التصنيفات
فتاوى قانونية

وزارة العدل والشؤون القانونية: فتوى رقم ١٩٢٧١٥٨٥٦

192715856

تحميل

(١١)
بتاريخ ٢٠ / ٣ / ٢٠١٩م

١ – وحدات الجهاز الإداري للدولة – استقلالها ماليا وإداريا – حدود هذا الاستقلال.

إن المشرع، جريا على النهج الحديث في أهمية وضع إطار تنظيمي لكيفية التصرف في الأموال المملوكة للدولة، وتحديد السلطات والاختصاصات والصلاحيات المالية، وضبط الإنفاق العام، وتحصيل الإيرادات، ومراقبتها، والحفاظ عليها، قد عمد إلى إصدار القانون المالي – قرر سريان أحكامه على جميع الوزارات، والوحدات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة – أجاز المشرع بمقتضى أحكام القانون المالي التصرف في الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، وإدارتها، وناط الاختصاص في هذا الشأن بوزارة المالية بمقتضى أحكام المرسوم السلطاني الصادر بتحديد اختصاصاتها، باعتبارها القوامة على المحافظة على أموال الدولة – لا يخل ذلك بالنظم المالية الخاصة التي تكون مقررة لأي من تلك الوحدات بمقتضى قوانين أو مراسيم سلطانية، كما لا يخل بالاستقلال المالي الذي ينص عليه المرسوم السلطاني الصادر بإنشائها – أساس ذلك – أن وحدات الجهاز الإداري للدولة لا يجوز معاملتها بوصفها نمطا ثابتا، أو النظر إليها باعتبار أن صورة واحدة تجمعها لتصبها في قالبها، باعتبار أن المشرع قد يخص إحداها بأحكام خاصة بالنظر إلى الغرض المتوخى من إنشائها، والخصائص الجوهرية لطبيعة نشاطها – تطبيق.

٢ – البنك المركزي العماني – سندات ملكية العقارات المملوكة للبنك ملكية خاصة – أحقيته في الاحتفاظ بأصول تلك السندات.

خص المشرع البنك المركزي العماني بمعاملة متميزة فيما يتعلق بالتعامل على العقارات المملوكة له ملكية خاصة – حيث منحه الحق في تملك تلك العقارات، وإدارتها، والتصرف فيها، متى كان ذلك لازما وضروريا لمزاولة أعماله – الحق في تملك العقارات الخاصة، وإدارتها، والتصرف فيها لا ينفصل عن الحق في الاحتفاظ بسندات ملكية هذه العقارات – أساس ذلك – الحقان مرتبطان، يتبادلان التأثير فيما بينهما تطبيقا للقاعدتين الأصوليتين اللتين تقضيان بأن: “الدال على الملزوم دال على لازمه”، وأن: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” – مقتضى ذلك ولازمه – لا يجوز أن تفرض على مباشرة أيهما قيود تحد من إطلاقهما، أو تعسر الحصول عليهما، أو تحول دونهما، باعتبار أن لكل حق مجالا حيويا، أو حدودا منطقية يعمل في إطارها، فلا يجوز اقتحامها – تطبيق.


فبالإشارة إلى الكتب المتبادلة، والمنتهية بالكتاب رقم: ……………. بتاريخ …………….، الموافق ……………. بشأن طلب إبداء الرأي القانوني حول مدى صلاحية البنك المركزي العماني في الاحتفاظ بأصول سندات ملكية العقارات المملوكة له.

وحاصل وقائع الموضوع – حسبما يبين من الأوراق – أن البنك المركزي العماني منذ تأسيسه في عام ١٩٧٤م، وهو يحتفظ بجميع أصول سندات ملكية العقارات المملوكة له، ولا يتم تسليمها إلى وزارة …………….، وأنه استنادا إلى ذلك، وإلى ما يتمتع به البنك المركزي العماني من استقلال مالي وإداري، فقد خاطب وزارة …………….بطلب إرسال أصول سندات ملكية بعض العقارات المخصصة له، إلا أن وزارة ……………. قد ارتأت مخاطبة وزارة ……………. لإبداء مرئياتها حول هذا الطلب، والتي أفادت – بدورها – بعدم أحقية البنك المركزي العماني في ذلك، استنادا إلى أن الاستقلال المالي والإداري الذي يحاج به البنك المركزي العماني لا يترتب عليه عدم تطبيق أحكام القانون المالي، ولائحته التنفيذية، وأن هذا الاستقلال يتمثل في أن الجهة أو الهيئة تستقل في إدارة شؤونها المالية والإدارية بالقدر الذي يضمن سير المرفق العام بانتظام واطراد، مع بقاء الأموال المملوكة له ملكية خاصة تحت إشراف وزارة المالية في ضوء المرسوم السلطاني رقم ٣٩ / ٩٦ بتحديد اختصاصات وزارة المالية، واعتماد هيكلها التنظيمي.

