد من التعويض العادل.
وكذا الحال في دمج الفقرات لابد من معرفة جدوى هذا الدمج وأثره على المصاب سلبا أو إيجابا وهل بسبب الدمج أدى إلى تقلص العمود أم لا؟ وهل هذا الدمج تم ببديل عن التالف أم لا؟ ومن ثم الحكم عليه بعد تصوره تصورا واضحا دون شك أو لبس.
أما الانتظار بالمجني عليه إلى البرء أو إلى سنة مثلا فليس المراد منه نقص الأرش المنصوص عليه من الشارع؛ وإنما المراد منه انكشاف الضرر المترتب على الجناية هل سيترتب عليها ضرر آخر أم لا؟ وهي المسماة في الفقه بـ “السراية، أو التولد” فإن تولد من الجناية ضرر فللمصاب أرش الجناية وأرش الضرر كما أسلفنا بدليل قوله (ص) «نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك» الحديث المروي في المشجوج في الركبة فقد أسقط (ص) عليه حق السراية بسبب تعجله وعدم أخذه بنصيحة المصطفى (ص) بصريح اللفظ فرسول الله (ص) لما راجعه لم ينف إضافة حق السراية على حق الجناية وإنما لم يقض له بها عقوبة له على المخالفة بصريح اللفظ.
وبدليل قوله (ص) في رواية أخرى «ثم يقضى فيها على حسب ما انتهى إليه» مع أدلة أخرى لا يتسع إيرادها هنا. وبدليل تعدد ذكره (ص) في أحاديث الديات والأروش للأعضاء ومنافعها كلا على حدة من غير قيد أو شرط. (وما ينطق عن الهوى (٣) إن هو إلا وحي يوحى (٤) سورة النجم. وبدليل قضاء الصحابة (رضي اللهم عنهم) المشار إليه قبل. وقد مضى بيان ذلك بما فيه الكفاية وإنما ذكر للتذكير فقط. (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (٣٧) سورة ق. وإن كان ثم تناقض أو ريبة أو شك في التقارير أو الإصابات أو آثارها فيرد إلى جهة الاختصاص: الجهة المعالجة؛ لاستجلاء الحقيقة. إذ: الحكم على الشيء فرع من تصوره. والحكم في شيء ما دون تصوره تصورا واضحا ينفي عنه الريب والشك باطل وجدير بالنقض. لما كان ذلك وكان الحكم الطعين خالف هذا النظر قضت هذه المحكمة بنقضه وإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة بناء على طلب الخصوم وبدون رسوم جديدة وإلزام المطعون ضدها بالمصاريف ورد الكفالة للطاعن.
فلهذه الأسباب
« حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتحكم فيها من جديد بهيئة مغايرة بناء على طلب الخصوم وبدون رسوم جديدة وإلزام المطعون ضدها بالمصاريف ورد الكفالة للطاعن».