التصنيفات
أحكام قضائية

المحكمة العليا – الدائرة الجزائية (أ): الطعن رقم ١٠٦٩ / ٢٠١٧م

2017/1069 1069/2017 ٢٠١٧/١٠٦٩ ١٠٦٩/٢٠١٧

تحميل

جلسة يوم الثلاثاء الموافق ٢٤ / أبريل / ٢٠١٨م

المشكلة برئاسة فضيلة السيد  /  خليفة بن سعيد بن خليفة البوسعيدي  /  نائب رئيس المحكمة وعضوية كل من أصحاب الفضيلة القضاة: سالم بن سعيد الرحبي، سلطان بن ماجد الزعابي، العربي الحروشي، مجيد فرج شوشان

(٦٧)
الطعن رقم ١٠٦٩ / ٢٠١٧م

– الإكراه المعيب للإرادة.» ماهيته».

– المقصود بالإكراه الذي يعيب الاعتراف في القانون الجنائي هو ضغط خارجي على إرادة شخص يعدمها أو يشل حرية الاختيار لديه للقيام بعمل أو الامتناع عنه ولا يستوجب ذلك أن يكون الضغط من خارج جسم من بوشر عليه الإكراه وإنما أن يكون من خارج نفسيته كذلك. أما إذا كان الإكراه مصدره داخليا أو ذاتيا أو مبعثه التركيبة النفسية للشخص ذاته فإنه لا يعد إكراهاً معيباً لإرادة الشخص وبالتالي معيباً لاعترافه، وتأسيساً على ذلك فمجرد القول بأن الاعتراف أمام الادعاء العام كان نتيجة الخوف دون تحديد موجب ذلك الخوف وهل كانت أسبابه خارجة عن إرادته ونفسيته أم هي لأسباب ذاتية يجعله دفعاً غير جدي.

الوقائع

تتحصلُ الوقائع على ما يبينْ ُ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن في أن الادعاء العام أحال المتهم (الطاعن) إلى محكمة الاستئناف بالرستاق (محكمة الجنايات)؛ لأنه بتاريخ سابق على (١٠ / ٥ / ٢٠١٧م) بدائرة اختصاص مركز شرطة الرستاق:

تحرَّش جنسياً بالطفل المجني عليه…. البالغ من العمر (١٦) سنة وذلك بأن أخذه بواسطة مركبته إلى مكان متوار عن الأنظار وقام بتحسس جسده وخلع سرواله وملابسه وملامسة جسمه وتقبيله والإمساك بقضيبه وتكرر منه ذلك الفعل عدة مرات، وفق الثابت بالتحقيقات.

وطالب الادعاء العام بمعاقبته بجناية التحرش الجنسي بطفل المؤثمة بالمادة (٧٢) بدلالة المادة (٥٦ / ب) من قانون الطفل وجنحة ارتكاب أفعال مخالفة للآداب   داخل مركبة المؤثمة بالمادة (٤٩ / ٦) من قانون المرور وسحب رخصة قيادته استناداً للمادة (٥٤) من ذات القانون.

وبجلسة (١٨ / ٧ / ٢٠١٧م) حكمت المحكمة حضورياً بإدانة المتهم (الطاعن) بما أسند إليه من اتهام وقضت بمعاقبته عن الجناية بالسجن سنتين ونصف وغرامة قدرها (٠٠٠.٣ ر.ع) ثلاثة آلاف ريال وعن الجُنحة بالسجن شهراً على أن تدغم العقوبتان وينفذ منهما الأشد مع إنفاذ الغرامة وثلاثة أشهر من العقوبة السجنية المقضي بها ووقف الباقي وألزمت المتهم المصروفات.

لم يرتض المحكوم عليه (الطاعن) بهذا القضاء فطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا بالطعن الماثل الذي تم التقرير به بتاريخ (٢٦ / ٧ / ٢٠١٧م) بأمانة سر المحكمة التي أصدرته وبذات التاريخ أودعت صحيفة بأسباب الطعن موقعة من محام مقبول أمام المحكمة العليا بصفته وكيلاً عن الطاعن وقدم سند وكالته عنه التي تتيح له ذلك وأعلن المطعون ضده بصحيفة الطعن فآثر عدم الرد.