وتذكرون أن البنك المركزي العماني لا يتفق وما ذهبت إليه وزارة ……………، باعتبار أن القانون المالي قد قرر في مادته الثانية سريان أحكامه على جميع الوزارات والوحدات الحكومية بدون إخلال بالنظم المالية الخاصة التي تكون مقررة لأي منها بمقتضى قوانين أو مراسيم سلطانية، وكذلك على الهيئات العامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة بدون إخلال بالاستقلال المالي الذي ينص عليه المرسوم السلطاني الصادر بإنشائها، ولما كان القانون المصرفي قد منح البنك المركزي العماني في مادته (٦) الاستقلال المالي والإداري، وأن البند (أ) من المادة (٢٠) من القانون المصرفي قد أعطت البنك حرية تملك أو استخدام أو تخصيص أو بيع أو نقل ملكية العقارات أو التصرف فيها بأي طريقة أخرى عندما يكون ذلك ضروريا لمزاولة أعماله، ومن ثم فإن الأحكام الواردة في القانون المالي ولائحته التنفيذية التي تستند إليها وزارة المالية إنما تخاطب فقط الوزارات والوحدات الحكومية التي تخضع لسلطة وزارة المالية، ولا شأن لها بالبنك المركزي العماني الذي يخضع في تنظيمه إلى أحكام قانون خاص به.

وإزاء هذا الخلاف في الرأي فيما بين البنك المركزي العماني، ووزارة المالية، فإنكم تطلبون الإفادة بالرأي القانوني.

وردا على ذلك، نفيد بأنه تمهيدا لإبداء الرأي القانوني في المسألة المعروضة، ينبغي التنويه إلى أن التكييف القانوني السليم لطلب الرأي المشار إليه في ضوء الوقائع المنوه بها، ينحصر في التساؤل حول مدى أحقية البنك المركزي العماني في الاحتفاظ بأصول سندات ملكية العقارات المملوكة له ملكية خاصة.

وحيث إن القانون المالي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ٤٧ / ٩٨ ينص في مادته (٢) على أن: “تسري أحكام هذا القانون على:

١ – جميع الوزارات والوحدات الحكومية ودون إخلال بالنظم المالية الخاصة التي تكون مقررة لأي منها بمقتضى قوانين أو مراسيم سلطانية.

٢ – الهيئات والمؤسسات العامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة ودون إخلال بالاستقلال المالي الذي ينص عليه المرسوم السلطاني الصادر بإنشائها”.

وينص في مادته (١٩) على أن: “التصرف في الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة:

يكون التصرف بمقابل في الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة وفقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، ولا يجوز التصرف في هذه الأموال بدون مقابل أو تأجيرها بإيجار اسمي أو بأقل من إيجار المثل إلا بقصد تحقيق غرض ذي نفع عام، ووفقا لقواعد تحدد بقرار من الوزير بعد العرض على المجلس.

وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون السلطة المختصة بإصدار قرار التصرف في الأموال المملوكة ملكية خاصة سواء بمقابل أو بدون مقابل أو تأجيرها بإيجار اسمي أو بأقل من إيجار المثل”.

وحيث إن الملحق رقم (١) المعنون بـ”اختصاصات وزارة المالية”، المرفق بالمرسوم السلطاني رقم ٣٩ / ٩٦ بتحديد اختصاصات وزارة المالية واعتماد هيكلها التنظيمي، ينص في البند (١٨) منه على أن: “إدارة الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة والتصرف فيها وفقا للقواعد المقررة”.

وحيث إن القانون المصرفي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ١١٤ / ٢٠٠٠ ينص في مادته (٦) على أن: “يتمتع البنك المركزي بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري”.

وينص في مادته (٢٠ / أ) على أن: “ما لم ينص على خلاف ذلك في هذا القانون، يكون ضمن نطاق سلطات رئيس مجلس المحافظين أو نائب الرئيس أو الأشخاص المفوضين من قبلهما أو من قبل مجلس المحافظين ممارسة السلطات التعاقدية والسلطات المتعلقة بتملك أو استخدام أو تخصيص أو بيع أو نقل ملكية العقارات أو الممتلكات الشخصية أو التصرف فيها بأي طريقة أخرى عندما تكون تلك السلطات ضرورية لمزاولة أعمال البنك المركزي وفقا لقوانين السلطنة السارية على العقود التي تبرم من قبل الحكومة أو نيابة عنها (…………)”.

وحيث إن مفاد ما تقدم، أن المشرع – جريا على النهج الحديث في أهمية وضع إطار تنظيمي لكيفية التصرف في الأموال المملوكة للدولة، وتحديد السلطات والاختصاصات والصلاحيات المالية، وضبط الإنفاق العام، وتحصيل الإيرادات، ومراقبتها، والحفاظ عليها – قد عمد إلى إصدار القانون المالي، وقرر سريان أحكامه على جميع الوزارات، والوحدات الحكومية، ودون إخلال بالنظم المالية الخاصة التي تكون مقررة لأي منها بمقتضى قوانين أو مراسيم سلطانية، وكذلك على الهيئات والمؤسسات العامة، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، ودون إخلال بالاستقلال المالي الذي ينص عليه المرسوم السلطاني الصادر بإنشائها، وقد أجاز بمقتضى أحكام هذا القانون التصرف في الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، وإدارتها، وناط الاختصاص في هذا الشأن بوزارة المالية بمقتضى أحكام المرسوم السلطاني الصادر بتحديد اختصاصاتها، باعتبارها القوامة على المحافظة على أموال الدولة، إلا أن المشرع – نظرا لخصوصية البنك المركزي العماني، وطبيعة نشاطه – قد قرر منحه حق تملك الأموال العقارية الخاصة، وإدارتها بنفسه، والتصرف فيها بأي نوع من التصرفات طالما كان ذلك لازما وضروريا لمزاولة أعماله.

وحيث إن من المقرر أن وحدات الجهاز الإداري للدولة لا يجوز معاملتها بوصفها نمطا ثابتا، أو النظر إليها باعتبار أن صورة واحدة تجمعها لتصبها في قالبها، باعتبار أن المشرع قد يخص إحداها بأحكام خاصة بالنظر إلى الغرض المتوخى من إنشائها، والخصائص الجوهرية لطبيعة نشاطها، كما أنه من المقرر كذلك أن النصوص القانونية لا تؤخذ إلا في ضوء ما يتحقق فيه معناها، ويكفل ربط مقدماتها بنتائجها، وكان الأصل أنه إذا جاءت عبارات النص جلية المعنى، قاطعة الدلالة على قصد المشرع، فلا يسوغ الالتفاف عنها أيا ما كانت وجاهة الأسانيد والحجج التي تحدو إلى ذلك، بل إن الأولى والأجدر بالاتباع هو الالتزام بما حملته تلك العبارات من أحكام.

وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، وكان المشرع قد خص البنك المركزي العماني بمعاملة متميزة فيما يتعلق بالتعامل على العقارات المملوكة له ملكية خاصة، فأجاز له بمقتضى نص المادة (٢٠ / أ) من القانون المصرفي المشار إليه تملك تلك العقارات، وإدارتها، والتصرف فيها، متى كان ذلك لازما وضروريا لمزاولة أعماله، وذلك خروجا على القواعد العامة المقررة في كيفية التعامل مع الأموال العقارية المملوكة للدولة ملكية خاصة التي أوكل المشرع أمرها إلى وزارة المالية، فإنه يتعين الانصياع في هذا الشأن لإرادة المشرع، والتسليم – بلا جدال – بأحقية البنك المركزي العماني في تملك العقارات الخاصة، وإدارتها، والتصرف فيها.

وحيث إن حق البنك المركزي العماني في تملك العقارات الخاصة، وإدارتها، والتصرف فيها على النحو سالف البيان، لا ينفصل عن حقه في الاحتفاظ بسندات ملكية هذه العقارات، إذ هما حقان مرتبطان، يتبادلان التأثير فيما بينهما، تطبيقا للقاعدة الأصولية التي تقضي بأن: “الدال على الملزوم دال على لازمه”، وأن: “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، ومن ثم فلا يجوز أن تفرض على مباشرة أيهما قيود تحد من إطلاقهما، أو تعسر الحصول عليهما، أو تحول دونهما، باعتبار أن لكل حق مجالا حيويا أو حدودا منطقية يعمل في إطارها، فلا يجوز اقتحامها، وإلا كان ذلك نقضا لفحواه، وخروجا على حكم المادة (٢٠ / أ) من القانون المصرفي المشار إليه، ومحادة لإرادة المشرع التي أودعها نص هذه المادة من كفالة حق البنك المركزي العماني في تملك العقارات الخاصة، وإدارتها، والتصرف فيها بجميع أنواع التصرفات، وما يستلزمه ذلك من الاحتفاظ بسندات ملكيتها.

ولا يفوت وزارة الشؤون القانونية التنويه إلى أن ما ورد في المادة (٦) من القانون المصرفي المشار إليه من تمتع البنك المركزي العماني بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، لا يعني السماح له بالتصرف في شؤونه المالية والإدارية بمعزل عن تشريعات الدولة، من قوانين وأنظمة، أو منحه سلطة البت المنفرد في بعض الأمور دون رقابة، وإنما منح الحرية في إدارة أمواله وفقا لما تحدده النصوص القانونية، كأن يكون لها ميزانية وحسابات خاصة مستقلة عن ميزانية الدولة، وأن يحصل على إيرادات من غير الحكومة، وأن يمتلك العقارات، ويديرها، ويتصرف فيها.

لذلك انتهى الرأي، إلى أحقية البنك المركزي العماني في الاحتفاظ بأصول سندات ملكية العقارات التي يمتلكها ملكية خاصة، وذلك على النحو المبين بالأسباب.