وقدم الادعاء العام لدى المحكمة العليا مذكرة بالرأي خلص فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعن المصروفات.

المحكمة

بعد الاطلاع على الحكم المطعون فيه وعلى سائر أوراق الطعن وبعد سماع التقرير الذي أعدَّه وتلاه القاضي المقرر وبعد المداولة قانوناً.

حيث إن الطعن استوفى شكله القانوني فهو مقبول شكلاً.

وحيث ينعى الطاعن (المحكوم عليه) على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع عندما أدانه بالجُرمين اللذين نسبهما إليه الادعاء العام رغم خلو أوراق الدعوى من الأدلة المثبتة لذلك ما عدا أقوال الطفل المجني عليه التي جاءت مرسلة ومتناقضة وأن اعترافاته بمحاضر التحقيقات الابتدائية والتي عدل عنها أمام المحكمة لا تنهض دليلاً على إدانته لأن تلك المحاضر ليست لها حجية الإثبات أمام المحكمة وإنما يجوز استخدام عناصرها في مناقشة المحقق كشاهد فيما أثبته في محاضره حسب المادة (١٨٦) من قانون الإجراءات الجزائية وأن الدعوى منقضية بمضي المدة وقد دفع بذلك أمام محكمة الحكم المطعون فيه إلا أنها التفتت عن ذلك رغم تعلق الأمر بدفع   جوهري، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.

وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه غير سديد لما هو مقرَّر في قضاء المحكمة العليا من أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناءً على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معينَّ دون آخر فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بيِّنة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيَّده القانون بدليل معينَّ ينصُّ عليه وأنه لا رقابة عليه من المحكمة العليا متى أقام قضاءه على أسباب سائغة وأدلة مقبولة في العقل والمنطق وأن القانون قد أمدَّ القاضي في المسائل الجنائية بسلطة واسعة وحُرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجرائم أو عدم ثبوتها والوقوف على حقيقة علاقة المتهمين ومقدار اتصالهم بها ففتح له باب الإثبات على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدَّة من كل عنصر بمحض وجدانه فيأخذ بما تطمئن إليه عقيدته ويطرح ما لا ترتاح إليه وهو غير ملزم بأن يسترشد في قضائه بقرائن معيَّنة بل له مطلق الحُرية في تقدير ما يعرض عليه منها ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يُستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها بغية الحقيقة ينشدها أنى وجدها ومن أيِّ سبيل يجده مؤدياً إليها وذلك لما تستلزمه طبيعة الأفعال الجنائية وما تقتضيه مصلحة المجتمع من وجوب معاقبة كل جانٍ وتبرئة كل بريء.

لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بينَّ واقعة الدعوى بما مؤداه أن مركز شرطة الرستاق تلقى بتاريخ (٨ / ٥ / ٢٠١٧م) بلاغاً جرمياً من ولي المجني عليه مفاده قيام المتهم (الطاعن) بربط علاقة مع هذا الأخير واصطحابه إلى السيح في أكثر من مناسبة وقيامه بملامسة جسمه وتقبيله وخلع سرواله ومسك قضيبه وقد اعترف المتهم بقيامه بتلك الأفعال بتحقيقات الشرطة وأمام الادعاء العام إلا أنه أنكرها أمام المحكمة وهو إنكار لم تسايره فيه المحكمة وأدانته بما نسب له من جرم مؤسسة قضاءها على اعترافه أمام الشرطة بتاريخ (٨ / ٥ / ٢٠١٧م) من أنه كان يصطحب المجني عليه إلى السيح ويمارس معه التحرش الجنسي كتقبيله ومسك قضيبه وكذلك اعترافه أمام الادعاء العام بأنه هو من سلم المجني عليه شريحة الهاتف التي ضبطت لدى هذا الأخير وذلك من أجل التواصل معه وأنه أخذه أكثر من مرة بسيارته من أجل التفسح ويكون ذلك بعد صلاة المغرب وأنه كان يغتنم فرصة وجوده معه في سيارته ليتلمس قضيبه وتوافق ذلك وأقوال المجني عليه خلال كافة مراحل الدعوى من أنه وعلى إثر اكتشاف والده وجود رقم هاتف لديه أخبره بأن   المتهم هو الذي أعطاه إياه من أجل التواصل معه وأنه كان يأخذه في جولة مسائية وأنهما كان يجلسان في السيارة فيقوم هذا الأخير بمسكه من قضيبه وفي بعض الأحيان يحاول ملامسته من الخلف إلا أنه كان يصده وأن تلك الواقعة تكررت مرات عدة وقد ثبت من شهادة ميلاده أنه ما زال طفلاً في تاريخ الواقعة المقترفة في حقه وهو تسبيب سائغ مستمد مما له أصل بأوراق الدعوى بما يجعل نعي الطاعن عليه في هذا الشأن غير سديد بما يتعينَّ رفضه وكذلك الشأن بالنسبة لدفعه بانقضاء الدعوى بمرور المدة فقد ردت عليه المحكمة بأن دعوى الحال هي جناية وليست من جرائم الشكوى التي لا تقبل فيها الشكوى بعد مرور ثلاثة أشهر من علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها وهو رد سائغ قانوناً وكذلك الشأن بالنسبة لدفعه بأن اعترافه لدى الادعاء العام كان معيباً نتيجة خوفه فمردود بما هو مقرَّر في قضاء المحكمة العليا من أن المقصود بالإكراه الذي يعيب الاعتراف في القانون الجنائي هو ضغط خارجي على إرادة شخص يعدمها أو يشل حرية الاختيار لديه للقيام بعمل أو الامتناع عنه ولا يستوجب ذلك أن يكون الضغط من خارج جسم من بوشر عليه الإكراه وإنما أن يكون من خارج نفسيته كذلك أما إذا كان الإكراه مصدره داخلي أو ذاتي أو مبعثه التركيبة النفسية للشخص ذاته فإنه لا يعد إكراهاً معيباً لإرادة الشخص ومن ثم معيباً لاعترافه وتأسيساً على ذلك فمجرد القول بأن الاعتراف أمام الادعاء العام كان نتيجة الخوف دون تحديد موجب ذلك الخوف وهل كانت أسبابه خارجة عن إرادته ونفسيته أم هي لأسباب ذاتية يجعله دفعاً غير جدي هذا فضلاً عن أن اعترافه أمام الادعاء العام إنما كان مجرد إعادة لاعترافاته في تحقيقات الشرطة وتأسيساً على ذلك يكون الحكم المطعون فيه وجيهاً عندما أخذ بذلك الاعتراف واستبعد دفع الإكراه المدعى به لما في ذلك من توافق مع ما هو مقرَّر في قضاء المحكمة العليا من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحُرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع حتى وإن عاد المتهم وجحده في جلسة المحاكمة كما أن لها أن تقدر عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة لها أصل ثابت بأوراق الدعوى وما دام قد ثبت أن ذلك الدليل طُرح للنقاش في جلسة (٢٠ / ٦ / ٢٠١٧م).

لما كان ذلك وكان من المقرَّر في قضاء المحكمة العليا أن ما يعتمده القاضي من أدلة يجب أن يؤدي بشكل طبيعي إلى النتيجة التي توصَّل إليها ذلك أن استقلال القاضي الجزائي في تقدير الأدلة مقيَّد بسلامة التقدير والاستدلال وكان البينِّ ُ مما أورده الحكم المطعون فيه وبشأن المناعي السالف بسطها أنه أورد في شأنها واقعة الدعوى وعرض لجميع عناصرها بما يكشف عن تمحيصه لها والإحاطة بكل ظروفها وجاء مسبَّباً التسبيب الكافي الذي يحمل منطوقه وأن ما انتهى إليه يرفع عنه النيل من سلامته ويجعل أسباب الطعن مجرَّد جدل موضوعي حول السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع في استخلاص واقعة الدعوى وتكوين عقيدتها وهو ما لا يجوز إثارته والخوض فيه أمام المحكمة العليا فلذلك يتعينَّ رفض تلك المناعي في شأنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وإلزام الطاعن المصروفات.